عمايرة: مجامع اللغة العربية تحتاج إلى تحديث وعصرنة


حاوره: د.حسن الملخ *




    د.إسماعيل أحمد عمايرة، أستاذ اللسانيّات واللغة في قسم اللغة العربيّة بالجامعة الأردنيّة، قامةٌ أردنية متميزة في الدراسات اللغوية العربيّة، ومعروفة في الأوساط العلميّة على المستوى العربيّ والدوليّ، وهو عضو مجمع اللغة العربية الأردني.. 
عندما تراه تعْبر عبرَ ابتسامته الأبويّة إلى عصور الفصاحة الزاهية، تجذبك كلماته العذبة، وتأسرك سنحته العربيّة الأصيلة الضاربة في التراث، وفي الوقت نفسه تحار في رؤيته يحدثك عن الدراسات الغربيّة، ولا سيما المدرسة الألمانية في اللغة، كما يحدثك عن تراث العربيّة الخالد في اللغة والنحو والمعجم والأصوات، ثم يسرد لك حلمه الجميل بمعجم عربيّ تاريخيّ موحد، وبنحو تعليميّ ميسّر يناسب عصرنا، وبصرفٍ حديث متطور ميسّر يقنع أبناءنا في تعلّم اللغة العربيّة، وبلغة عربية عابرة بقوة وتميز إلى المستقبل، يدها اليمنى تراث مجيد، ويدها اليسرى حداثة متجددة منفتحة على أحدث المنجزات، إنَّه شخصية فريدة بالتوازن الموضوعيّ بين التراث والحداثة.
هو مفكّر لغويّ، وإنسان نبيل، وعالم متميز، يعشق اللغة العربيّة كما يعشق أرضها وترابها وسماءها، وقد كان لي معه هذا الحوار: 

• مررتَ بتجربتين بحثيتين في الدراسات العليا: الأولى في الجامعة الأردنية لنيل درجة الماجستير، والثانية في ألمانيا لنيل درجة الدكتوراه، كيف تنظر لهاتين التجربتين بعد هذه السنين؟
– كانت التجربة الأولى قبل أكثر من ثلاثين عاماً حين أتبعتُ دراستي للبكالوريوس في قسم اللغة العربية وآدابها في الجامعة الأردنيّة بدراسة الماجستير فيها. 
وأبرز سمات التجربة البحثيّة آنذاك أنها كانت تعتمد على التحصيل المعرفيّ التقليديّ في موضوعٍ ما مع التحليل العلميّ بخطوات مقبولة منهجيّاً، فتكون النتيجة في بناء الباحث بناء معرفيّاً ممتازاً. 
أمّا تجربة الدراسة في ألمانيا فتقوم على الانفتاح على المعرفة التراثية واللسانيّات الحديثة بأنواعها المختلفة وتوظيف المناهج الحديثة في البحث، والسعي الصادق وراء المجيء بشيء جديدٍ في البحث العلميّ بموضوعية تُراعي متطلبات العصر في التطوّر والتحديث والتفسير؛ لهذا كان الجمع بين التجربتين إضافة حقيقيّة تحقّق للباحث صفة الأصالة من جهة المعرفة التراثيّة، والمعاصرة من جهة المعرفة اللسانيّة الحديثة.

•تركز في دراساتك العلمية الكثيرة على المعالجة اللسانيّة للّغة العربيّة في نحوها وصرفها وأصواتها ومعجمها، معالجة تاريخيّة في ضوء اللغات السامية، فإلى أيّ مدى يمكن أن تفيد اللغة العربيّة من الاطلاع على التاريخ اللغويّ لعائلة اللغات السامية؟
– اللغة العربيّة أهمّ اللغات السامية الباقية، وهي ترتبط باللغات الساميّة الأخرى كالأكّادية والبابليّة والسريانيّة والفينيقيّة بقرابة العائلة اللغويّة الواحدة، وميزة العائلة اللغويّة الاشتراك بعدد من المواصفات العامّة التي تسمح بدراسة تطوّر ظاهرة لغويّةٍ ما في اللغة العربيّة عن أخواتها من اللغات الساميّة، الأمر الذي يُعين على تفسير كثير من ظواهر اللغة العربيّة كظاهرة الممنوع من الصرف في النحو، وبعض حروف الزيادة في الاشتقاق والمعجم، وتعدّد الأنماط التعبيريّة، مثل أشكال العبارة الشرطيّة في اللغة العربيّة، كما تفسّر بعضَ المتبقّي في اللغة العربيّة على المستوى الفصيح أو المحكيّ أو الخاصّ ببيئة أو بلهجة من مرحلة ما قبل اللغة العربيّة؛ لأنَّ اللغة العربيّة على المستوى العام أو الخاصّ ببيئة قد احتفظت بكثير من الظواهر التي كانت في أخواتها من اللغات الساميّة؛ لكنَّ علماء العربيّة عندما صاغوا قواعدها في النحو والصرف لم يكونوا مطّلعين -لأسبابٍ مختلفة- على ماضيها التاريخيّ، فجانَبهم الصواب في بعضِ المواضع خاصة في تفسير بعض الظواهر، والتزيّد في التأويل الإعرابيّ والتقدير النحويّ.

* عُرِف عنك أنَّك كنت العقل المفكّر والمهندس الأكبر للمشروع الأردنيّ الرائد الذي تمثّل بإنجاز معجم ألفاظ الحياة العامة في الأردن، الصادر عن عمل علميّ جماعيّ مؤسسيّ تبنّته بالشكر والصبر والعناية والرعاية مؤسسةُ مجمع اللغة العربيّة الأردني، فما ثمرة عملكم في هذا المعجم الفريد الذي يعدّ ذاكرة ألفاظ اللهجة الأردنيّة؟
– تعود فكرة معجم ألفاظ الحياة العامة في الأردن إلى حقيقة لسانيّةٍ: مؤدّاها أنَّ اللغة المستعملة بيننا في التواصل ليست بعيدةً كلّ البعد عن العربيّة الفصيحة إلا بمقدار التخفّف من قيود الحركة الإعرابيّة، والميل إلى التسهيل في النطق، والتأثّر باللغات المعاصرة والموروث اللهجيّ القديم. 
فإذا جمعنا هذه الألفاظ وفصّحناها؛ نكون قد أغنينا المعجم العربيّ بكلمات ودلالات معاصرة من جهة، ومستعملة في التواصل من جهة ثانية، وتمثّل ذاتنا اللغويّة من جهة ثالثة، وتشكّل هويّتنا الحقيقيّة في التواصل الحقيقيّ في محصّلة الأمر، كما أنَّها ستصبح ذاكرتنا اللغويّة.
وقد كان العمل في إعداد المعجم شاقّاً ومتعباً، لكنَّه بجهود جميع العاملين في هذا المشروع كان ممتعاً مفيداً، ولا سيّما في تدريب الباحثين المساعدين على العمل المعجميّ الحديث على وفق أحدث النظريّات اللسانيّة، وأظنَّ أنَّ تعميم هذه التجربة في العالم العربيّ سيكون ذا فائدة مهمة للمعجم العربيّ الحديث.

•تبرز في دراساتك التعليميّة رؤية واضحة لتيسير تعليم العربيّة لأبنائها الناطقين بها، وللناطقين بغيرها، فما هذه الرؤية؟
– يظهر بوضوح أنَّ مشكلة تعليم العربيّة هي في منطلقاتها التأسيسيّة؛ فيجب قبلَ بناء أيِّ منهاج تعليميّ أن نرفد العربيّة بدراسات إحصائيّة عن أنماطها الشائعة نحواً وصرفاً، وأن يكون التعليم قائماً على الجانب العمليّ المستعمل من اللغة، لا على خبرة من هنا، ورأي من هناك، مع ضرورة تحديث ما نقدّمه لأبنائنا الطلبة، والتأكّد من صحّته. 
فلا فائدة في تعليم معلومة نحويّة أو صرفيّة صار من اليقين العلميّ أنَّها خطأ، وفي الوقت نفسه يجب فرْز المادة التعليميّة إلى مستويات بحسب سنّ المتعلِّم والهدف من تعليمه بعد القيام بالدراسات التربويّة الصحيحة الكافية، كما يجب تطوير أساليب الاختبارات اللغويّة لتبتعد عن نمطيّة الإعراب إلى نمطيّة الاستعمال.

•أنت عضو في مجمع اللغة العربيّة الأردنيّ، كيف تقيّم عمل مجامع اللغة العربيّة بالمقارنة مع اطلاعك القويّ على عمل بعض مجامع اللغات غير العربيّة في العالم، أو لنقل: هل ارتقت مجامع اللغة العربيّة إلى مستوى الأمل والطموح بالقيام بواجبها القانوني الأخلاقيّ الحضاريّ العلميّ في خدمة اللغة العربيّة على الوجه الصحيح بتجاوز فخّ الانكفاء في التراث أو الهروب إلى الحداثة أو الوقوع في فخّ البهرجة الإعلاميّة؟
– ربّما يكون قد حان الوقت لتقييم أداء مجمع اللغة العربيّة الأردنيّ وهو يقترب من عامه الأربعين بتحقيق صحفيّ موسّع، يلقي الضوء على ما أنجزه المجمع في ضوء الأهداف المرسومة له في نظامه وقوانينه؛ لكنّني أرى أنَّ الفرق بين المجامع العربيّة والمجامع الغربيّة يزداد ولا يقلّ؛ بسبب محدوديّة إمكانيّات المجامع اللغويّة العربيّة ماليّاً وعلميّاً وتقنيّاً وإداريّاً؛ فهي في حاجة ضروريّة إلى تحديثٍ وعصرنة، وتفعيل حقيقيّ لقوانينها بالاطلاع على تجارب المجامع العالميّة التي تجاوزت من زمنٍ عقدة التراث وجدل الحداثة؛ لكي لا تبقى المسافة بين العربيّة وواجبات المجامع في ازدياد سلبيّ يصل درجة مؤلمة؛ فكثير من الدراسات العربيّة قد سبقت المجامع اللغويّة في طرح بعض مشكلات اللغة ومعالجتها معالجة علميّة.

•لك خبرة طويلة في تعليم طلبة الدراسات العليا في الماجستير والدكتوراه والإشراف على الرسائل ومناقشتها، فكيف تنظر للجيل الجديد من الباحثين العرب عامة، والأردنيّين خاصة، من موقعك العلمي بصفتك أستاذاً للّسانيات في قسم اللغة العربيّة بالجامعة الأردنيّة؟
– ربما يكون هذا الجانب من أكثر الجوانب إشراقاً ووعداً بالخير، فكثير من الباحثين الجدد صاروا يجمعون بين المعرفة التراثية الواعية والاطلاع المتزن على اللسانيّات؛ لهذا صاروا الأملَ بمستقبل زاهر للغة العربيّة شرط أن يأخذوا حقَّهم في البحث العلميّ والتعيين في الجامعات والمؤسّسات البحثيّة والتعليميّة؛ لكي لا نكون قد خسرنا ما علّمناهم إيّاه من مناهج بحثيّة ومعرفة لسانيّة منفتحة على الماضي والحاضر.


( الرأي الثقافي )
* محاضر في جامعة آل البيت

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *