«أسوار القمر» المرأة ما زالت قادرة على إثارة الحروب


* أحمد مجدي همام

على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» وجه كاتب السيناريو محمد حفظي شكراً لمجموعة من الكتّاب والروائيين لمناسبة مساهمتهم في كتابة فيلم «أسوار القمر»، على رأسهم السيناريست تامر حبيب والروائي محمد علاء الدين. حفظي قال أنه وعناصر فريقه قاموا بكتابة السيناريو في أربع وعشرين مسودة خلال ثلاث سنوات، وربما بسبب هذا التجهيز المتأني والجماعي، خرج فيلم «أسوار القمر» بتلك الصورة المتكاملة.

الفيلم الذي أنتجه وليد صبري وأخرجه طارق العريان، وقام بأدوار البطولة فيه عمرو سعد، آسر ياسين ومنى زكي، يعتمد على تقنيات كتابية وإخراجية عدة، ساهمت في أن يحظى العمل بهذا التماسك الفني والمنطق الداخلي المحكم.
تبدأ الأحداث من الذروة، لحظة مطاردة وصراع بين رجلين هما رشيد (عمرو سعد) وأحمد (آسر ياسين) بسبب فتاة هي زينة (منى زكي)، ويتمكن أحمد من أن يضرب رشيد حتى يفقده وعيه ومن ثم يأخذ زينة، العمياء، والمصابة بفقدان ذاكرة موقت ليهرب بها، إلا أن الآخر، رشيد، يقوم بتعقبهما طوال الفيلم، لاستعادتها.
وزينة هي الأخرى بين عماها وانعدام الماضي بسبب فقدانها الموقت للذاكرة، تبدو في حيرة شديدة، فهي لا تعرف إلا أنها مع شخص لا تتذكره، وتتعرض للمطاردة من شخص آخر لا تتذكره، وبما أن زينة هي مدخل العمل، ومربط تعاطف الجمهور، أو خط المواجهة بين الطرفين المتصارعين، ينجح فريق العمل في تكميم معرفة المتفرج، وتضبيب الرؤية، وترك المشاهد معلقاً بين الطرفين المتنازعين.
الحب أم الزواج؟
هنا، سيقول لنا الفيلم أن زينة تعرفت إلى أحمد، المهندس الناجح الهادئ، أحبته، أو يبدو أنها أحبته واتفقت معه على الزواج، إلا أنها، كانت تعاني داخلياً من تشوش في الرؤية، يجعلها غير قادرة على حسم موقفها منه، هل تحبه؟ أم تراه مناسباً للزواج فقط؟ بعد فاصل من التردد تحدث القطيعة بين الاثنين، ومن ثم تتعرف زينة إلى رشيد، المتهور الجامح، عاشق البحر، والمخدرات، وحياة البورتو الساحلية المزدانة بالخمور وحفلات الشاطئ والفتيات الشقراوات، وهو الأمر الذي يبهر زينة، وبالتالي تقرر اقتحام حياة الأخير، والاقتراب من نمط العيش المنفلت والمزاجي. تترسخ الصداقة بينهما، وسريعاً تتحول إلى حب، فزواج.
بعد الزواج تكتشف زينة حقيقة زوجها، المستبد والديكتاتوري، القوي من الخارج والأجوف من الداخل، والذي لا يكف عن ضربها والسيطرة عليها، حتى تتحول إلى حيوانه الأليف، حيث يجرها وراءه في كل مكان، حتى عندما يذهب ليباشر عمله في الغطس، يصطحبها معه. رشيد شخصية تملكيّة تدمن أي شيء: نمط حياة معين، مخدرات، أو حتى زينة الجميلة والمستكينة.
لذلك، تحاول زينة أكثر من مرة أن تترك رشيد وترحل، إلا أنه يمنعها بالحب مرة، بالمسكنة مرة، وبالعنف مرات، حتى عندما يتعرض لحادث سير وهي برفقته يؤدي إلى فقدانها البصر، يصر رشيد على الاحتفاظ بزينة، وقد أضيف سبب جديد في قائمته يجعله يتمسك بها أكثر، فهو يتحمل مسؤولية إصابتها بالعمى لأنه قاد السيارة وهو في حالة انتشاء بسبب جرعة مخدرات زائدة.
في شكل أو في آخر تنجح زينة في الهروب من رشيد، وتنجح كذلك في إقناعه بدخول مصحة للتعافي من الإدمان، وأثناء ذلك تمضي في إجراءات خلعه قانونياً، وتحصل بالفعل على الخلع لترجع إلى حبها الأول (أحمد) الذي فرطت فيه. ومن ثم تتزوجه.
صراعات… وخدعة
الانعطافات الحادة التي تتخلل الأحداث، والبداية من نقطة ذروة تمثل الصراع بين الرجلين، لن تترك للمشاهد فرصة التقاط الأنفاس، فكلما هرب أحمد بزينة خطوة إلى الأمام، يلحقهما رشيد، سواء كان ذلك الهروب في الصحراء أو في يخت في عرض البحر.
أثناء وجود زينة مع أحمد في اليخت، وبسبب حيرتها حول هوية مرافقها وكذلك مطاردهما، يمدها أحمد بجهاز تسجيل كانت قد سجلت عليه تفاصيل قصتها، استعداداً لكتابتها على شكل رواية، وعندما تستمع زينة لتلك الحكاية، يبدو أن ذرات حول ماضيها تومض في قاع ذاكرتها، ومضات خاطفة لا تنير المشهد بمقدار ما تحدد اتجاه المشاهد في الانحياز إلى أحد الرجلين المنخرطين في صراع ضارٍ حول الأنثى.
لذلك، وفي الثلث الأخير من الفيلم، سيتضح أن زينة مخطوفة برفقة رشيد لا أحمد، وأن عمرو سعد الذي ظهر خلال أحداث الفيلم كلها على أنه رشيد، هو في الواقع أحمد، والعكس صحيح، فآسر ياسين الذي أطل في معظم أحداث العمل بصفته أحمد، هو في الواقع رشيد، فتتضح هنا الخدعة، إذ إن الأحداث التي يراها المشاهد، هي مطروحة في الأساس من وعي زينة ورؤيتا («فويس أوفر» بصوت منى زكي)، أي أن الأحداث مطروحة من وعي فاقد الذاكرة ومن رؤية كفيفة لا تستطيع تحديد الأشكال والتعرف إليها. هذا التماهي بين ما يشاهده المتفرج، والوعي الكفيف الناسي، هي اللعبة التقنية الأكبر في العمل، على مستوى الكتابة الدرامية، فجأة تنعكس الأدوار، فيصبح المدمن المتهور المكروه مظلوماً، ويصبح الهادئ الناجح الإنساني، شرساً وحقيراً.
هذه النقلة، ساهمت في ترسيخ آسر ياسين وعمرو سعد نفسيهما كممثلين كبيرين، إذ يقوم كل منهما بتقمص شخصيتين مختلفتين: (أحمد ورشيد)، وهو ما يضعهما في كفتي ميزان، ويقودنا تلقائياً إلى عقد المقارنات بين الأداءين، وفي النهاية يقودنا إلى تقويم اختيارات طارق العريان نجوم العمل، والتي جاءت موفقة للغاية، إذ يؤدي كل من ياسين وسعيد الدورين ببراعة وإتقان.
الصراع الأخير الذي يشتعل بين الطرفين، ينتهي بأن يأخذ رشيد زينة في يخت بالبحر، ويحتجزها فيه، ومن ثم يستدرج أحمد لمواجهة في عرض البحر، تنتهي باحتراق اليخت، وهروب رشيد بزينة إلى جزيرة معزولة، اعتادا زيارتها، حيث يقرر رشيد أن ينهي حياته مع زينة في حفرة بتلك الجزيرة معروف أنها كانت مثوى لاثنين متحابين. واضح هنا أن رشيد يسعى إلى أن يكرس أسطورته الخاصة، ومعه زينة، بأن ينتهيا في قاع تلك الحفرة، إلا أن زينة تنجح في إقناع المحب اليائس بأن يلقي نفسه وحيداً في الحفرة، ومن ثم يلحق بها أحمد لينقذها.
ألاعيب الغرافيكس
«أسوار القمر» احتاج إلى الكثير من أعمال الغرافيكس، لمعالجة الحرائق والانفجارات والصراعات في البحر والبر، ويبدو أن أعمال الغرافيكس التي لطالما شكلت أزمة للسينما المصرية، بسبب ضعف التقنيات، لم تعد تمثل أزمة حقيقية، فالحيلة الذكية التي لجأ إليها المخرج طارق العريان لتقديم ألاعيب الغرافيكس كانت بسيطة وناجحة، الظلام هو الحل، فالليل يستر، والحيل الغرافيكية مقبولة وسهلة الهضم في العتمة، وحتى ذلك المشهد الذي يسقط فيه رشيد في الحفرة، ببطء، تم تقديمه في شكل مقبول على مستوى الصورة.
إجمالاً، نستطيع القول أن «أسوار القمر» عمل جيد، متماسك، مكتوب بحرفية، ساهم في إخراجه في هذا الشكل فريق كتابة متمرس على رأسهم السيناريست محمد حفظي، وكذلك مخرج مخضرم وواعٍ استطاع تفادي كل الهنات المتوقعة لفيلم مصري يعتمد في بعض مشاهده على الغرافيكس.
________
*الحياة

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *