أورهان باموق: مسوّداتي كالجبل


*حوار: عبد القادر عبد اللي

البحث العميق والواسع، واختيار الموضوعات الشائكة أكثر ما يستهوي الكاتب التركي الحائز على جائزة نوبل أورهان باموق. تحمل بعض كتبه كمّاً من البحث يحتاج باحث متخصِّص سنوات من أجل إنجازه، ولكن هذا البحث في المحصِّلة يخدم فنّيّات الرواية، ويكسبها متعة.

وعلى الرغم من تعقيد العلاقة بين الشرق والغرب فقد شغلت هذه العلاقة الحيِّز الأهم في أدب باموق، فهي تبرز في تحديث الحياة والمجتمع مع تأسيس الجمهورية في رواية «جودت بيك وأبناؤه»، ثم تذهب بعيداً في التاريخ ليعبَّر عنها من خلال الشخصية الإشكالية للغربي الأسير الذي يعيش في الشرق، ويتماهى مع سيده –أو يتماهى سيّده معه- في رواية «القلعة البيضاء»، ويتناولها من خلال فنّ الرسم وبداية عصر النهضة الأوروبية في «اسمي أحمر»، ويقفز إلى الراهن ليصوِّرها بطرازَيْ حياة في حَيَّين مختلفين من مدينة إسطنبول في رواية «متحف البراءة»، ولا ننسى أيضاً أن كتابه «إسطنبول»، بقدر ما هو جزء من سيرة شخصية، هو سيرة مدينة تجمع بين أوروبا الممثِّلة للغرب وآسيا الممثِّلة للشرق.
في أثناء إجراء هذا الحوار في مكتبه المطلّ على نقطة تلاقي البوسفور مع خليج القرن الذهبي وبحر مرمرة، كان قصر «طوب قابِ» أمامنا يمثِّل فترة ازدهار الإمبراطورية العثمانية التي امتدَّت عبر أوروبا وصولاً إلى النمسا، حيث اطّلَع فيه على أكبر مكتبة للمنمنمات. هذا فَرض طرح سؤال حول مشروعه بتناول الشرق والغرب، فكان من الطبيعي أن نبدأ حوارنا حول هذا الأمر: 
§ تبدو العلاقة بين الشرق والغرب مشروعاً لدى أورهان باموق، هل انتهى هذا المشروع أم مازال مستمرّاً؟ 
– هو مستمرّ، ولكن هذا المشروع ليس خاصّاً بي. لا تعيش الإنسانية الواقعة خارج الغرب -وهي تشكِّل غالبيةً- القضية على أنها شرق وغرب، ولكنها في الوقت نفسه تعيشها أيضاً. بعضهم يعيشها كعلاقة بين الحداثة والتقليد، والبعض الآخر يعيشها بوصفها علاقة بين آسيا وأوروبا. الأمر المتناوَل في كتبي- عموماً- باسم الغرب والشرق هو الثقافات واللغات الواقعة على عتبة الحداثة في مرحلة تحوُّلها إلى الحداثة وصراعها وتصالحها وتصفية حساباتها معها، ولهذا الصراع أرضية طبقية. ففي دول مثل تركيا أو الصين أو اليابان ترغب الدولة بالحداثة، وتعمل النخبة والبيروقراطية والشخصيات التي تراقب سير الدولة على تحقيقها، لأن هذه القوى تعدّ الحداثةَ ضرورية لبقاء الدولة واستمراريتها. وبالمقابل هناك المجتمع الذي يقاوم هذه الحداثة، وخاصّة القطاعات المحافظة، وهذا الأمر مستمرّ منذ قرنين. وهناك أيضاً تأثير العامل الجغرافي لتركيا التي يقع جزء منها في آسيا، وجزء آخر في أوروبا، أو يمكن القول إن نصف الإمبراطورية العثمانية كان في الشرق ونصفها الآخر في الغرب. وفي مرحلة انهيار هذه الإمبراطورية أرادت تحقيق (الأوْرَبة) من الأعلى إلى الأسفل بوصفها طريقة لإنقاذ الإمبراطورية، ولكنها لم تنجح. يريد المفكِّرون والنخبة والبيروقراطيون والمثقَّفون والمتعلِّمون والدارسون في أوروبا أن يشكَّلوا هذه الدولة -وأنا منهم- بالحداثة، وهناك من يقاوم ذلك من القائلين إننا لا يمكن أن نكون كالأوروبيين، لأننا نختلف معهم في الدين والتاريخ، وهكذا ينشأ صراع وصدام وحوار، ويمكن القول إن ما جرى بين هذين الطرفين هو الذي بَلْوَرَ التاريخ والثقافة… لقد سيطرت هذه الفكرة على حياتنا بشكل تامّ. أنا لا أقول إنني أكتب رواية فكرية، ولكن الموضوع- في النهاية- يصل إلى هذه القضية. 
§ أعتقد أنك اخترت تجسيد هذا الصراع من خلال المكان في كتابك إسطنبول؟
– نعم.
§ أي أنك اخترت بطولة المكان للكتاب، وليس لشخصية إنسانية.. 
– نعم، نعم. كانت إسطنبول هي مركز الجغرافيا العثمانية كلّها، وأنا إسطنبولي، وأعيش هنا منذ ثلاث وستين سنة، ويمكنكم أن تروا التقليدي إلى جانب الحداثي في إسطنبول، إنكم ترون الجامع، وترون ناطحات السحاب. ترون الإسلام السياسي إلى جانب الحركات اليسارية والشيوعية والاشتراكية الديموقراطية… كلها موجودة لدينا. 
§ بمناسبة الحديث عن إسطنبول، تدور أحداث رواياتك كلّها في إسطنبول، ولم تخرج خارجها إلا في رواية واحدة هي «ثلج»!
– أنا أعيش في إسطنبول، وكلّ كاتب يكتب ما يعرفه، هناك من يطلق عليّ تسمية «كاتب إسطنبول»، أنا- في الحقيقة- كاتب إنساني. أنا رأيت الإنسانية في إسطنبول وليس في مكان آخر. 
§ يمكننا القول- إذاً- إن خياركم لإسطنبول لم يكن إلا لأنكم تنتمون إلى هذه المدينة، وفيها حياتكم؟
– بالطبع، أنا ابن هذه المدينة منذ ثلاثة وستين عاماً، نعم. 

§ هذا يعني أن علاقة الشرق والغرب، أي طبيعة إسطنبول، ستستمرّ في رواياتكم القادمة! 
– نعم، وأنا بدأت بروايتي الجديدة. 
§ لنستجمع الأفكار على النحو التالي: أنتم تعيشون في إسطنبول، وتكتبون إسطنبول لأنكم تعرفونها، ولكننا- ونحن نجلس هنا- نرى الشرق والغرب أمامنا، ولهذا لابدّ لهذه العلاقة من الظهور؟
– ولكننا عندما نكون في إسطنبول لا نعيش الشرق والغرب، نذهب إلى الطرف الآخر (الآسيوي) حيث أسكودار وقاضي كوي، ولكن الناظر من الخارج يرى الأمر بصورة مختلفة. هذا الأمر بالنسبة إلى التركي طبيعي جداً؛ فيه جزء من الشرق وجزء من الغرب بشكل طبيعي. وجود التقليدي والحداثي جنباً إلى جنب قضية معتادة لدينا.
§ هذا يذكِّرني بقول الباحث والمؤرِّخ التركي إلبر أورطايلي إن تركيا العثمانية وُجِدت في الغرب، وتأسَّست لتكون وريثة روما، وقد ورثتها فعلاً، وبناءً على هذا من المفروض ألا تشهد صراعاً في قضية الحداثة.
– هذا ما يجعلني أعدِّد محاور أعمالي الأدبية، فالعلاقة بين الشرق والغرب محور، ولكنها ليست المحور الوحيد.
§ أهناك انتقادات كثيرة تُوَجَّه إليكم؟
– أين؟ 
§ في تركيا.
– دعك منها…
§ ولكن بعضها يُردَّد في الخارج؟
– حسنٌ، لنتكلَّم فيها إذاً. 

§ باموق يكتب بلغة سهلة، وبنية جمله بسيطة، ويتجنَّب- تماماً- الألعاب اللفظية!
– أشكرك، أنا هكذا فعلاً… 

§ استخدمتم ثلاثة مستويات لغوية على الأقلّ في «اسمي أحمر». كتبتم الروايات من منطوق الشخصيات، وهذه تجربة جديدة لديكم لم تتناولوها في رواية أخرى. خلقت هذه التجربة نوعاً من الارتباك، فالبعض رأى في استخدام هذه المستويات عنصر قوّة في الرواية، والبعض رآها نقطة ضعف، وهناك (في البلاد العربية) من ألقى اللوم على المترجم. 
– نعم، بالضبط، وأفهم من هذا الكلام أن الترجمة حافظت على المستويات اللغوية التي استخدمتُها. نحن لدينا في الحياة مستويات لغوية متعدّدة جداً؛ هناك نصوص دينية ونصوص مقدَّسة، ونصوص تصوُّف، وهذه المستويات تبادلت التأثير فيما بينها لتظهر تركيبات لغوية جديدة. في أثناء تكرار القصص من كتاب إلى آخر، ومن راوٍ إلى آخر تتغيَّر، وهذا يؤدِّي إلى مستويات لغوية كلّ منها يرتبط بزمن معيَّن؛ ففي كتابي «اسمي أحمر» ثمّة جانب يشبه «الشاهنامة»، وهناك جوانب تقترب من النصوص المقدَّسة، وهناك جوانب تقترب من لغتنا المعاصرة، وتعود إلى القرن السادس عشر في آن واحد. 
§ تقصد بالمقدّس الأحاديث الشريفة والآيات القرآنية والكلمات الدينية؟
– نعم، نعم… جمال الرواية أن تتمكَّن من وضع كل هذه العناصر في إطار واحد. لم أتناول في «اسمي أحمر» الرسم الإسلامي فقط، بل راعيت العناصر الأدبية الإسلامية التي لا يمكننا نحن- الأتراك- التخلّي عنها، ولكن البعض لدينا، نتيجة التغريب، نَسِيَها. أعرف أنني عندما كتبتُ هذه الرواية وضعت في ذهني أن أجدادنا يقرؤونها؛ أي يمكننا تناول رؤاهم ومعالجتها وإعادة تقديمها للتداول.
§ ثمّة انتقاد طالما تردِّده أوساط اليسار بأنك كاتب البرجوازية؛ شخصياتك كلّها تنتمي إلى هذه الطبقة، ولا تكتب عن الفقراء والمسحوقين والكادحين، ولا تتناول قضاياهم.
-(مقاطعاً: «تفضَّل»، وأمسك بيده كتاب «ثمّة غرابة في عقلي» الصادر مؤخَّراً، وكان أمامنا.).
§ نعم، «مولود» بطل روايتك الأخيرة من هذه الطبقة، أي طبقة الكادحين. هل لعبت هذه الانتقادات دوراً في تطرُّقك إلى شخصية «مولود»، الفقير الكادح؟ 
– تحمل هذه الانتقادات جانب حقّ؛ أنا أوافق على هذا الأمر، ولكنني لم أكتب هذه الشخصية لمجرَّد أنني تلقَّيت هذه الانتقادات؛ مهارة الروائي الكبرى تكمن في فهمه شخصية لا تشبهه، وهذا أهمّ جانب إنساني فيه. الكتابة الروائية تعتمد على الإنسانية: هل أريد أن أفهم الأشخاص الذين لا يشبهونني أم أعدّهم سيِّئين؟ بالمناسبة لقد أخذت مني هذه الرواية وقتاً أكثر من أيّ رواية أخرى؛ لدي مُسَوَّدات تشكِّل كوماً كالجبل؛ لأنه كان لديّ هاجس بعد صدور الكتاب، وهو الخشية من قول الناس: «من أين يعرف أورهان، ابن حيّ نيشان طاش الراقي هؤلاء الناس؟» ولكي لا تُقال هذه العبارة أعدت النظر فيما كتبته أكثر من خمسين مرة. وهناك أمر آخر؛ أنا رأيت أمثال «مولود» في حياتي؛ كان بائع اللبن يطرق باب بيتنا، وأراه، هذا من عام 1959 حتى نهاية الستينيات.
§ استمرّ هؤلاء الباعة حتى مطلع الثمانينيات على ما أعتقد؟
– نعم، استمرّوا، نعم. ولكن في حيِّنا «نيشان طاش» انتهت هذه المهنة، وظهرت عبوات اللبن الزجاجية. ولكنني أعرف هذا الرجل. لم أكن أتكلَّم مع هذا النوع من الأشخاص، ولم يكن بيني وبينهم صداقات، لذلك عندما بدأتُ بكتابة هذا الرواية تحدَّثتُ مع عدد كبير جدّاً من بائعي البوظة (شراب الحبوب الساخن، لأن مولود كان بائع هذا الشراب أيضاً في الرواية) وبائعي اللبن، وزرتهم في بيوتهم، واستمعت إلى قصصهم، وقد كانت قصصهم كلّها متشابهة، وفي النهاية أصبحت أعرف هؤلاء الناس معرفتي بأفراد عائلتي.
بعد هذا البحث، وهذا الاستقصاء يمكن الكتابة عن هذه الشخصيات بكلّ راحة. هذا يشبه البحث الذي أجريته من أجل رواية «اسمي أحمر»؛ البحث بحث إن كان عبر الكتب أو عبر الحديث مع الأشخاص، وبعد إتمام البحث تكون الكتابة مريحة جدّاً. لأنني أتخلَّص من قضية الخوف من الوقوع في الخطأ، وأستطيع التركيز على الجانب الفني للكتابة. 
§ لنتناول موضوع البحث، والرواية البحثية. إذا تناولنا معلومات المنمنمات التي بحثتموها من أجل رواية «اسمي أحمر»، وتركنا الجانب الروائي جانباً فإن ما ورد فيها يضاهي أي كتاب متخصِّص في هذا الموضوع في العالم!
– نعم، بالطبع. عملتُ كثيراً جداً. ولكنني لم أرَ الأمر عملاً، لا تنسَ أنني بدأتُ رسّاماً؛ لذلك قرأت كثيراً عن الرسّامين. الكتب المتعلّقة بـ«اسمي أحمر»، جزء منها هنا، وجزء منها في مكان آخر، لو جمعناها في مكان واحد لشكَّلت- ببساطة- «مكتبة اسمي أحمر». لم يكن هناك في تلك الأيام إنترنت، كنت أذهب إلى الخارج وأراجع المكتبات وأحصل على نسخ (فوتوكوبي). لديّ مكتبة كاملة من النسخ المصوَّرة حول هذا الموضوع، لأن إيجاد تلك الكتب صعب جداً. قرأت كل تلك الكتب، وكنت مستمتعاً للغاية في أثناء قراءتها. هناك مديرة مكتبة قصر «طوب قابِ» فلز تشاغمان، لقد قالت لي أجمل مديح سمعته في حياتي حول الكتاب. قبل إصدار الكتاب أعطيتها المخطوط لكي تقرأه، وتنبِّهني ما إذا كنت قد وقعت بمغالطة ما، وكما هو معروف فإن مكتبة «طوب قابِ» هي أكبر مكتبة منمنمات في العالم، وهي مديرة هذه المكتبة، ثم أصبحت مديرة المتحف كلّه. قالت لي: «أنا أقرأ كل ما كُتِب حول المنمنمات، وأعرف كلّ شيء عنها، وأعرف كلّ كاتب منمنمات: من أين استقى معلوماته، وبمن تأثر… عرفتُ أنكم قرأتم كل هذه الكتب، ولكن ما لم أفهمه هو كيف تمكَّنتم من جمع كل هذه المعلومات في كتاب واحد؟». سررت كثيراً بعبارتها هذه.
§ إنها المرّة الأولى التي تجرون فيها لقاء مع مجلّة عربية، أليس كذلك؟ 
– نعم، نعم.. مع الأسف.
§ هذا يفتح باب السؤال حول رأيكم بالعلاقة بين الأدب العربي والأدب التركي؟
– ضعيفة جداً. هناك نظرة مسبقة سائدة في تركيا. على سبيل المثال: عندما حصل نجيب محفوظ على نوبل نُشرت هنا مقالات سيِّئة حوله، أعتقد أن الأمر ناجم عن الغيرة أيضاً، إذ لم يكن قد حصل تركي على نوبل في ذلك الوقت، وأنا أؤكِّد دائماً على نقطة مهمّة هنا في تركيا، وهي أن معرفة الأتراك بالأدب العربي لا تؤثِّر سلباً على كونهم حداثيين، يجب أن تعرفه وأن تكون حداثياً، إنهم لا يستطيعون فهم هذا الأمر. هناك كثيرون يعتقدون أن الحداثة جغرافيا؛ أي أنهم إذا ذهبوا إلى باريس، وتسوَّقوا هناك يكونون معاصرين.
§ ولكن هذا الأمر لا ينسحب على منطقة جغرافية أخرى، على سبيل المثال: إن أدب أميركا اللاتينية معروف على نطاق واسع في تركيا؟
– هذا موضوع آخر؛ نحن لم نعرف نجيب محفوظ إلا بعد حصوله على نوبل، ولكن «محفوظ» عاش حياة شبيهة جداً بالحياة التي نعيشها في تركيا. ومع الأسف إن هذا الأمر ينسحب على الأدب الإيراني أيضاً. الأتراك يقرؤون الكاتب الإيراني أو الكاتب العربي عندما يكون مشهوراً في الغرب فقط. في رأيي إن السبب هو لأنه يشبههم؛ فهم يقولون: بما أنه يشبهنا فهو ليس جيداً. (وأطلق باموق هنا ضحكة مجلجلة). 
§ واقع الترجمة بين اللغتين العربية والتركية يتجلّى في حوالي أربعمئة عنوان من كل لغة إلى اللغة الأخرى خلال قرن من الزمن، من قرأتم من الكتّاب العرب؟
– نجيب محفوظ بالطبع، وجمال الغيطاني، وقرأت «عمارة يعقوبيان» لعلاء الأسواني، ومع الأسف إن ما قرأته من الأدب العربي قرأته باللغة الإنكليزية.
§ أودّ التنويه إلى أن غالبية أعمال محفوظ التي ذكرتها، و«عمارة يعقوبيان»، لم تترجم من العربية إلى التركية، بل من اللغة الإنكليزية!
– هذا سيِّئ جداً؛ لدينا من يمكنه أن يترجم هذه الأعمال بشكل جيّد جدّاً من العربية.
§ أريد التوقُّف عند هذه النقطة؛ ثمة قيم لغوية مشتركة بين اللغتين العربية والتركية تعطي الكتاب المُترجَم بين هاتين اللغتين قوّة.
– نعم، أوافقك الرأي. مع الأسف إنهم لا يفعلون هذا. هذه الجغرافيا كانت كلّاً متكاملاً في زمن ما، ولكن بعد المرحلة العثمانية ظهرت عداوات وقطيعة، وهناك من رفض تاريخه وماضيه. وهناك جانب آخر أقوله من خلال كوني كاتباً: صناعة الكتاب في بلداننا فقيرة جداً، وفيها كثير من الاحتيال والفوضى، وتلعب في هذا الأمر عوامل ناجمة عن الفقر والتخلُّف، وبالطبع هذا يؤدّي إلى الاستخفاف بجهد الإنسان. سأذكر أمراً: حظيت بشرف معرفة إدوارد سعيد، وزارني هنا. قال لي: «هل ذهبت إلى القاهرة؟» خجلت، لأنني لم أكن قد ذهبت بعد، ولكنني ذهبتُ لاحقاً. هذا يعني أنني تصرّفت كبقيّة الأتراك، فقد ذهبت إلى أوروبا، ولكنني لم أذهب إلى القاهرة. في أول لقاء لي مع المرحوم إدوارد سعيد عام 1994 تحدَّث لي عن القاهرة بانفعال شديد، يومئذ لم تكن تخطر في بالي، أنا زرت أوروبا كلَّها، ولكنني فيما بعد ذهبت. 
§ ما هو عملكم القادم؟ 
– سأعمل للمرّة الأولى على رواية قصيرة، ويمكن أن أقول عن الرواية إنها تتناول قصّة حفّار آبار مع إجيره، ولن أضيف شيئاً آخر حول الأمر حاليّاً.
________
*الدوحة

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *