*محفوظ بشرى
في الثقافة العربية، كما في غيرها، تكتب النساء الشعر منذ القدم، يروين الأحاديث، ولهن وجود أدبي ملموس ومستمر، لكن قليلاً ما يكتبن الكتب. في المواعظ الدينية، يتناول الواعظون من الرجال الرفق بالنساء، ولكن ليس كحقٍّ إنساني أصيل لهنّ، بل مِنَّةً أو تفضُّلاً، أو امتثالاً سطحياً لأمر إلهي أو نبوي. يبدو أن الاعتراف بالمرأة في اللغة العربية، يأتي كذلك تفضّلاً من الرجل، مالك اللغة. فحتى وقت قريب ظلت الكتب التي تتحدث عن النساء، وأخبارهن، وأخلاقهن، وشعرهن، كلها تكتب بوساطة الرجال، هذا بالإضافة إلى البناء “الذكوري” للخطاب في اللغة العربية. ظلّت العربية وثقافتها – مثل ثقافات أخرى بالطبع – تجعل تأليف الكتب عملاً ذكورياً محضاً لا مكان فيه للمرأة، لذا حين تسمع امرأة تدافع عن وجهة النظر القائلة بألا وجود لتصنيف “نسوي”، في الكتابة، بحجة أنها كلها “كتابة إنسانية”؛ يجعلك ذلك تتحسس الشرخ الحادث في “هوية” المرأة الكاتبة في المجتمعات الناطقة بالعربية. أتفق مع من لا يرون أن هناك كتابة نسوية رغم اختلافي في الدافع. فبرأيي أن الكتابة الموجودة الآن كلها تكوّنت وفق القواعد والمحمولات الثقافية الرجالية التي تعج بها العربية، سواء أكانت لكتَّاب أم لكاتبات. انطلاقاً من سؤال: “متى نفذت المرأة إلى حقّ تأليف الكتب؟”، جاءت الإجابة مخيبّة بعد جولة بحث سريعة ومرهقة، إذ لم تسفر عن ما يشفي الغليل تأكيداً، لتخبرني بحاجتي لمزيد من البحث.
برغم كل الأسماء التي قد تمر عليك في بحثك، مثل ماريا تريزا أسمر، وعفيفة كرم، وزينب فواز، ولبيبة هاشم، لا تستطيع الجزم من هي أول امرأة كتبت “كتاباً” بالعربية. لكن وفي كل حال، لا يبدو أن إحداهن فعلت هذا قبل القرن التاسع عشر. تبدو الأزمة هكذا: إن كانت هناك كاتبات قبل القرن التاسع عشر، فإن العثور على سيرهنّ وأسمائهن صعب للغاية، وليس بالسهولة التي يمكن أن تنهال عليك بها المعلومات عن الكتابة الرجالية في “غوغل” فقط. إن التسويق لفكرة أن الأدب أدب، ولا يجوز تصنيفه إلى نسوي ورجالي، تدخل في حالتنا في باب التضليل، إذ إن الأدب الموجود مصنّف منذ البدء، فهو أدب ذكوري، ولا يقبل من النساء إلا أن يكتبن وفق شروطه، حتى محاولات خروجهن لا يقبلها إلا وفق هذه الشروط. يشبه هذا الأمر الخروج الذي مارسته “أغاني البنات” في السودان، على القواعد الغنائية الموضوعة على مقاس مؤدين من الرجال يتوافقون مع شروط اجتماعية بعينها، بجانب قلة من المغنيات يتحركن بحذر شديد في ظل الرقابة عليهن. كان تعبير “أغاني بنات” تصنيفاً “أدنى” أو أقل، لغناء بمواضيع نسوية، وبألحان وإيقاعات وأداء كلها تمثل نوعاً من الخروج على رصانة الأسلوب الذي فرضته “إذاعة أم درمان” في معرض صناعتها للذائقة وفق مطلوبات المجتمع الذكوري الحاكم لدرجة أن تمتنع المرأة المغنية تلقائياً عن أداء أغنية ما، فقط لأن من غير المباح لها كأنثى النطق بكلمة “حبيبي” على الملأ!
_____
*العربي الجديد