*حوار: محمد وليد الحاجم
( ثقافات )
بدأت في المسرح تمثيلا وكتابة وأخراجا، فإدارة العديد من ورشات العمل في المسرح التفاعلي لفئات عمرية مختلفة. حاصلة على جائزة أفضل ممثلة عربية في مهرجان “المسرح العربي”، سافرت إلى لندن لإكمال دراستها العليا (ماجستير)، ومن ثم تحولت من العمل المسرحي الى الفيلم الوثائقي، حيث أصبح لديها اليوم رصيد كبير من الوِثائقيات التلفزيونية وفيلمين ذاتيين قصيرين، وفيلم وثائقي متوسط لم يعرض بعد. وتعمل اليوم على أول فيلم طويل بين الوثائقي والروائي.
نبدأ من بداياتها الأولى وما الذي دفعها للتشبث بالمسرح والسينما لتقول:” الحقيقة لم أتشبث بالمسرح، والسينما أنا على عتباتها. كنت أحس أن العمل المسرحي يموت بعرضه وكان ذلك يترك لدي حزنا كبيرا بعد كل عرض. كما أنني لم أحب الأجواء المسرحية في بلادنا، ربما في ذلك العمر الصغير، ولأنني جئت من بيئة محمية لم أعرف أن ما أزعجني موجود في كل مكان.. فأحسست أنني عندما فزت بجائزة تمثيل عربية أستطيع أن ألتقط أنفاسي وأغير المسار. وهذا ما حدث، فبعد وقت قصير من عرض مسرحية كنت أمثل فيها وأخرى كتبتها وأخرجتها سافرت إلى لندن للدراسة وتلك كانت تجربة أخرى.
وتخبرنا عطية عن أهم الأعمال التي مازالت عالقة في ذاكرتها خلال تجربتها في المسرح فتقول:” االأعمال المسرحية التي ما زالت عالقة في ذهني هي كاسبر لبيتر هاندكه، وقد أخرجتها، وهي تتحدث عن برمجة اللغة للإنسان، وفي أعالي الحب للكاتب العراقي فلاح شاكر، وقد مثلتها مع قاسم ملكاوي، وعمل موسيقي للأطفال “الرحلة” كتبته وأخرجته ولحنه طلال أبوالراغب وقد حاز العملان على جوائز. بالإضافة لمسرحية السجادة وقد كتبتها بعد حلم معقد حاولت تدوينه.”
عن جديدها من افلام روائية او وثائقية تقول عطية:”مؤخرا انتهيت من عمل توثيقي/ليريكي متوسط الطول، من مذكرات راشيل كوري، وهو بالإضافة إلى عمليين ذاتيين قصيرين هو ما أخرجته لغير التلفزيون. أما العمل الأهم لي فهو فيلملي الطويل الأول الذي أنا في المراحل الأخيرة من كتابته. وهو فيلم ذاتي جدا عني وعن والدتي وكل ما نختزنه من غربة وصراع و إيمان وحب نادر. هي المرة الألى التي آحس أن شيئا ما لدي يجب أن يروى. فلست من النمط الذي يسعى لأي إنجاز لأجل الإنجاز، ما لم تكن القصة ملحة على راويها لا أجد في روايتها ضرورة.
وتابعت:”حتى السنة الماضية كنت قد أنجزت أعمالا وثائقية للتلفزيون، كان ما يميزها أنها قصص ومواضيع تثير لدي شغفا كبيرا وحزنا. فقد عملت كثيرا على أزمنة مضت بغير سلام. تجربتي في تلك الأفلام ممتعة وغنية.. وأن كانت تنقصها مساحة ما أحيانا.
وعنّ رسالتها من خلال الإخراج قالت:” لا أعتقد أن لدي رسالة مقررة من خلال الإخراج أو الكتابة. الصدق العميق يفتح المجال للمتلقي أن يكون رسائل عدة. لدي قناعات تحركني ولدي مواقف أخلاقية أرفض ما يسقط دونها، لا بد أن هذه تظهر في كل ما يصدر عني.. لكني لا أفكر فيها عندما أكتب، أفكر في الحب والجمال والحنين والفقدان.. أفكر في البنى والبنيان. ولكن لا بد أن كل ما آحبه وكل ما أرفضه يحدد شكل هذه البنى واتجاهاتها”.
وعن المشاكل التي واجهتها في مسيرتها في الأعمال السينمائية قالت:” صعوبة التمويل، خاصة لفيلم ذاتي. صعوبة الخروج من القوالب الجاهزة، وهي تصبح أصعب عندما يعتقد الذين يضعونك في قوالب أنهم قد خرجوا منها. كما أن هناك صعوبة غياب تقاليد واضحة في الإنتاج وبالتالي حفظ الحقوق. لكن الحمدلله لدي أصدقاء سينمائيين رائعين وراديكاليين، مما يشعرك أن المعركة ليست فردية، بالإضافة لإيماني بأن الشيء الحقيقي يعيش طويلا. كما أن هناك صعوبة غياب هوية سينمائية محلية، وهذا ليس موضوع هوية بالمعنى التقليدي، بل حرية في صناعة نفسك بصريا وبنيويا، وأعتقد أنه خارج سلطات السينما الأولى والثانية لم تنجح سوى السينما الإيرانية في منطقتنا في خلق تلك الهوية.”
8-أما عن علاقة التلفزيون بالسينما اليوم، تقول؟:” علاقة التلفزيون بالسينما كعلاقة أي وسط حار بوسط بارد. التلفزيون يستهلك السينما، ويصنع نجوما لها فيما تحاول البحث عن إستقلالية المشاهدة. التلفزيون والإعلام يخلق تشويشا يصنع ذوقا ما لتلقي السينما. لست ممن يقولون أن التلفزيون هكذا بطبيعته، فالدراما التلفزيونية مثلا لها دور في إعادة تشكيل التفاعلات الاجتماعية، فمسلسلات أسامة أنور عكاشة ووليد سيف من أهم الإنتاجات الإبداعية العضوية بنظري. لكن فورمات ما بعد العولمة من الشريط الإخباري الذي يمر فوق الفيلم والدعايات غير المنقطعة، والإرقام التي ترقص هنا وهناك وبرامج التسلية المبتذلة كلها تجعل التلفزيون كسوق سيئ التنظيم”.
وعن تأثير الحراك الإسلاموي على السينما تقول”: لا أعتقد أن هناك تأثيرا إسلامويا على السينما، فالحراك الإسلامي السياسي يهمه الإعلام حتى الآن لا السينما. لو استمرت تجربة الإخوان المسلمين في مصر كنا سنرى سينما إسلاموية ربما، ولكن ما بدأت به كان عداء للسينما. أنا أعتقد أن آي سينما مؤدلجة وموجهه تفقد الصدق والحرية والتعقيد الإنساني الحقيقي. وهذا ما نراه من بعض إنتاجات هوليوود إلى التجارب المحدودة عن المقاومة الإسلامية مثلا. رائحة البروباغاندا دائما بشعة، حتى لو كانت لقضية أؤمن بها.
أما عن دور المسرح حالياً قالت:” لا أعتقد أنني مخولة بالإجابة عليه، فقد ابتعدت عن المسرح. لكنني أرى أن المسرح في المدينة عدا عن كونه مكان عرض فهو مساحة تدريب وتفاعل عميق وحقيقي، لا تكون كذلك إلا إذا كانت حرة. وهو مساحة لعب يستفز العقل والذات. لا أدري آذا ما كنت أراه مساحة لتحريك تغيير ما على طريقة بريخت.. لكنني لا أرى له تلك القدرة حاليا”.
الحلم والواقع والذات أين نجدها في تجربتك، فقالت:” الحلم والواقع غير منفصلين لدي. أنا أحلم أحلاما قابلة للتحقق، وحين لا تكون كذلك أسمتع باللعب أيضا. وأدون ما يقوله لي عقلي الباطن، في صورة سأصورها أو قطعة مكتوبة، ولا أعتقد أنه على مسافة من وعيي، فالقنوات بين الإثنين مفتوحة جدا لدي. لا أكبت شيئا ولا أبسط الأسئلة المعقدة.. لكن لدي ما يكفي من الحب لأمر عبر غرف دماغي وأصل إلى آخرين أحبهم. الذات كبيرة وتتحرك في مسافات كبيرة وجميلة، هكذا أحس بنفسي. أنا أعشق كل ما أتيت منه وليس لي قدرة على تصويره. الذات الحية تجعلك تعيش مسحورا بنفسك، ليس عبر المرآة كنرسيس، ولكن عبر إحساسك الداخلي”.
وعن تكاثر الإنتاج الوثائقي في المشهد الإعلامي العربي تقول عطية:” تكاثر النتاج الوثائقي يدل على وعي بقدرة هذا الوسيط على حفظ الذاكرة، والبحث عن حقيقة ما وراء الواقع، وعلى رواية الرواية بكلفة أقل ربما. والتجاوب مع رغبة المشاهد برؤية ما هو حقيقي بين مزدوجين. ذلك لا ينفي أن الوثائقيات تستغل وتوجه وتبرمج أحيانا، لكن أصبح هناك كم لا بأس به من الوثائقيات الجيدة”.
وتضيف في إطار متصل:” ان التركيز على الحراك العربي في السينما ليس خطأ. لكن سطحية التناول كانت قاتلة، ودعائيتها أيضا، الكثير منها أصبح يفصل حسب الطلب، طلب صناديق الدعم الخاصة. لكن أستثني من ذلك بعض الأفلام التونسية الجيدة جدا، سواء ما سبق الحراك العربي، مثل فيلم الاستاد، أو بعض ما تلاه.
والختام عن العوائق التي تعاني منها صناعة الفيلم الوثائقي العربي، لتقول:” عوائق صناعة السينما العربية البديلة تحديدا، عدم وجود صناديق دعم مستقلة عن مراكز القوى السياسية العالمية. هذا أهم شيء. لا أحد ممن يمثل الثقافة المضادة لديه قنوات دعم حقيقية.