أم الشهيد تواضروس القبطي(1)


نجوى الزهار *

التي هكذا وصلت 

التي هكذا وصلت . هي تلك المرأة الأم الملاك الحكمة والتسامح . جميعها كانت تتجلى في حركات يديها وتعابير وجهها الجميل وعبر نظراتها المتماسكة.
ولكن أكسير الحياة الخالد . الحب . الحب الذي عنه صدرنا . هو الذي استعاد وجود تلك الأم العظيمة . فكانت أيقونة متلألئة عبر عبارتين لا ثالث لهما : “هل أدعو عليهم . لماذا ؟” , “عندما ينور الله عقولهم . سوف يعرفون ماذا فعلوا”.
هكذا هي كانت . هكذا هي سوف تكون.
يا صديقتي . يا حبيبتي في أي مكان وضعت حزنك ؟ وتحت أي مخدة انحدرت دموعك ؟
الشوق لابنك ماذا فعلت به ؟
شاهدتك مرات ومرات . رأيتك أمامي لا زمتني في صحوي ومنامي.
اعذريني . إن قلت لك أنك قد أكرمت على وجودي بكرم ربما لا أستحقه . نعمة الايمان . نعمة الاستسلام لمشيئة الله عز وجل.
ثم تعاودين القول : “إن عقولهم هي التي برمجت على ذلك” هكذا . هكذا عبرت عن موقفك من الذي حصل مع واحد وعشرون شابا قبطيا . تركوا الوطن من أجل مستقبل آمن لعائلاتهم لأطفالهم.
لم تقتربي من الاتهام والتجريح . ومعذرة من كل الذين يحللون ويتهمون ويعطون الأحكام .
“عندما ينير الله عقولهم سوف يعرفون” كنت وما زلت في مؤونة روحية . وعندما وضعت يدك على وجهك الجميل شعرت بحرارة كفك تلامسني . قفزت روحي إليك . وضعت رأسي على كتفك . وبكيتُ وبكيتُ ثم بكينا معا . دموع حزن لا دموع يأس . دموع حزن لا دموع اعتراض . دموع استسلام ورضا بحكم رب العالمين.
هنيئا لك كل هذا . وهنيئا لذاك الابن الذي مضى بجسده بتلك الأم التي ربته وتلك الزوجة التي لازمته في مشواره.
وتركتك الى حين . لم يتركك قلبي . لم تبتعد روحي . ولكن أردت أن أستعين بك لأكتب ما كتبت.
يا صديقتي هل تعرفين أنه هنالك صحفي لبناني . وأنا بعيدة كل بعد عن المواقف السياسية . كان اسمه غسان تويني . وعندما جاء خبر استشهاد ابنه جبران تويني من خلال تفجير سيارته في بيروت.
يا صديقتي لم يقل إلا كلمتين وهو الأب المفجوع بابنه الوحيد “لندفن الأحقاد معا وداعا يا جبران”.
وها أنت تقفين على شاطئ . سوف يخبرك أن دماء تواضروس ورفاقه . قد لامستها الملائكة . وغسل البحر مياهه بمياهه.
يا صديقتي . إن أمواج البحر في مدها وجزرها تردد يا أمي يا أمي.
ولسوف يمتد من أعماق البحر زهورا ورياحين ومحارات في كل منها لؤلؤة . ولسوف يكون لنا عقدا من اللؤلؤ بواحد وعشرين لؤلؤة.
“وأوقفني في النار فرأيتها تأكل العلم والعمل والحكمة والمعرفة والمواقف والمقامات. ورأيت العقول في إقبالها حطبا لها، ورأيت القلوب في إخلاصها حطبا لها، فحرت!
فقالت لي: إن كنت قد رأيت الله، فسوف تأتيني أنت بالعلم والعمل والحكمة والمعرفة وتقول لي: هذا حطبك فكليه.
وإن كنت لا ترى الله، فأنت حطبي، لا علمك ولا عملك ولا حكمتك ولا معرفتك.”
محمد ابن عبد الجبار النفري
(1) “إذاعة BBC أجرت مقابلة مع أم وزوجة الشهيد تواضروس في قرية المنيا”

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *