زليخة أبو ريشة *
لا شك أننا بحاجة إلى أن نتدبر أمر “الإسلامفوبيا” الذي انتشر كوباء بعد 11 أيلول (سبتمبر) 2001، فمع إعلام غربيّ مهول، ظهر إلى السطح من عميق الثقافة الاستعماريّة ما تشرّبته عبر القرون الأخيرة من احتقار للآخر واستبداد به، تلك المخاوف وذلك الوصم بالإرهاب المعمّم على مليار من المسلمين، في القارات الخمس، وهذه المرّة بأسباب مبرّرة. وقد ساعد هذا المرض (الإسلامفوبيا) على الانتشار، اكتسابُه حججاً قوية، هي في الوقت نفسه لدى الإرهابيين الإسلامويين قواعد فقهيّة لتبرير جرائمهم وفتكهم بالبشريّة، استلّها الجهل والغرض من القرآن والحديث. ولا يمكن أن ننسى ما صحب قتل الطيار الأردني معاذ الكساسبة من استشهادات مخيفة، ولا تفسيرات “الجهاد” و”الردّة” و”الدولة الإسلامية” التي تتطاير حول الرؤوس لتجزّها.
والحقّ أنه ليس مهماً البتّة الردّ على “داعش” ومثيلاتها، بمقدار ما يهمّنا أمر الناس التي تصدمها الشواهد لتؤمن بها، لتؤكّد الوجه الآخر من عملة “الإسلامفوبيا”. فالمراجعُ التي توضح حقيقة الموقف من الجهاد والمرأة وحرية العقيدة والحدود والعنف، نائية إلا عن أهل الاختصاص، ونحتاج للفصل في كل ما ذُكر، إلى أن نقدّم النصّ القرآنيّ في إطاره التاريخيّ، وظروف نزوله، أو ما يُسمّى بأسباب النزول. ولأوضِّح أكثر، فإنّ الجميع الآن، بما في ذلك الساحة السياسية العالمية والمجتمع العربي بطبقاته المتعلمة والأميّة، يعتمد في الحجاج على آيات قرآنيّة بعينها، لتأصيل العنف والكراهية في الدين الإسلامي. أي تبرير الجرائم البشعة التي ترتكبها “داعش” وأخواتها بأنّ مرجعيّتها تكمن في كتاب المسلمين الأول. فآياتُ الجهاد (14 آية) وتلك التي تتحدّث جهاراً عن العلاقة مع النصارى (14 آية) واليهود (19 آية) هي التي تُساق أدلَّةً على العنف الذي يوصي به الإسلام، في حين أنّ الآيات التي تعلن موقفاً سلبياً، لها سياق تاريخيّ معيّن في صراع النبيّ مع نصارى الجزيرة العربيّة ويهودها تحديداً، وفي دعوة مسلمي عهده إلى جهاد المشركين الذين جنَّنهم الدين الجديد فكادوا له ما قدروا. فما من دعوة مطلقة إلى الجهاد في القرآن، وما من بغضاء ليست محكومة بحادثة بعينها.
وما يحدثُ الآن هو أنّ أي جاهل أو مُغرض أو متواضع العُدَّةِ من المعرفة يستطيع مدّ يده إلى تلك الآيات والسور (سورة التوبة مثلاً) وتقديم تفسيرٍ منبتٍّ عن سياقه يبرهنُ على تحريض كاذب للعنف والكراهية. وحرصاً على تجريد الجهلة وأصحاب الهوى وبسطاء الناس من الصيد السّهل في القرآن، وتزويد الغيارى على الدين، سواء أكان لهم مكوِّناً ثقافياً أم عقيدةً راسخةً، بمعرفة يسيرة المتناول تساعد في إزالة الحرج والتناقض وامتلاك حجّة متينة في إسلام حضاريّ رحيم، والأهم من ذلك في تنشئةٍ تربويّة وثقافيّة تمحو من الأذهان والنفوس صورة العنف المرعبة، لذلك كلّه أرى أن تُعِدَّ نخبةٌ من أهل العلم مصحفاً يكون على هامشه أسباب النزول، يكون منها موقف صريحٌ من معاني الجهاد وسياقاته وحدود تطبيقه، وأهل الكتاب ومنزلتهم من الإسلام وأهله، والحدود وظروف تطبيقها، وكل ما من شأنه السماح لأحد ما بالتلويح بحقوق الإنسان. ويُطبَعُ هذا المصحف بالعربيّة وبالإنجليزية، ويوزَّع على أوسع نطاق… لا، بل يُعتمد في الوقت الراهن المصحفَ الوحيد في المدارس ودور العلم العربية، وفي المساجد وحلقات الدرس، وتُهدى منه نسخ إلى البابوات والآباء الروحيين في العالم، وإلى كل كنيسةٍ وديرٍ وكنيس ومركز دراسات له علاقة بالأديان، حتى لا يظلّ من خيط شكّ في تهمة الإرهاب وإلصاقه بالإسلام. وسنجد من أهل الخير كثيرين يهمهم ما يهمّ أمّتهم ويبذلون ما ينفع الناس ويمكثُ في الأرض.
ليس ما أقترحه حلاً للمعضلات التي نواجهها، ولكنّها مساهمة للتبصير لا تحتاج إلا إلى أهل خير يؤرّقهم ما يحدث لأوطانهم ولأمتهم، وهم بين المليار كثر، وقد تستطيعُ أن تنهض بأوّل المشروع لدينا مؤسسة آل البيت مع عدد من شقيقاتها في العالم.
دعونا لا نفقد الأمل…!
* شاعرة وباحثة من الأردن