ت.س. إليوت الشاب: من سانت لويز إلى أرض الخراب


*إعداد وترجمة: ابتسام عبد الله

ألقت الحياة في الأعوام المبكرة درجات من الضوء على انهياره وبقائه عازباً فترة طويلة، وكتاباته ترن بتحديات تجاه السيرة الذاتية قائلاً: (ان حياتنا مغطاة بأفعالنا الحاضرة). وعلى الر غم من إلحاحه على الشؤون الداخلية، فانه يتجاهل الاستبطان وفحص النفس، الذي كان سائداً آنذاك.

ومع مرور 50 عاماً على رحيل اليوت، فان موضوع سيرة حياته كان في الأجواء، وكان ريتشارد إلمان، الذي كتب سيرة جويس، قد اخبره ان زوجته الثانية فاليري قدمت له طلباً بذلك، ولكنه رفضه، لأنها لاتمنح الحرية لكاتب السيرة الذاتية. اما روبرت كروفورد، الذي كتب أطروحة عن اليوت أشرف عليها إلمان، تقول ان اليوت الشاب كان ضد السامية، اضافة الى أمور اخرى، اعترف بها الشاعر، أمور حدثت وأزعجت البعض، ولكن زوجة اليوت لن تسمح بمثل هذه الأمور، وكانت زوجته تحمل الشعلة وتحافظ عليها لعدة أجيال، ومابعد وفاة اليوت، وحتى وفاتها عام 2012.
وفي محاضرة ألقيت في جامعة اوكسفورد عام 1996، أنهى البروفيسور جيمس فينتون محاضرته قائلاً: “كان اليوت وغداً”، عمّ الصمت برهة، ثم صفق الحاضرون”.
ويتحدث روبرت كروفورد عنه قائلاً:”كان ولداً خجولاً وأصبح بعدئذ شاباً خجولاً ورجلاً يبتعد عن الاخرين، وكان يخجل من أذنيه الكبيرتين ويحاول اخفاءهما”.
اليوت بعد الأرض الخراب:
وعندما كان اليوت في جامعة هارفرد، كتب ابياتاً شعرية عن بولو وكولومبو لجمعيات الأخوية، وكانت عملاً (صبيانياً) على الرغم ان الكتاب الذي يتضمن رسائل اليوت . ويتبين للقارئ انه واصل ذلك النوع من الكتابات وقام بتوزيعها حتى بلوغه الـ43 سنة، وكان اليوت عنيفاً مع النساء، وقد هدد زوجته الاولى، فيفيان هيغ – وود، ان يتحول الى مصاص دماء ما لم تتوقف عن إزعاجه.
ان عيوب اليوت تحتاج الى نظرة دقيقة عن كثب ليس كونها تنال من عظمته، بل العكس، لانها تتخلل أعماق الأمور التي يهتم بها في شعره، كان يمتلك عقلاً يدرك ماهية الحياة المثالية، وكان ايضاً يمتلك الصدق والأمانة للاعتراف بعدم العثور عليها. اما المظهر الخارجي بالنسبة اليه، عندما بدأ يكتب قصائد مثل طلاب لم يتخرجوا بعد، فكان ينظر الى خلف الزمن الذي نعيشه، نحو اللا زمن.
وهناك قصيدة كتبها مبكراً بعنوان “صمت” تعود الى عام 1910، لم تسجل علامة في شعره وهو في مرحلة الشباب، يكتب فيها عن اختفاء الصوت المزعج والثرثرة المتواصلة، ليحل الصمت بعدئذ.
وقصيدته “الارض الخراب” تبدو أعظم قصيدة في القرن العشرين، انها ليست قصيدة عن الخراب فقط بل عن الأسى ايضاً، فهي قصيدة لاتتحدث عن الارض الخراب، بل انها رسالة في رعد مدوٍّ، واصوات الاطفال وذكرى حب نقي، يأخذ المتحدث الى قلب الضوء، الصمت.
ان الخراب هو النقيض، عندما يسقط المتحدث في “المدينة غير الحقيقية” بعد حرب لندن، اجل، بل هناك ايضاً اثينا والاسكندرية وكافة المدن التي كان لكل واحدة منها يومها، في سياق التأريخ، الزمن نفسه بهذه المصطلحات غير الواقعية.
وبالنسبة لأي كاتب لسيرة حياة اليوت، فمن الضروري عليه مواجهة كتاب سيرة في زمن معين يتشكل يوماً بعد يوم. 
وفي متابعة الأعوام الـ34 من حياة اليوت، نجد ان اليوت الشاب يستنسخ يوماً بعد يوم.
وبالتأكيد، قد تغيرت هذه الحياة، بعد هجرته من بوسطن الى لندن، بعد زواجه التعيس من فيفيان، والجهود التي بذلتها في عملها كمدرسة، ثم الحصول على عمل في مصرف لويدز.
ومع مواكبة الحياة وانهياره في عام 1921، كان متعمداً، وقد تعلم اليوت ذلك من أجداده المتزمتين، وايضاً من قصائد والدته، ان فيرجينيا وولف كتبت ذات مرة، “ان حكايات الولادة والمدرسة ثم الزواج والموت. ففي الحياة لحظات من الاذلال والانتصار”. ويسقط ييتس ايضاً الأحداث لأغراض غير معروفة او مرئية، ان الشاعر الكبير ليس انساناً موشوشاً، عندما يجلس لتناول الافطار، “بل انه انسان ولد مجدداً مثل فكرة، شيء تم عمداً كي يكتمل.”
ان الرؤى والأصوات في حياة شاعر مثل اليوت لاتتلاشى وكذلك الأمكنة لانها ترتبط به، وعندما يسمع المرء موسيقى الراغ تايم او اغنية فاننا نتذكر على الفور، الكلمات الحقيقية – عزيزتي عزيزتي، وهي الأغنية التي كتبها اليوت لحبه الاول (اميلي هيل) والتي غنتها في بوسطن عام 1913، وتلك الذكرى البعيدة مرت بذاكرة اليوت وهو يكتب (الارض الخراب) في عام 1921.
وكان روبرت كروفورد دائم البحث عن مصادر ذاكرة اليوت .. وقد رتبها حسب تواريخها والكتب التي قرأها وكلمات الاغاني الشائعة آنذاك، ومنها (عش الحب) وقد عزفت موسيقاها فرقة، عندما كان اليوت في مصحة بلوزان، وقصاصات من الصحف، ومنها واحدة تكتب (إعصار ضرب سانت لويز، ولكن اليوت لم يكن هناك – 1890) وهناك امور اخرى ولكن رسالة كتبها اليوت في عام 1939 – لكاتب سيرته جون هاوارد، وبعد 11 عاماً، قرر العزوبية، وابتعد عن فيفيان، ثم تركها نهائياً، وقال لأحد اصدقائه: (لم أعاشر امرأة أعجبتني أو أحببتها، ولم أحس بالانجذاب اليهن مطلقاً).
وهناك سؤال آخر: لماذا ادعى الشاعر: (ان أشعاري باحاسيسها تنبع من اميركا؟)
ان الحياة المبكرة لاليوت تدعو وتركز على الاغتراب عن الوطن من اجل تجديد الخيال.
 عن: الغارديان/ المدى

شاهد أيضاً

أبورياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع لإنارة الطريق

الأديب موسى أبو رياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *