حسين حبش: “ملاك طائر” وثيقة أدبية عن مأساة أطفال سوريا



*خلود الفلاح

( ثقافات )

صدرت حديثا الترجمة الإنجليزية لديوان “ملاكٌ طائر: نصوص عن أطفال سوريا” للشاعر السوري حسين حبش عن دار نشر بوغداني في فرنسا/ ألبانيا، ترجمة منى زيناتي، عن هذه الترجمة قال الشاعر حسن حبش: “إنه شعور جميل أن ترى نصوصك تنتقل إلى لغة أخرى ومهمة كاللغة الإنكليزية في كتاب كامل، وهذا الشعور سيتعزز أكثر إذا وجد طريقه إلى القارئ بشكل جيد”. الكتاب في لغته العربية صدر العام 2013 .
في مقدمة الديوان يكتب الشاعر حسين حبش اعتذار يقول فيه: أعتذر لكلِّ الأطفال الذينَ لم أستطعْ الكتابة عنهم.. أعتذر لكلِّ أطفال سوريا الراحلينَ والباقين، الذين لم أستطعْ الكتابة عنهم واحداً واحداً. لكن ها أنذا أصرخُ الآنَ بأعلى صوتي: يا إلهي، كيفَ يستطيعونَ قتلَ الأطفال؟ تماماً كما صرخَ قبلي دستويفسكي: “يا إلهي، لـماذا يموتُ الأطفال؟”، والفرقُ بين الموت والقتل كبير جدَّا” حول الكتاب تحاورنا مع الشاعر حسين حبش.
وثيقة انتهاكات
في هذا الكتاب أرد الشاعر حسين حبش أن يكتب وثيقة أدبية عن الانتهاكات القاسية والخطيرة التي أودت بحياة الآلاف من أطفال سورية وهنا يؤكد: نعم، يمكن وصفه بوثيقة أدبية عن مأساة أطفال سوريا وما تعرضوا ويتعرضون له من قتل وإبادة لا مثيل لها عبر التاريخ! فلم تبق من وسيلة وحشية وإلا وجربت على أجسادهم الغضة والطرية! جزت أعناقهم بالسيوف والسكاكين والخناجر، هشمت رؤوسهم بالفؤوس والمطارق، قيدوا إلى الأسرة بالسلاسل وعذبوا حتى الموت، تم جلدهم وقلع أظافرهم وقطع أعضائهم التناسلية، شوهوا وأحرقوا وتفحموا وأصبحوا رماداً، قضوا نحبهم تحت الأنقاض والغبار والحديد، أرْدَتهم رصاصات القناصة بدم بارد وهم يلعبون في باحات بيوتهم أو وهم يذهبون إلى المدارس أو إلى الدكاكين لشراء قطعة حلوى، جربت المواد الكيماوية والغازات السامة على رئاتهم وأجسادهم الغضة، ماتوا غرقاً وهم في قوارب الموت، قضوا نحبهم من البرد والمطر والثلج ونقص الأدوية والتدفئة والجوع واليتم… ماذا أقول؟ ماذا أقول؟، ويضيف الشاعر حسين حبش: “من هول الصدمة والتأثر الشديد رأيتني أكتب بشكل شبه يومي عن تلك الإنتهاكات الفظيعة، بدءاً من قلع أظافر أطفال درعا ومروراً بحادثة مقتل الطفل حمزة الخطيب بتلك الطريقة البشعة التي أصبحت معروفة للجميع.. وذلك عبر نصوص قصيرة، مكثفة ومؤلمة، إلى أن توقفت عن الكتابة في نفس الموضوع في نهاية عام 2012، لأنني وكما قلت في حوار سابق لو استمريت في الكتابة على نفس الوتيرة، لكنت انتحرت أو فقدت عقلي لهول المشاهد المرعبة التي كانت تأتي في كل دقيقة وساعة ويوم… وما زالت المأساة مستمرة، وما زال السوريون وأطفالهم يقتلون دون رحمة، وما زال الضمير العالمي يغط في سبات عميق، ولا حل قريب يلوح في الأفق للأسف!”. 
وما إذا كانت الكتابة تستطيع أن تشعرنا ببعض الرضاء إزاء ما يحدث حولنا من انتهاكات بشعة بحق الانسان؟ كان رد الشاعر حسين حبش: الكتابة هي نوع من المداوة لجروحنا وعذاباتنا وأحزاننا التي لا تنتهي، توثيق لجراح الحياة الغائرة، ووضع الإصبع على موضع الألم… أما الرضا فهو شأن آخر لا مكان له هنا. برأيي أن أجمل وأعظم الكتابات لا تساوي خدش صغير يصيب طفل بأذى أو قطرة دم تنزف من جسد بريء. لكن بجميع الأحوال على الكاتب أن يكتب ويكتب دون توقف، وينحاز بشكل مطلق لأحزان البشر وآلامهم. وعليه أن يقف بشكل مطلق في صف المعذبين والأبرياء والضعفاء وضحايا التنكيل والعنف والحروب وكل أنواع الانتهاكات التي تذل الإنسان وتحط من قيمته وقدره وكرامته.
أحزان وآلام
ربَّما كانت الطفلة شانتال عوَّاد تَحلمُ كثيراً/ تحلم بأن تصبح روَائيةً أو شَاعرةً كبيرة/
أو نَجمة سينمائية مشهورة يُشَارُ إليها بالبنَان/ نعم، يُليقُ بها أنْ تُصبحَ نَجمة سينمائية/
عينانِ واسعتان، وجهٌ مَلائكي/ عنقٌ طويل، ابتسامةٌ دافئة،
اختر الشاعر حسين حبش أسماء عدة أطفال سوريين في الديوان وكأنه بذلك يخبرني بتفاصيل عالم الصغار الذي قد لا يفهمها الكثير منا. فقال: نعم فعلت ذلك، لأن بعض الأطفال الذين قتلوا ببعض الطرق الوحشية البشعة، أصبحوا علامات فارقة للمأساة في سوريا، مما فرض علي وضع أسماءهم كعناوين مباشرة لبعض النصوص، وكمثال على ذلك الطفل حمزة الخطيب وطريقة قتله البشعة بالرصاص وقطع عضوه التناسلي، فكان لا بد من وضع اسمه كعنوان للنص الذي حمل اسمه، وكذلك الحال مع الطفلة فاطمة المغلاج التي عثر على جسدها، وهو بلا رأس في قرية كفرعويد في مدينة إدلب التي تعرضت لمجزرة بشعة من بين ضحاياها عائلة المغلاج كاملة، وكذلك الطفلة شانتال عوَّاد التي قتلت مع أمها في التفجير الأعمى الذي استهدف حي جرمانا الدمشقي، وكذلك الطفلة آديل زعتري التي قتلت برصاص القناصة أثناء عودتها من الإحتفال بعيد الصليب في حرستا. 

شاهد أيضاً

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي منال رضوان     المثنوى المعنوى، وديوان شمس لمولانا جلال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *