بروبوغاندا “البوكر ” العربية


جهاد الرنتيسي *

( ثقافات )


   تتجاوز “بروبوغاندا” ترويج الادب الردئ ، افتعال الزوابع ، لتترك بعض الخدوش ، في ذائقة المتلقي ، لكنها تبقى عاجزة ، عن ابتكار معايير “فنية” و “جمالية” جديدة ، او تطويع نظرية نقدية ما ، لتتناسب مع نص هنا ، واخر هناك .
والبروبوغاندا في عالم الثقافة ، مترامية الاطراف ، تساهم فيها وسائل الاعلام ، الجوائز الثقافية ، غياب النقد الجاد ، والصراعات الحزبية ، ذات الحسابات المجهرية .
بعض الجدل المصاحب لوصول رواية الفلسطيني عاطف ابوسيف ” حياة معلقة ” الى القائمة القصيرة ، في جائزة البوكر العربية ، لا يخرج في افضل حالاته عن هذا السياق .
الذين قراوا الرواية المرشحة باسم فلسطين ، بعد الاعلان عن وجودها في القائمة الطويلة ، وجدوا فيها عملا اقل من العادي ، لا يرتقي من حيث مستواه الفني ، والتحريري ، والتقاطاته للالم الفلسطيني ، الى كتابات الصف العاشر ، من الروائيين الفلسطينيين ، و العرب الذين تناولوا المعاناة الفلسطينية ، الممتدة الى العقود الاولى من القرن الماضي .
هذه الملاحظات ابقت علامات استفهام ، حول الاسس التي اتبعت في ترشيح الرواية ، الى الجائزة العربية الاولى ، وانتقالها الى القائمة القصيرة ، بعد خروج اعمال روائية تفوقها ، من الناحية الفنية ، والتقاط الهم الانساني . 
الا ان الملاحظات ، وعلامات الاستفهام ، المثارة حول الرواية ، بقيت دون الضجة المثارة ، حول منع حركة حماس ، لصاحب “حياة معلقة ” من مغادرة قطاع غزة ، مما ترك مجالا للتغطية على ضعف النص ، بممارسة فصائلية ، تثير التعاطف مع كاتبه .
وكما هي العادة في مثل هذه الحالات ، من شأن سطوة التعويم السياسي ، لنص متدني المستوى ، تمرير جائزة البوكر ، لا سيما وانه سيكون مصحوبا بغطاء اعلامي ، لا يراعي قيمة الابداع ، بقدر احتفائه بالجائزة ، وانحيازه لصاحبها الممنوع من السفر .
طغيان السياسة على الابداع في المشهد الثقافي الفلسطيني ، لم يكن وليد الاعلان عن قائمة المرشحين للبوكر هذا العام ، فهو سابق لظهور الجائزة ، تم على ارضيته تلميع انصاف مبدعين ، ومحاربة مبدعين حقيقيين ، بتهميشهم والتضييق عليهم ، في استقرارهم ومعيشتهم .
وفي هذا السياق عبرت مقالة غالب هلسا الشهيرة ” مثقف منظمة التحرير ” التي كتبها قبل اعوام قليلة من وفاته ، عن بعض جوانب العلاقة ، بين المثقف وسلطة المؤسسة الفلسطينية .
لم يتح ترادف عملية ” التلميع ” و ” التهميش ” التي اتبعت على مدى سنوات ، افقا لنتاجات كتاب سلطة المنظمة ـ التي كانت في معظمها اكثر اقناعا من رواية حياة معلقة ـ وما حال دون بروز مثقف نقدي مثل ناجي علوش ، او مبدع بقامة محمد الاسعد .
لكن هذا الترادف ، لا يخلو في راهنه ، من بعض مقومات النجاح ، في تضليل القارئ ، وحرف بوصلته ، اذا كان غائبا عن كواليس لعبة “الاعلام” و “الجوائز” التي لا تخلو من معايير “الفهلوة” و “العلاقات العامة” ليتجه الى ” حياة معلقة ” بدلا من روايتي “فرس العائلة” و “مديح لنساء العائلة” لمحمود شقير ، اللتين صدرتا في فترة زمنية قريبة ، من صدور الرواية الفلسطينية ، المنافسة على جائزة البوكر .
وكي لا تكون المقارنة بين اجيال مختلفة من الروائيين ، يمكن التوقف عند روايات لكتاب شباب مثل عباد يحي ، ايناس عبدالله ، ومايا ابو الحيات ، فاقت في سويتها رواية ابو سيف ، وان لم تتوفر لها قوة الدفع التي اوصلت ” حياة معلقة ” الى البوكر .
وصول رواية ابو سيف الى البوكر ، وفوزها المحتمل بالجائزة ، بعد استقرارها في القائمة القصيرة ، تعبير عن اتساع حضور الصراع بين فتح وحماس في المشهد الثقافي ، وتغوله على معايير النقد والابداع ، واللافت للنظر ، ان هناك من يجتهد ، في التقليل من اهمية التغول ، الذي يهدد بتكريس الادب الردئ ، في مشهد روائي ارسى دعائمه غسان كنفاني وجبرا ابراهيم جبرا واميل حبيبي ، واضاعة فرص التمثيل الحقيقي للرواية الفلسطينية ، في مسابقات يفترض ان تولي اهتماما اكبر ، للجوانب الفنية ، وان تكون رافعة مقنعة للمستوى الابداعي . 
• كاتب من الاردن 

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *