«بلدنا الرهيب» وثائقي يصوّر حُلم السوريين بالعودة


*إعداد: فاتن صبح

تصور المشاهد الأولى من الفيلم الوثائقي السوري «بلدنا الرهيب»، الذي يصور حُلم السوريين بالعودة، الكاتب اليساري المعارض ياسين الحاج صالح، وهو يتفقد حطام إحدى ضواحي دمشق الثائرة. وقد أشار ذقنه الحليق، وقبعته لينينة الطراز، وملابسه النظيفة إلى أنه قادم من وسط المدينة التي تسيطر عليها الحكومة بالكامل.

وأفادت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، في تقرير نشر أخيراً، أن الكاميرا والمصور الشاب زياد حمصي اقتربا من صالح بوقار. تم التصوير في أواسط العام 2013، أي بعد زمن على انطلاق الثورة، وانعدام الأمل بتحقيق الفوز السهل على نظام الرئيس السوري بشار الأسد. لكن صالح أكثر تورطاً في اللعبة من أقرانه، أي طلاب المدرسة القديمة من منشقي ما قبل الحرب الذين يتنازعون في المنفى، بينما الشباب السوريون من أمثال حمصي يعيشون في الخطر.
خيار واضح
أمضى صالح البالغ 53 عاماً من العمر 16 سنة في السجن، وقد انتقل أخيراً، مع زوجته إلى دوما، حيث الطبقة العاملة. ويشكل البقاء في سوريا، واحتمال القصف اليومي للحكومة، خياراً «واضحاً» على حد قوله. لكن سرعان ما يكشف الفيلم تعقيدات الموقف البطولي، وينذر بالثغرات بين الأغنياء والفقراء، والعلمانيين والمتدينين، والتي أدت إلى تفكك الثورة. الفيلم سيتم عرضه قريباً في متحف الصورة المتحركة في كوينز بنيويورك، كما في معرض «متحف الفن» في مانهاتن، وهو يواجه تلك الانقسامات بمصداقية موجعة، ويسلط الضوء على المصائب الفردية لأشخاص خاطروا بحياتهم عبر الانخراط في الثورة.
وتمضي عدسة الكاميرا بثبات، وبغير رحمةٍ في الواقع، لتسجل اللحظات المؤلمة، وتنبري مجدداً لعجز المفكرين والأفكار بحد ذاتها عن قيادة الثورة. ويعد مخرج الفيلم، محمد الأتاسي نفسه، وهو أحد خريجي جامعة السوربون، أحد العاجزين، إلا أن يرى في فيلمه، كما في كتابات صالح، بوادر أمل ومثابرة.
يجمع فيلم «بلدنا الرهيب» بين الصدق والتعاطف، ويصور عن كثب حياة صالح، بوصفه كاتباً معارضاً معروفاً، حاول مدّ الجسور بين جيله من الناشطين، والشباب السوري الذي ثار لاحقاً. وقد حوله ذلك من رمز مهيب، إلى كائن بشري غير معصوم، يتسم بالغموض والضعف ويسهل فهمه ربما.
أواصر الصداقة
ويتم ذلك من خلال تغيير في المنظور، حيث ينتقل حمصي من مصور إلى شخصية في الوثائقي ومساعد مخرج، وينطلق مع صالح في رحلة برية توثق أواصر الصداقة بينهما، وتجبر كلاً منهما على مواجهة صراعات جيله من أجل تحويل المثالية إلى واقع، إلا أنها تتركهما في النهاية مهجورين في تركيا.
يقرر صالح الذهاب لبلدته الأم، الرقة في شمالي سوريا الواقعة تحت حكم الثوار، في رحلة تتطلب 19 يوماً بدلاً من يوم واحد لتفادي نقاط التفتيش الحكومية. ويكتشف لدى وصوله أن تنظيم «داعش» قد اختطف شقيقه، ويسمع صوته وهو يقرأ سطوراً من إحدى رواياته، تقول: «ما عاد للرحلة معنى، إلا أنه لا خيار لدي سوى المضي قدماً». ويصور الفيلم من خلال تجربة صالح مسار ثورة سوريا في رحلة موازية، وقد انحرفت عن مسارها الأصلي على يد المتشددين، ولكنها مع ذلك عاجزة، أو غير مستعدة للعودة أدراجها. يقول حمصي، بينما يذرف الدموع هو وصالح أمام عدسة الكاميرا: «هناك شيء يدعى إرادة الحياة. ومن يرد العيش عليه الخروج».
منفى
لطالما اعتبر ياسين الحاج صالح كلمة «منفى» إهانة، إلا أنه اليوم يقول: «أنا جزء من النازحين، ومن أمل العودة». وينتهي الفيلم بسطر صامت يقول إن صالح لايزال ينتظر عودة زوجته، وسوريا لاتزال تنتظر حريتها.
_______
*البيان

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *