ثريّا كفاكِهَةٍ لا تُرى


نصٌ مشترك : وجدان شكري عياش و الكيلاني عون

( ثقافات )

الإهداء / إلى روح الشهيد المناضل والشاعر عبد السلام المسماري


-1-
(( وعجِبتُ كيف يموتُ من لا يعشقُ ))
لحـنٌ يصطخِبُ شبقاً في أحضانِ العازفين ..
عِلمٌ رصينٌ بآفليه يمتدح سهوَ المنازل ..
ضيفٌ لفكاهةٍ عابرةٍ ..
أردُّكَ مترفاً بيديهِ
مضى شجني يتحسسُ بقايا طيفٍ أسعدني
وأبقاني ناياً في أيدي
رُعاةِ عشقٍ لا يحظى بِندى الفجرِ 
أعدُّكَ مرّاتٍ والموفدون أنقاضٌ من زبدِ المشافهةِ 
يبوح بخيال الوسائد 
وشجني صهيلُ أخلاطٍ عليه أن يبقى
على قيدِ القُبلِ المُختلسةِ ، جاذِباً مع دفقِ فيضانه
حريةِ بلادٍ تحتفي بِغسقٍ عُشاقِها المانحين رِهانَ اكتشافهم
لِقيدٍ لا يعني شيئاً أمام غواية الحُبِ 
بل يترُكونه وحيداً مُنفرِداً بِعُزلتِه أمامَ بوابة العسكر 
هنالك فتحَ سِتارةَ الضحكِ مبهرجاً نفيسَ اللّهاث 
يقيناً دثَّر حجلَ المدينة بعينيهِ
هنالك ما تبقّى من غاباته الناجية
هُنالِك على تعرُجاتِ طريقٍ أغوته زُرقة بحر بنغازي
كي يُبقينا مُنفردين 
تائهين 
نتلمس ربيعَ أجسادِنا كبُرعُمٍ
حُرِثت أرضه بِعرقِ الابتِهاج ، غير عابئين بِفكرةِ العمى
ونحنُ نتخلى طواعِيةً عن أوامرِ عصا العقل 
ونستبدِلُها بِقشِ العشقِ 
مُبعثِرين زيفَ وجودِنا ، قابِضين على جمرِ
إغواءٍ مُوغِلٍ في صوفيةِ البوحِ ( وخِتامُها مسك )
يا الله 
رائِحةُ المسكِ تضوعت مع آخرِ حرفٍ
وأراني أُرَدِدُ (( وكيف يتوبُ عن وعدِ الهوى المحبوب ))
-2-
سلاماً فضّةَ اللون ومسارح المدّ 
أمتدح جبينَ الطالع بسوادِ عزلته كطفلٍ
تلبَّدهُ شرودُ الصحو 
كُن أيقونةَ عائدين لبهرجةِ العمّات الأثيرات للمقاييس 
وشدّ وثاقَ الممراتِ لعلَّ سلاماً يحبو يؤرّخ الأثر
كم تلوْنا هواءَ العرق 
كم شبهنا ذوات الصهيل 
شربنا المدينةَ باباً نافذةً
وابتلينا بقارئة السهو 
كُن مزاد المطر
ظلَّ الأنين المتبقي لنوارسَ مهجوّة بظنونها 
ثريّا كفاكِهةٍ لا تُرى تقتفي بيداء رهانها بين زرافات النبوءات ..
-3-
أُروِّضُ هتافَ الحجلِ كآخِرِ العُشاقِ الناجين
من فكرةِ النسيانِ أنا 
غيبٌ يتخبَّط في نعيمِ الطعناتِ 
حسبي زينة الحفيف المُهيَّأ لتدبير الظلال 
هكذا موائد اقتسام المدى مشروخة بغبار الدهاء تلمُّ
صحونها كآخر عشاء يستوفيه ما يغيظ الكنوز 
هكذا امتحان الروَّاة 
أخبئ حنينَ وجودِكَ بين نغمتين حائِرتين في جسدٍ
من سهرٍ وموسيقى
ومن تفاصيلَ أرهقها الانتِظار 
حينها لا أعي من أسمي سوى أنه غيمةُ أو بقايا وهج الندى
لِحُروفٍ تُؤكِدُ عِلاقةَ الغِناءِ
قُربَ بوابةِ الحنين وبين رائحةِ النرجِسِ
المُتكئ بِولهِ العاشِقين على سِياجِ الانتِظار ..
_4_
كسلٌ أمينٌ يتحرَّى أشكالَ الغوايةِ
لا تخف
سنأتيهم من الآجرّ المتكلِّم
ومن بصر الغابات ذاتها ..
-5-
الفقدُ المُطمئنُ المُتأمِلُ في فراغِ جسدٍ من صبرٍ وندى
ومن رُؤى الشجنِ لي 
النرجِسُ الذابِلُ على صدرِ الكلامِ لي 
الليلُ الذي لا يلتفِتُ للندى ،لِرَائِحةِ العُشبِ ،لعرقِ الرقص لِرجفةِ الرملِ والريحِ والموجِ ، لِجحيمِ الحربِ وغيم الرؤى لي 
لِماءِ الضغائنِ وقد شح على سوادِ الكلام ،على دمِ الشهيدِ كغيمٍ يُضلِلُ شِغافَ الكونِ لي 
خمرُ النرجسِ الملتاع بِنبضِ الانتماءِ لي 
حمائم كناياتٍ 
خزائنُ سلامٍ شهيٍ ، هياجُ الخير في شؤون الفراديس وحدها مصاهراتُ ندمٍ
يزنُ الرمادَ كجراءِ الرّضوض
وأحياناً كأنها خلٌّ معلومٌ 
صوابٌ في قوارير الحمَّى 
كيف أُسلِّمُ مزق الحدائق لشاحناتٍ لا ترى المشيّعين
لا تمتحنوا ما أرويه للنّعاس
ولا تحمل بجواميسك العمياء قدورَ السّمعِ أيُّها الملحُ ..
-6-
كيف للمأساةِ أن تُعيدَ بهجة النصر والوطنُ مشكاةٌ
في أيدي سُكارى الفعل ؟
يُشيعونُ الكأس لينفلتَ عُهرُ السلاحِ في وجهِ صمتِنا 
صمتٌ كحدِ نصلٍ صدئ
يجترِحُ الخرابَ ولا يكترِثُ لمن أشاعوا النصرَ بِنقاءِ دمهم
المسفوح على أرضِ الفتنةِ 
فراشاتٌ تُهدهِدُ الموتى
بِقنديلِ الحِداد ، وضحايا الندى يُؤرِخونَ الغِياب
لِبِلادٍ لا يُعنيها هزيمةُ اللونِ على رايةِ الأسرى 
بِلادٌ تمنحُ خصرَها للرصاص ، لِدُعاءِ غيمٍ مُؤرقٍ في مهدِهِ 
لِطينٍ يُؤلِفُ جنةً للشُهداء 
بِلادٌ في زي جلادين ينتقِمون من رائحةِ الغُصنِ وقت اشتِداد العاصِفةِ 
بِلادٌ تمنحُ ظلها لفقدٍ موشومٍ بالفراغ 
دَوِّنَّ الأفقَ الواهن بمواريثهِ ، دَوِّنَّ معاطفَ الضّباب الهارب بالزّعفران
فقد أسلمتِ الريحُ خمارَها لمترفي الوشاية ، بيننا كمائن 
اقتسامٍ وحشرجاتُ أنماطٍ 
دَوِّنَّ ملاقطَ التوّ الأثير واشربنَ حساءَ القيامة
إنها بلادُ شهيدٍ ما يزال يهدهد وصيّته ولا نراه 
بلادٌ ترشق الأفقَ باللّبن المرّ ندركُ ميثاقها كأمتعةِ سباتٍ
ونلوك المهبّ الوحشيّ كإشارةٍ
بيننا الملاءاتُ تتكلّم بأقساطِ القبل وعلى صهوةِ النوم صراطٌ غافل
بمعافاةِ داليةِ الرّغيف ، بيضاءُ بيضاءُ صحائفكَ أيّها الضّجرُ
لكنه قيظُ النوارس يعتمرُ الدّهاء ..
-7-
موتٌ يتربصُ بِبلادٍ تنزعُ نصلَ خوفها وجوعها وقهرها 
لِدربٍ سكرانٍ باختطاف الظل سيُرى رافعاً شهوتَه لما فاتهُ
من ممرّات الوسائد 
دربٌ تفرّسَهُ حشدٌ مسقوفٌ بالعابرين خلسةً
تحت وميضٍ مغرورق كامتحان ثقيل ..
-8-
مُنذُ متى وخصر الوطنِ مائلٌ للبُكاء ؟؟
كان يعدّ جدالَ الرمادِ ، موحشةٌ أنتِ يا سرايا الكفّ بالأخاديد الزائلة ونومكِ شريكُ ذاتهِ 
منذ متى وهو لا يحدِّث فكاهة السّروج
المعبورة بالزغاريد ؟
مُنذُ متى ونحنُ بِلا غوايةٍ وبلا عاشِقين ؟؟
يُثيرُني ليلُ الفقدِ كي أمُرَ على وهجِ البدايات وصعوبة الاندِثار 
أنثُرُ رمادَ ذاكِرَةٍ مُتوهِجَةٍ بأملِ الشُهداء والغائِبين القابِضين على جمرِ رصاصٍ يتأرجحُ على حافةِ فوهةِ الحق ، فيما الباطِلُ يحتسِبُ الرِهانَ مُنتصِراً ..
-9-
أنحني على غُبارِ الأبنِيةِ وجُدرانِها ، على جُذوعِ أشجارٍ
مُتهالِكةٍ قُربَ بيتي 
على رائِحةِ رملٍ وطينٍ مُلتصِقٍ بِالرصيفِ المُحاذي لِوهجٍ 
بدأ في الظُهورِ وبِعُنفٍ كأنه لعنةٌ تُزهِرُ في ميزانِ جسدٍ من ماءِ الرُؤى 
والحنينُ حقلُ ألغامٍ لا يعتَرِفُ بِشعائر التأمل ولا يكترِثُ بِظِلالِ من يتخِذون الحرفَ ذريعةً للعشقِ 
أنحنى وكفى 
لأعبر صورةَ النسيان وتلاميذه المموّهين بجناسٍ يصرِّفُ بنقائضهِ
لأرى الأشجارَ كعهدِ الشّهيد بها
والمنازل ذاتها
لا أُريحُ ما ينتاب القوارير من سهرٍ يتداعى أشباحاً
لا أردُّ يدي إليَّ مُروَّضةً بالفقد ، أُسلِّمُ سلامَ الأمهاتِ عليكَ
في المخدعِ السماويّ ..
-10-
خادمات الغبار أنثرنَ حنينَ المرايا مبلّلةً بالنجاة ، أعِدنَ رسومَ النّفيس
قائماً الصّمتَ كلّه كمن يشتري شاحنات الخسوف
رتّبنَ العناقيد البريئة مراكبَ وأناشيد
ندِيمُ الرائِحَةِ أسمي ، لا يكترِثُ لِشُحِ الغيمِ ، يخدعُ الحنينَ بِشهقةِ الاكتِفاء ويواصِلُ اغماضةَ عينيه على عِناقِ جسدٍ من صبرٍ وندى 
ومن لُغَةٍ لا تعي من فضلِها سِوى أنها للعاشِقين دَلِيلُ القُبَلِ والمواعيد ..
-11-
عشقٌ بلذائذ الشّهود يملي تقاويمَ الندماء سيأخذ سطورَ الشبهاتِ
بعيداً بعينيهِ قدَر المرئيّ أنيناً
عِشقٌ طائِشٌ يتعثرُ بِنداءاتِ من رحلوا ، ينحتُ ظِلهُ بِوهجِ أسماءٍ دلّلها الموتُ ، مُكتفِياً بِنُبوءةِ الحرف
صريحاً كالوصيّة ..
-12-
لنا ما للحالِمين المُشككين بِنقاءِ الظلِ من سطوةِ النَبيذِ
على جغرافيا جسدٍ من آهاٍتٍ لن تتحقق 
لنا أخاديدُ ضحكٍ قليل نتجرّعُ دمعته
لنا ما للغيمِ من نبوءةِ الواهِبين نصرهم للريحِ ، ونحنُ نجترِحُ الليلَ كي يلحقَ بِنا سربٌ من العاشقين 
لنا قنافذ بركة الصّمت المعروق بالتفاصيل وميثاقه الفلواتُ
لنا مـا لِوطنٍ مـرهونٍ للشهادةِ
يقودهُ ظلُ الأمهاتِ والأرامل المانِحات صبرهن للندى 
لنا ما للأنبياءِ مـن تسامُـحٍ حينما يلمحون ارتجافة أجسادهم وهي تعبُرُ برزخَ التوبةِ 
لنا ما لِظلِ الحائِرين العالِقين بِغُبارِ الحقدِ 
لنا ما للندى من شجنِ الفقدِ حينما يُغادِرُ قمحَ الحُقول ويتوسدُ العدم 
لنا ما لِخريفِ الرصاص وجحيمه على جسدِ البِلاد وقد منحه الغيمُ لمعاناً يُشبِهُ نواح الثكالى والأرامِل وهُن يمنحن البِلادَ نبيذَ أبنائهن 
لنا ما لِميزانِ اللعنةِ ولوعتِها على عُمرٍ يُلامِسُ رَصيفَ الشيخوخةِ وزهراتُ الجسدِ بدأت في الذُبولِ 
لنا عُمرٌ نرمي شباكَه لميمنةِ النول ولتكن أحجية النّفير أشبار ذكرى
موقظاً دفوفَ الغنائم أنْ قِسْنَ مضائقَ الخير المعبور 
وافتحنَ شِباكَ التّوت الأعمى لصراخٍ يتلظّى 
لنا ما للنوافذ من صبرٍ شقيقٍ ، وما للصّور من كلام
سلاماً إذن أيّتها الأمهات على ما نراه
سديماً معصرةً لغيب الزّفير..
بنغازي : 31 / 7 / 2013
طرابلس : 30 / 8 / 2013

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *