*بروين حبيب
هل من العيب أن يقدّم شخص أمنيات جميلة للآخر سواء اليوم أو في يوم آخر؟ سواء ليلة رأس السنة أو ليلة نهايتها؟ سواء ليلة الجمعة أو الخميس أو الأربعاء؟ ما المؤذي في تقديم خالص محبّتنا لمن نحب؟ ما السيئ في أن نكون إيجابيين اليوم أو غدا أو بعد غد؟
كل تلك البكائيات التي ملأت صفحات التواصل الاجتماعي قبل أيام من نهاية سنة 2014، أرعبتني، كل ذلك الكمّ من التشاؤم والكلام المأساوي أزاح الستارة لا عن مسرح واقعنا البائس لكن عن واقع قلوبنا التي نحرص جيّدًا على إخفاء محتوياته عن الآخرين… بدت قلوبنا في نهاية العام مثل غابة أكل الحريق كل خضارها، بدت قلوبنا أدخنة ورمادا ورحيلا كاملا لأسراب طيور الحياة عنها…
في لحظة ما شعرت بأننا كائنات ميتة تتحدّث من داخل قبورها، وتتأهب ليوم القيامة، مثقلة بكل أخطائها، وأمامها باب وحيد مفتوح هو باب الجحيم…
إن نسينا شق الفرح في النصف الآخر من الكرة الأرضية فلن نرى سوى شقنا البائس، شق الحروب والمجاعات، وقوافل النازحين من الأرامل والأيتام والمذلولين… وإن نظرنا للشق المضيء وحاولنا أن نخلق مساحة من الفرح لنا، تهب العقول المظلمة من حيث لا ندري وتحجب عنّا كل ثقب ينبعث منه النور.. لم نستطع طيلة قرون من الزمن أن نتخطى محطة شهوتنا لسفك الدماء وصنع تعاستنا بأيدينا.
وأظن أن المشكلة تكمن في خطابنا الذي لم يتغير، الثبات الذي نحارب من أجله، هو الذي جعل الشعلة تحرقنا كل هذا الزمن. لنقل إنني مخطئة، ولكنني خرجت من دائرة الثبات ووجدت أن الحياة جميلة حين نقرر ذلك… فقط علينا أن نغادر السجن الذي صنعناه بأيدينا وركّبنا له قضبانا من وهم ونمشي مع الزّمن لا عكسه… سنة 2014 كانت سنة «سوبر جميلة» عليّ… وأشكر الله وأحمده أنه منحني سنة مليئة بالمحبة والنجاح والصحة والفرح…
أسمع أصواتا تقول: كيف تقولين هذا وإخواننا في فلسطين يعانون؟ وإخواننا في العراق وسوريا وليبيا يعانون؟ أصوات بحرينية تحديدا ستقول كيف تفرحين والبحرين ليس بخير؟
وأصوات أخرى تأتي من مصر والسعودية والأردن والجزائر وتونس.. وكل بلدان العالم العربي، أصوات أخرى عربية تعيش في بذخ كامل في الغرب ترسل لي إشارات مثل وخز الإبر لتفسد شعوري بكل ما حققته، وهذا ما أسميه منغصّات من أجل التّنغيص على الآخر فقط.
يتفق هذا السيل من الناس على كسري من دون أن ينووا ذلك فعلا، لأنه سلوكنا العادي الذي ألفناه منذ عهد قديم، نحن نتعاون على كسر الناجح، أما الفاشل فهو النموذج الذي ألفناه أيضا، ونجد متعة لتركه يفعل ما يريد فينا، يصول ويجول حيث يريد، نغفل عنه تماما ونتركه يمسك زمام أمورنا، يتسلّقنا ويتزعّمنا، يفرش وينام فوق أكتافنا ورؤوسنا ونحن منشغلون بكسر من يشق طريقه إلى النجاح.
أيُّها السادة والسيدات سأخبركم سر نجاحي الأول: إنه الحب، فلا أظنني سمحت يوما للكراهية لتأكل مساحات قلبي النظيف الذي وهبني إياه الله بدون أحقاد. أحببت وسامحت وتلقيت الكثير من الضربات من أشخاص لم أفهم أصلا لماذا اختاروا محاربتي بدل العمل على تحسين أوضاعهم، وصنع مجدهم الخاص…
لهذا سر نجاحي الثاني هو: طرد المنغصات من حولي… أي صوت يحمل لي التشاؤم ويحاول كسر أحلامي وطموحاتي أرمي عليه كلمتي السحرية التي كانت قاعدة لكل ما قمت به «تفاءلوا خيرا تجدونه» وأترك لكم مجال البحث لتعرفوا من قال هذه الحكمة العظيمة…
سري الثالث: إنه العمل من دون تلك المقدمة التي تجعل الشخص يفشل قبل بدئه، «هذا المشروع لن ينجح» أو «هذا العمل لا يليق بمجتمعنا» أو «هل نحن أميركان لينجح مشروع كهذا عندنا؟» أو أي تعليق آخر سخيف يحطم المعنويّات ويرفس نعمة الأفكار التي تخطر على البال ونشتهي أن ننجزها… لاحظوا أنني نجحت بإعداد وتقديم برنامج أدبي في زمن أصبح فيه مجرّد التّلفُّظ بكلمة أدب محرجا.
حملت كل أحلامي التي رافقتني منذ عمري الباكر ووضعتها هدفا لي، ومضيت قدما نحوها، وهذا ما يجب أن يفعله كل شخص لديه أحلامه، فمن يؤجل أحلامه لوقت آخر أو لتتحسن الظروف، سيكتشف أن الأحلام تشيخ سريعا وتموت…
مارتن لوثر كينغ قال «إلتقط أحلامك وهي حيّة» وهذه حكمة أخرى اكتشفت أنها صحيحة، وأنّ كل من يحلم وينتظر الظروف لتمنحه فرصة ليحققها سينتهي به الأمر يتيما لأحلامه.
سري الرّابع: دقّة التنظيم…
نعم علينا أن نتعلّم النظام لنؤسس لحياة مستقرة، وإلا فكل تلك الفلسفة التي تتحدث عن الفوضى الخلاّقة لا تناسبنا… ربّما تناسب من يريد أن يقلب الأمور لصالحه، من دون النظر لمن حوله، أو تناسب صانعي الحروب لترتيب وضع اقتصادي معين…لكنّها حتما لا تناسب الفرد الذي يرغب في النجاح من دون أن يؤذي الآخرين، ومن دون أن يؤذي نفسه، لأن بعض أحلامنا قاتلة إن لم نخطط لها بهدوء ونمضي فيها بتعقُّل.
تلك المقولة التي قالها اللغوي الفرنسي إيميل بنفينيست «إن الأفكار تنتج العالم ولكن من خلال إخضاعها لنظام»، حقيقية جدا وقد تكون انطلاقة لمن يريدون أن يتركوا بصمتهم واضحة في هذا العالم.
أما سري الخامس، ولعلّي أملك أسرارا كثيرة بهذا الشأن هو قراءاتي التي تعلقت دوما بالناجحين، فقد تعلمت أن أناقش ما أقرأ، وألا أتخذ الإحباط قاعدة في حياتي… كل أولئك الذين توقفوا عند عتبة خسران الأندلس، وهزيمة 67 وكل الهزائم العربية التي نبدع في تكرارها والتأريخ لها، لم تعد تعنيني، وأكثر ما لم يعد يعنيني أيضا هو سرد الانتصارات المتوغلة في الماضي…
لعلّ أكثر ما يزعجني هو « كان يا ما كان» كيف كنا؟ وكيف أصبحنا؟ وذلك العويل المستمر على ما خسرناه، تماما مثل المرأة التي تهمل أولادها التسعة لأنها خسرت عاشرهم، تهملهم تماما وتبكي الذي مات، تنتحب يوميا أمامهم وكأنّها تقول لهم بصوت عالٍ: «أنتم لا شيء». الرّسّام فان غوغ قال «إن لم تملك الشجاعة للمحاولة، فأي معنى للحياة؟». يموت البعض من الدّاخل لأنهم لا يملكون هذه الشجاعة، وهم لا يملكونها لأنهم يخافون من الفشل، وهم يخافون من الفشل لأنهم يخافون من لعنة السخرية التي يمارسها مجتمعنا على بعضه بعضا. حلقة سخيفة نعيش في كنفها منذ عصور ولا نستطيع الخروج منها… وهذا هو « الثبات» الذي بدأت الحديث عنه… لهذا أتمنى لكم الكثير من الشجاعة لتحقيق أحلامكم… فقط أخرجوا من الحلقة السخيفة التي تطوّق أرواحكم وقلوبكم وأحلامكم…
كل عام وأحلامكم بخير..
____________
كاتبة وإعلامية بحرينية