الحفيد


إسراء عبد التواب *

(ثقافات)


ضحك لها في براءة إبتسامته كانت تذكرها بالبدايات الأولى .ظلت تتأمل ملامحه الصغيرة على مهل .كل شيئ في جسده كان يثير الدهشة.سرته ما زالت مرتبطة بخلاص أمه مربوطة بمشبك قوي يضغط على بطنه الضعيفة ليذكره بصرخته الأولى لحظة أن فارق كيسة المظلم لينتقل للحياة .
الشقاء هي رحلة الحياة للولادة ،وقد تتخللها رحلة موت ينجو من ينجو ،ويقرر الخالق أن يقبض روح من يريد أن يأخذه ليترك حكمه عظيمه للتأمل..الأمومة تتسرب بين ثنايا السيناريو .فم صغيرة تضغط بقوة على حلمه الثدي، وهي تريد أن تنتقم من الخروج للحياة فالعيش تحت كنف الظلام ليست مرهونة بمعاناة الشفط ،ولكن النور كان يجبره على تعلم شفط اللبن بتمهل، لذا دائما ما كانت تقف فوق رأسه مباشره ،وهو يصرخ صراخ يشبه مواء قطة صغيرة ، تخرج صرخاتها متقطعة وممزوجة بحنية مؤلمه ،وكأنه ينادي كل الخلق أن يحتضنه ويضمه إلى جسده .كانت روحه البريئة الخائفة من النور تريد القبض على أيدي تلتقطه لتؤكد له أن الضوء سيعيد له الدفء الذي يعجز عن التعبير عن فقده
تلتقطه أيدي الجدات تشعل نارا دافئه ، ولكنها تعبث بثنايا جسده تريد الإطمئنان أولا على خلقته الصغيرة تزيح الملاءات البيضاء عن الحمامة التي تستقر أسفل حوضه لتطمئن على أنه ولد تتأمل هي الحمامة البريئة وتقارنها بأكياس ذكورة شريرة فتشعر بقشعريره من تحول طفولتنا إلى جبروت وتعرف أن البدايات لا تشبه حتما طغيان النضج.
تدثره أيدي الجدات الخائفة من العيون الدساسة تقرأ له المعوذتين ،ثم تلتقط إيشاربا لتضعه علي رأسه تربطه من الخلف وتضغط على الأذن وهن يضحكن ويبررن فعلتهن تلك بخوفهن من تحول أذنيه إلى أجنحة لا يمكن السيطرة عليها ،يخفن من برودة الشتاء وينهمكن في لف القيود واحده وراء الآخرى عبر ملاءات بيضاء .
ليس من حق الفتيات الصغيرات أن يحملن الجسد اللين الضعيف ،كل من لم تتزوج هي فتاه قاصر ليست آمنه على حمل الأجساد الصغيرة للحفاظ عليها ، فقط المتزوجات هن محل الثقة .
تلتقطة فتاه صغيرة بعيدا عن عيون الجدات لتقبل يديه خلسه، وهن نائمات بعيدا في غرفه مجاوره .تخرج للمولود ثديها .يظل يلعق فيها مستمتعا وهو ينتظر نزول اللبن .يمتعض بعد إصابته باليأس وقبل أن يبكي تخاف من يقظة الجدات وتدثره بالملاءات البيضاء وتدخل ثدييها سريعا إلى سونتيانها الصغير .تصعد سلالم البيت العالي وتجلس على أعلى عتبه،وضربات قلبها تتسارع ،وهي تضحك وتفتح صدرها للهواء البارد وتشعر بدفئ غريب يغمر رحمها وثدييها من سنوات البرودة التي قضتها ،وهي تتمنى أن تقوم بتلك اللحظة السرية .تذكرت وهي طفلة صغيرة كيف كان إحساسها ،وهي تضم عروستها الصغيرة و تخرج لها صدرها الأيمن .إلتصق ثديها بزرار عين العروسه التي كانت تصنعها لها أمها فسرى إحساس جميل لم تستطع تحديده،ولكنها كانت خائفه ،وهي سعيده ،وأحست أن خروج ثدييها كان شيئا معيبا .لم يقل لها أحد أن هذا التصرف معيب ،لكنها لم تجرؤ على حكي تلك الواقعة لأمها .حكتها فقط لجوز الحمام الذي إستقر فوق السطوح،وهي تطعمه بحبوب القمح ،وقبل أن تنتهي من إعترافاتها السريه هج من سطوح البيت وأطلق أجنحته للطيران ،وتتبعت هي إستقامته مع حمام الجيران في سرب متناسق .نامت ليلتها وحلمت أنها تطير وصدرها عارى ،ويحملها سرب الحمام على جناحه ،وتتساقط قطعا من الثلج على صدرها الخمري فتشعر بدغدغه جميله ،ولكن حين أيقظها أبوها من الحلم .فزعت وإلتقطت بطانيه كانت تدثرها ،وغطت بها جسدها ،فنظر إليها بدهشه ،وغمره أغرب تعبير،وإحتضنها وقال لها : إنتي كنت بتحلمي.طأطأت رأسها بالإجابه وشعرت بالآمان،وإستيقظت ،وطلبت من أمها حياكه عرائس كثيرة ليدفئنها في سريرها،وظلت تخرج ثديها للعرائس الصغيرة …
* قاصة وصحفية من مصر

شاهد أيضاً

يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت

(ثقافات) يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت حسن حصاري منْ يمُدُّ لي صوْتا غيرَ صوْتي الغائِب؟ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *