الروائية اللبنانية جنى فواز الحسن: أكتب لأكون في العالم


*خلود الفلاح

تعدّ الروائية اللبنانية جنى فواز الحسن من الجيل الجديد في الكتابة الروائية العربية، وبمناسبة صدور روايتها الجديدة “طابق 99” التي تطرح أسئلة عن الحرب وعمّا تخلفه من مآس لا تنتهي وما كان من بلوغ روايتها الثانية “أنا، هي والأخريات” إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر 2012. تحدثت إلى “العرب” عن تجربتها.

تقول الروائية مها حسن “خلقت لأروي”. وتقول الروائية جنى فواز الحسن عن الكتابة: «خلقت لأتلاعب بالكلمات، لألعب معها وبها على أمل أن أبني منها شيئا ما».
تضيف:«بالطبع دائما لدى الكاتب الكثير ليقوله، ليسجل اعتراضات جمّةعليه وليروي المتخيّل والواقع. ولكن وسط عبثية كل شيء، أحاول أن أجد مساحة صغيرة أستكشف بها الحياة وأخبر عنها».
السرد والحرب
شخصيات رواية “طابق99” تبحث عن هويتها من خلال التعلق ببعض الأمور، فهذا والد مجد يرفض التسليم بموت زوجته، وماريان الأميركية تبحث عن رفات زوجها ومعها هيلدا، والروائية جنى فواز الحسن استطاعت هنا الإمساك بالقارئ طيلة أحداث الرواية.
عن مدى انشغالها بالقارئ أثناء الكتابة، تقول فواز: «بالنسبة إليّ، القاسم المشترك بين شخصيات روايتي الصادرة حديثا “طابق 99” هو المصير المعلّق. يحاولون -بمعظمهم- العبور إلى الأمام، ولكن هناك دوما هذا الماضي الذي لم ينته، والذي يجذبهم إليه. ليس الماضي هنا حنينا على قدر ما هو نتاج لظروف الحياة التي وجدوا أنفسهم فيها. ليسوا أشخاصا مأساويين. على العكس، هم يحاربون ويحاولون أن يجدوا مساحاتهم الخاصّة».
وتضيف الروائية: «منذ بدأت كتابة هذه الرواية، كان السؤال الذي يلحّ عليّ: هل يمكن للإنسان أن يتجاوز الظروف ويغلبها، أم أنّها تبقى جزءا منه؟ هل يمكن ابتكار هوياتنا من جديد؟ مجد أيضا، على الرغم من محاولاته العبور إلى شخصية مختلفة عمّا كانها، حافظ على الندبة في وجهه كجزء من هويته. كان هذا السؤال الأساسي، عن إمكانية الانفصال الكليّ عن الجذور من دون الهرب منها. ومن ناحية أخرى لا يشغلني القارئ أبدا أثناء الكتابة».
وتؤكد:«لا أكتب لأجذب وأمسك بأحد، على قدر ما أن أمسك بنفسي وأضعهابكل ما فيها في العالم الروائي الذي أبنيه. يشغلونني عندها هم، هيلدا ومجد وماتيلد وماريان وإيفا ومحسن وغيرهم. أهتمّ كثيرا بالعمل. أحاول أن أبثّ الحياة فيهم، لأنّي إن نجحت في ذلك، سأحقق ما يستحق القارئ أن يحصل عليه».
تطرح رواية “طابق 99” أسئلة الحرب ومعاناة الإنسان الصعبة معها. فهل كان السرد اليوم مهتما بما هو هامشي ومهمل، تقول جنى فواز: «المهمل ليس بالضرورة هامشيا.للأسف، في حياتنا اليومية، المهمل هو الأساسي والهامش يستحوذ على معظم تفاصيلنا.
نحن أشخاص مهمّشون، نكاد نكون غير مرئيين بالنسبة للطبقة الحاكمة، وتقريبا لا شيء أكثر من أدوات وقطيع، وأتحدّث هنا عن الهوية الجماعية.المجتمع اللّبناني مجتمع خارج من سنوات حرب طويلة، خرج منها دون أن يتصالح مع ما حدث، وقد أتى جيل جديد لم يشارك في الحرب، ووجد نفسه امتدادا لصراعاتها».
وتضيف:«الحرب عادة هي إنتاج أقليّة،مجموعات مسلّحة تشلّ حياة مدنية بأكملها. والسرد اليوم، وسط التحولات الكبيرة في الشرق الأوسط، مرتبط بكل ما يجري. الرواية طبعا ليست إخبارية ومعنية بالحدث اليومي، لكنّها بشكل أو بآخر تطرح الأسئلة عن هذه المجتمعات؛ ماضيها، تاريخها، حاضرها وتحوّلاتها».
حداثة الرواية
الرواية العربية اليوم تشهد تحولات كثيرة؛ الثورات العربية، التطور التقني الهائل، العدد الكبير من اللاجئين العرب، القارئ المتعجل، إن كانت هذه الرواية متصالحة مع عالمنا المعاصر، توضح فواز: «الرواية هي ما يكبح هذا الجنون الجماعي، وتصرخ: لنتوقّف قليلا ونر الصورة من بعيد. لنرها باتجاهاتها المختلفة، عن قرب، وعن بعد. ليس مطلوبا من الرواية أن تشكّل نفسها لتناسب العصر، يمكنها أن تتأقلم معه أو أن تعترض عليه أو تطرح الأسئلة حوله. ليس هناك شكل معيّن لها، ولا يجب أن تحزن إن وقفت وحدها في مواجهة الحداثة التي تدوسنا بقسوة. لها أن تكون نفسها، مكتملة بها. حتّى في عصرنا هذا، تتباين الآراء بين قارئ وآخر وما إذا كان يرغب في قراءة رواية طويلة أو قصيرة، مكثّفة أو لا. والتحدي الذي تجده الرواية في مواجهته الآن، هو أن تتغلب على كل هذا التطور التقني، وأن تربح لحساب الورق والكلمات وعالمها الخاص».
هناك من يقول إن الرواية المترجمة وصلت إلى القارئ العربي بشكل أفضل من الرواية المكتوبة بالعربية. وتعتبر محدثتنا هذا مرتبطا بذائقة القارئ. ولكنها ترى أن الرواية العربية، من دون شك، لا تزال حديثة مقارنة بالأدب العالمي، الروسي مثلا، وبالتالي الرواية الغربية قطعت شوطا كبيرا لا يزال العرب في أولى محطاته.
لكنها تعتبر أن هذا لا يتعارض مع وجود روايات عربية أكثر من رائعة. وفي نهاية المطاف، ليس هناك عمل غربي أو عربي أو.. إمّا هناك عمل جيّد أو ليس كذلك.
نساء روايات جنى فواز الحسن حزينات عن سبب ذلك وإن كانت تعاطفت مع نساء روايتها “أنا، هي والأخريات” تقول: «الحزن ليس خاصية نسائية في رواياتي، وهو يلامس الذكور كما الإناث، بعيدا عن تصنيفه الجندري. أيّ حزن وانكسار أكثر من ذلك الذي جسّده الأب الغائب والمنفصل عن واقعه في “أنا، هي والأخريات” مثلا؟ أنا أقدّم الإنسان في صراعاته. ليس هناك الكثير ليُكتب عن الفرح، ولكن عن السعي إليه. وأنا على الصعيد الشخصي، تخلّيت عن فكرة السعادة المطلقة، لواقعية ما، ولاستحالتها وليس لأنّي أميل إلى الحزن».
تضيف فواز: «إن التفتنا حولنا قليلا، لرأينا السعادة سرابا أو أشبه بامرأة بعيدة المنال، لايصل إليها أحد. ولا أدري أيضا من عمّم فكرة السعادة، يمكننا أن نشعر بأمور كثيرة؛ الحزن، الغضب، اليأس، الأمل، الفشل، النجاح، الفرح، الألم. كلّها جزء من تجربة الحياة. هل تعاطفت مع النساء في رواياتي؟ ربّما في لحظات نعم وبكيت معهنّ أو معهم، أي حتّى الرجال، أحيانا. لكن التعاطف بالنسبة إليّ أيضا مرتبط بالأعذار. أفضّل أن أشاركهم حزنهنّ/ حزنهم للحظات ومن بعدها أن أبحث لهنّ/ لهم عن باب أمل ما».
_______
*العرب

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *