*إعداد-رشا المالح
يحلق من يستمع إلى مقطوعة «شهرزاد» الموسيقية، للروسي رمسكي كورساكوف، على بساط الريح، نحو عوالم الخيال والأساطير، وتتضاعف هذه المتعة عند المستمع الغربي الذي يرحل به البساط إلى حكايات «ألف ليلة وليلة» ليبحر مع سندباد في سفينته، ويرافق الدراويش في ترحالهم، ويعيش في قصة الحب بين الأمير والأميرة، ويصارع الأمواج قبل مشاركته في احتفالات مهرجان بغداد.
«كل ما تمنيته أن يتفاعل المستمع مع مقطوعتي الموسيقية كسيمفونية، لتحمله بعيداً إلى عوالم سحر الشرق الغني بالحكايات والخيال، بمعزل عن كونها عملا يضم أربعة مقاطع موسيقية» يقول الملحن الروسي رمسكي كورساكوف «1844 – 1908»، الذي أوضح أن سبب تسميته لمقطوعته بـ«شهرزاد» هو كون هذا الاسم يحمل فكر سامعه تلقائيا إلى عالم حكايات ألف ليلة وليلة، العربية، والى الشرق بصورة عامة.
.لحن كورساكوف سيمفونية «شهرزاد» الرباعية الحركة عام 1888، بعدما نضجت تجربته الموسيقية. فهو في السادسة من عمره تعلم العزف على البيانو تبعاً لميول والدته الموسيقية. وحين فرض عليه شقيقه الأكبر متابعة تعلم البيانو في المدرسة، أبدى كورساكوف اهتماماً بالأدب الذي دفعه إلى عشق البحر، خاصة وأن أخاه كان ضابطاً في بحرية الامبراطورية الروسية.
البحرية والمعهد
قاده هذا العشق إلى التسجيل في البحرية ودراسة الرياضيات والعلوم البحرية في سانت بيترسبرغ، حتى تخرجه عام 1862. وخلال تلك المرحلة نما حبه لموسيقى الأوركسترا وغيرها، كما لفتت موهبته الموسيقية، مدرسه عازف البيانو أوليخ الذي شجعه على دراسة التلحين على يد ثيودور كانيل، واللذين احتضنا موهبته.
وتطورت تجربته الموسيقية بين البحرية ومعهد الموسيقى في سانت بيترسبرغ، حيث علم نفسه بنفسه أسس الموسيقى وتوزيعها كأوركسترا، وقدرات الآلات الموسيقية على أنواعها، ليصبح لاحقاً أفضل مدرس للموسيقى في تاريخ روسيا.
تحول كورساكوف بتجربته الموسيقية من الالتزام كملحن بإحياء الموسيقى الروسية التراثية والشعبية مع زملائه الموسيقيين في مجموعة «الخمسة»، التي تضم رواد التلحين في عصره، إذ خرج من المفهوم التقليدي واتجه إلى دراسة الموسيقى الغربية وتقنياتها.
ليلة مايو
سبق لكورساكوف تلحينه مقطوعة شهرزاد التي حققت له إلى جانب كل من سيمفونية «افتتاحية مهرجان إيستر الروسي» و«كابريشيو اسبانيول»، استلهام ألحانه من الأدب.
نضوج
ومع مضي السنوات، نضجت تجربة كورساكوف الفنية، ليقدم في معزوفة « شهرزاد» التي استلهمها من حكايات «ألف ليلة وليلة»، قمة إبداعه على صعيد اللحن ومحاكاة القصة والحوارات والأحداث، عبر إيقاع الألحان وربط المساجلات بنوعية محددة من الآلات الموسيقية التي تحمل المستمع على بساط الريح، إلى عوالم الخيال وغموض سحر الشرق.
شهرزاد وشهريار
من يستمع الى مقطوعة شهرزاد، يتعرف في البداية على شخصية الملك شهريار، الآمر الناهي الصارم، الذي اختار له كورساكوف أصوات آلات النفخ النحاسية والوترية الغليظة بإيقاع سريع، لينساب بعدها صوت شهرزاد العذب على أوتار عزف فردي للكمان والهارب بإيقاع بطيء يتهادى على أوتار الآلتين، ليستمر الحوار بينهما إلى حين..
لندخل بعدها مع شهريار أجواء القصة الشيقة التي ترويها شهرزاد له، ذلك بين ألحان متنوعة، نتبين انها في إبحارها على أنغام الآلات مجتمعة تتحول إلى سفينة سندباد التي تمخر عباب البحر متأرجحة بين المخاطر، لتتناوب جميعها بما يشبه الدوامة حتى تصل أخيراً إلى هدوء ما بعد العاصفة، في وحدة متكاملة متناغمة بين الوتريات والنحاسيات.
نعود في الحركة الثانية إلى وتريات كمان شهرزاد العذب، التي تروي حكاية الدراويش في احدى الأسواق، بتنوع نغمات راقصة لآلات النفخ النحاسية المتراقصة القريبة من الفلوت، ثم عودة إلى السرد. ومنها إلى لحظة وصول الملك الذي تعلو فيها جوقة الأبواق مهيبة بالخطر والحذر، وتدافع الركب هنا وهناك، وبعدها العودة إلى شهرزاد وعذوبة الكمان الذي يتصدى له شهريار، ليبدأ الكر والفر بين الأبواق والوتريات الغليظة..ورقة الكمان والهارب.
الأمير والأميرة
يفتتح كورساكوف حركته الثالثة باللازمة الموسيقية لسرد شهرزاد في كل افتتاحية، ومنها نتعرف على حضور الأمير مع عزف الوتريات.
ومن ثم نلتقي بالأميرة مع آلة الكلارينيت، ليدور بين الكلارينت منفردة ومجموعة الوتريات، حوار رومانسي يحمل في نغماته فرح وبهجة الحبيبين اللذين يتألق حبهما بتصعيد اللحن نفسه لدرجات أعلى، لنعود بعدها إلى شهريار ووتريات شهرزاد التي تبدو نغمات الهارب فيها كقطرات المياه لحظة سقوطها في المياه، التي تعيدنا لنغمات محدودة من مشاعر البهجة.
ذروة العمل
وعودة مجدداً إلى كمان شهرزاد وتحليق الكمان في أجواء قريبة من فضاءات «الفالز» التي يخترقها على حين غرة، بعد استغراق المستمع في تخيلاته دخول شهريار المفاجئ بحدة الأبواق والوتريات العريضة، لتقابلها شهرزاد بإيقاع قريب منه في علوه..
لندخل بعدها مع جوقات عازفي الأوركسترا إلى أسواق بغداد الفسيحة بتنوع إيقاعاته بين الوتريات والفلوت وغيرها، ومنها إلى سفينة سندباد ومخاطر البحر وصخب أمواجه، التي تصل إلى الذروة مع الأوركسترا لنعيش في دوامة الصراع بين مد وجزر نخاله لا ينتهي، حتى نصل أخيراً إلى نغمات الفرح والبهجة، ولتجتمع في نهاية، حركة ألحان القصص الأربع بتصعيد درامي متسارع حتى الذروة، تتجلى فيه كافة آلات الاوركسترا، بما فيها ضربات الطبول والأبواق والفلوت والنحاسيات، نزولاً إلى الخاتمة.
شهرزاد في الأدب
اعتبرت حكاية شهريارو شهرزاد، من روائع الأعمال الكلاسيكية منذ القدم، وبقيت منبعاً للإلهام والخيال الخصب للفنانين والمبدعين، ومنهم : الأديب الألماني يوهان فولفغانغ فون غوته «1749 – 1832». كما كتب الأديب الفرنسي ادغار آلان بو «1809 – 1849» قصة قصيرة عن الليلة الثانية بعد الألف.ومن الكتّاب العرب الذي كتبوا من وحي عوالم هذه الأسطورة: طه حسين «1889 – 1973»، توفيق الحكيم «1898 – 1987 .
1910
قدمت فرقة «روسز» أول عرض باليه على موسيقى شهرزاد، في أوبرا غارنييه بباريس، واعترضت أرملة كورساكوف على طريقة العرض في توزيع الموسيقى، الذي اعتبرته تشويها لعمل زوجها.
2004
اعتمدت فرقة المشاة العالمية للطبول وآلات النفخ المعدنية، مقطوعة شهرزاد كثيمة لبرنامجها الموسيقي «انجذاب».
2014
اعتبرت المقطوعة الموسيقية «شهرزاد» الأكثر اختياراً من قبل المتبارين في رياضة التزلج على الجليد، من مختلف بلدان العالم، خاصة في الألعاب الأولمبية، وآخرها «ألعاب الشتاء الأولمبية»، حيث رقص على أنغامها الفائزان بالميدالية الذهبية: الاميركيان شارلي وايت وميريل ديفيس.
خبر يومي سؤال ماديّ، أما الخبز لجاري فسؤال روحاني.
هناك صدام تراجيدي بين الحقيقة والعالم. والحقيقة النقية غير المشوهة تحرق العالم.
دائما، فكر بما هو مفيد وليس بما هو جميل، فالجمال يأتي من تلقاء نفسه.
أينما كنا سيخترق أحزاننا التي تنسج حياتنا، شعاع بهجة يضيء ماضينا.
تؤكد التجارب عبر العصور، أن الإنسان الذي يعمل في الأرض، أنقى وأنبل وأسمى وأرفع. وعليه لا بد أن تكون الأساس لكل شيء.
_________
*البيان