الرجال المحشوون بالقش


*قاسم محمد مجيد

لا أحد يختلف في أن الشاعر ت. س. اليوت (1888-1965) هو شاعر عصره وانعطافة كبيره في مسار الحركة الشعرية العالمية.

اليوت نشأ في بيئة محافظة ومتشددة فجده بنى أول كنيسة في مدينتهم، أما والدته فكان لها تأثيرها الواضح في تحديد توجهاته الأدبية، فهي بالإضافة إلى كونها ناشطة في مجال حقوق المرأة كانت تكتب الشعر وبعض المسرحيات ذات الطابع الديني.
خرج الشاعر اليوت من هذا المحيط الذي تهيمن عليه الوصايا الدينية الصارمة فسارت قصائده الغريبة بخطى وئيدة نحو الإبهام والغموض في تراجيديا حزينة ويائسة من كل شيء، مما فتح الباب واسعا إمامه ليجعل “جيل الضياع” قبلته الشعرية وهو جمع من المثقفين الأميركيين والاوروبيين أصيب بالإحباط والخيبة بعد أن شاهد أهوال الحرب العالمية الأولى وما تبعها من أزمات اجتماعية واقتصاديه كبيرة فوجدوا في شعره ما يتناغم مع تشاؤمها وارتيابهما من قيام عالم جديد تحترم فيه إنسانيه الإنسان.
وبسبب ذلك الغموض الشديد الذي جنحت إليه قصائده تصدى بعض النقاد لتلك الظاهرة رغم انه نفى إن يكون ذلك متعمدا بل هو نتاج لما حملته قصائده من توجه لنزع النقاب عن تلك الطبيعة البشرية القاسية وخصوصا ما إثارته قصيدته الخالدة “الأرض الخراب” التي تباينت الرؤيا حولها فمنهم من وصفها بأنها عبارة عن نصوص صاغ أطرها ببراعة ومحاوله منه للاقتراب من الملحمة وخاصة انه ادخل الكثير من النصوص والاقتباسات فاضطر للتعريف بها إلى كتابة هوامش ملحقة بالقصيدة.
وآراء أخرى ترى فيها صورة للتعبير الكامن عن يقين الشاعر المتعصب للمسيحية وقد أشار في إحدى مقالاته إلى أنها رحله المسيح إلى مدينة عاموس بعد البعث (تطور الشعر العربي الحديث في العراق، د. علي عباس علوان).
وآخرون يعتقدون أنها رؤيا متشائمة لعالم “خاوي الضمير خال من كل القيم الروحية” (فؤاد دواره – هكذا كتبوا). ويحمل القرف من كل شيء، وتنظم قصيدة “الرجال المجوفون” إلى قافلة القصائد المفرطة في التشاؤم حيث تضعنا في تلك الأجواء الجنائزية لعالم متهالك يسير نحو نهايته.
• قصيدة “الرجال المجوفون”
نحن الرجال المجوفون
نحن الرجال المحنطون
نتساند معا
قد حشينا بالقش، واأسفاه …
أصواتنا المتحشرجه حين
نتهامس معا
هادئة، وبلا معنى
كريح تهب على عشب ذابل
أو إقدام فئران تطأ زجاجا “محطما”
في قبونا الجاف
هيكل بلا شكل، ظل بلا لون
قوة مشلولة، إيماءة بلا حركة
وأولئك الذين انتقلوا …
إلى مملكة الموت، وعيونهم شاخصة
إذا تذكرونا – وقلما يفعلون
لا يتذكروننا كأرواح هائجة مضيعة
بل يتذكروننا فحسب
باعتبارنا الرجال المجوفون
الرجال المحنطون.
هل نحن نشابه تلك التماثيل البشرية الخائبة والخائفة والمحشوة بالقش فلا نستطيع الحراك لأننا نتكىء على وضع مشلول تساوينا فيه مع الموتى بامتياز؟
___________
*ميدل إيست أونلاين

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *