ما هو الفن على وجه التحديد، وما الذي يمثله بالنسبة للناس؟ وبما تتجلى أهميته؟ تُعتبر هذه التساؤلات من أقدم التساؤلات التي دارت في أذهان البشر. لذا اهتم الفلاسفة بالإجابة عنها على مدى ألفي عام. وخلال هذه الأعوام تطورت عدة إجابات سعت لاستكشاف هذا الجانب من حياة البشر.
«فلسفة الفن/ مدخل إلى علم الجمال» لمؤلفه جوردون جراهام، هو قراءة نقدية وصفية لنظريات الفن المختلفة في المنطور الفلسفي، من منطلق «معياري» واستعراض للمفاهيم الأساسية لكل نظرية، ومناقشة للأفكار والطروحات المؤسسة لعلم المجال، والتي تتعلق بالفنون الإبداعية من أدب وموسيقى وعمارة وفنون تشكيلية وغيرها: منذ أفكار أرسطو مروراً بكانط وهيجل وتولستوي وصولاً إلى البنيوية وايجلتون ودريدا.
ويهدف الكتاب أن يقدم للمُستجَد في علم الجمال ونظرية الفن المشاكل التي واجهها الفلاسفة خلال سعيهم للإجابة عن هذه التساؤلات على نحو متسق ومتماسك، كما أنه يهدف إلى تعريف القارئ المستجد على أفكار الفلاسفة.
التنظير
ويؤكد المؤلف على أن الفلاسفة وحدهم لم يكونوا هم من طوروا نظريات عن الفن، بل شاركهم في ذلك علماء الاجتماع وعلماء الموسيقى ونقاد الفن ونقاد الأدب ومنظّروه أيضاً. ولكن ما تقوله الفلسفة في هذه الموضوعات ليس بوسع أحد أن ينكر أهميته. وبنفس القدر، فإن نظرية الفن وفلسفة الفن سرعان ما تتحول إلى تجريدات فاقدة للحياة ما لم تنطلق من الفنون ذاتها. وعليه، فإن قسماً لا يستهان به من هذا الكتاب مكرسّ لأشكال فنية محددة، لا لتفادي مثل هذه التجريدات التي لا حياة فيها فحسب، بل على أمل أن يجتذب الكتاب أولئك الذين يكون دافعهم الأول هو حب الموسيقى أو الرسم أو الأدب للاهتمام بالتأمل الفلسفي.
ويشكل تحقيق مثل هذا الأمل صعوبة من نوع ما. فليس في إمكاننا أن نتحدث عن الرسوم أو القصائد أو السيمفونيات وغيرها، ما لم نكن على دراية بما نتحدث عنه، كما أن الكاتب في هذا المجال ليس في وسعه أن يكون على يقين من أن الأمثلة التي اختارها معروفة للقارئ. لذا فمن الشروط الضرورية لدراسة فلسفة الفن أن يكون القارئ ملماً بالأمثلة التي تم اختيارها لتوضيح الأفكار.
ومن الصحيح أيضاً القول إن أي مدخل مهما استهدف أن يكون شاملاً ليس في النهاية سوى نقطة انطلاق للقارئ لتوسيع نطاق معارفه. وتحقيقاً لهدف استكمال قراءته، فقد وضع المؤلف في نهاية كل فصل مقترحات لمزيد من القراءة في موضوع الفصل. والكتاب الذي أشرف على تحريره أليكس نايل وآرون ريدلي مرجع مفيد بالنسبة للفن القديم والحديث.
يتوصل المؤلف في اشتغاله على موضوعه، استند على استنتاجين عامين، تحددها أكثر النظريات شيوعا وتطبيقاتها.
أولهما: أن من الأفضل لفيلسوف الفن أن يستكشف قضية قيمة الفن من أن يسعى للتوصل إلى تعريف للفن. وثانيهما، أن أفضل تفسير لقيمة الفن يكمن في توضيح السبل التي يسهم بها في الإدراك الإنساني.
وتفضي بنا عملية توضيح واستكشاف هذه الأفكار إلى نظرة أكثر تفصيلاً على أعمال الموسيقى والرسم والسينما والشعر والرواية والعمارة، كما تفضي بنا إلى البحث في العديد من القضايا المهمة والشيقة. ومع ذلك، فهناك القليل من البحث المباشر من جانب فلاسفة الفن في موضوعين مترابطين، ألا وهما موضوعية الحكم الجمالي، والهدف الذي يرمي إليه الفنان في تحديد أهمية العمل الفني ومدى تميزه. والأمر المعهود في الفلسفة هو أنها تطرح تساؤلات بأكثر مما تقدم من إجابات؛ وليس هدف مدخل الفلسفة أن يقدم مجموعة محددة من الحلول لمجموعة مستهدفة من القضايا، بل أن ينشط ذهن القارئ للقيام برحلة استكشافية من جانبه.
..والتطبيقإذن، فما يقدمه المؤلف هنا هو مدخل لعلم الجمال. ولكن ما هو علم الجمال؟ يكتب الناس عن الفن بأساليب مختلفة، فهناك النقد الفني الذي يهدف إلى توضيح وتفسير الأعمال الفنية كل على حدة، وهناك تاريخ الفن الذي يرسم صورة للتحولات والتطورات التي مرت بها فنون مثل الرسم والموسيقى وغيرهما من الفنون عبر العصور. وليس علم الجمال أيًّا من هذه الأبحاث، بل هو مسعى للتنظير حول الفن، وتفسير ماهيته وموضوعاته. ومن الملامح اللافتة للأنظار، أنه لا توجد عدة نظريات متنافسة حول الفن فحسب، بل توجد فكرتان متباينتان كل التباين حول الكيفية التي يتعين من خلالها صياغة نظريات حول الفن؛ لأن المناهج المتبعة في نظريات الفن تنقسم إلى نوعين:
أولهما تلك النظريات التي تسعى للكشف عن ماهية الفن. ويمكن القول إن الهم الرئيسي لهذا المنهج هو مفهوم الفن بوصفه فناً وأصولها يمكن العثور عليها في أعمال كل من سقراط وأفلاطون، اللذين سعيا لأن يفهما الأمور التي يناقشانها من خلال صياغة تعريفات لها.
ثانياً، هناك في مقابل تلك النظريات، التي ترتكز على مفاهيم مجردة من هذا النوع، تيار أكثر حداثة في الفكر، يمكن أن نطلق عليه الوصف الفضفاض «اجتماعي»، نظراً لأنه يهتم بالفن بوصفه ظاهرة اجتماعية. ونجد أصول هذا التيار في الماركسية، ولكن، في هذا العصر، تم تعديل هذا الأساس الماركسي وتوسيع نطاقه من خلال الأفكار والاهتمامات التي طرحتها البنيوية وما بعد البنيوية. وهذا النهج الاجتماعي يهتم بالفن بوصفه ظاهرة تاريخية وبنية اجتماعية. ومن واقع الاختلافات الجوهرية بين النهجين الفلسفي والاجتماعي، فإن عملية استكشاف الإجابات عن سؤال كيف يمكن التوصل إلى نظرية بشأن الفن تعد أمراً تمهيدياً ضرورياً، لكي يمكننا أن نبحث عن نحو كاف الموضوعات الرئيسية الأخرى.
ويرى المؤلف أن بوسعنا أن نجمع إلى حد ما بين النهجين الفلسفي والاجتماعي، إذا ما عدلنا الهدف من نقاشنا حول هذا السؤال، وصغناه على النحو التالي «ما هي قيمة الفنون؟». ويمكن وضع الإجابات عن هذا السؤال في إطار النظريات « المعيارية»، وبمعنى آخر النظريات التي تهدف إلى تفسير قسمة الفن سواء من حيث الشكل، وطريقة فهمنا له، أو من حيث المفاهيم التجريدية.
الكتاب: فلسفة الفن/ مدخل إلى علم الجمال
الكاتب: جُوردون جراهَام
ترجمة: محمد يونس
الناشر: الهيئة العامة لقصور الثقافة القاهرة
________
*الاتحاد