* نضال كرم
(ثقافات)
تبدو اللغة في ” مقصلة الحالم ” للشاعر والروائي جلال برجس، أنيقة وجميلة. الشعر حاضر وبقوة، والمفردات منتقاة بعناية وبانسيابية ملفتة ومعبّرة، وبذات الوقت فهي تحقق إدهاشاً في كثير من المطارح. لغة الرواية بالشكل العام أهم ما يميزها .
يبدو الاستغراق في الوصف في بعض الأجزاء من الرواية على حساب الأحداث التي تضمنتها الرواية . لكن شخصيات الرواية مدروسة بعناية ولم يكن هناك شطط لشخصية على حساب شخصية أخرى، حيث رُسمتْ كل شخصية، ومُنحتْ الحرية في التعبير عن ذاتها لكي تصل إلى القارئ بالصورة المناسبة، وهي – أي الشخصيات – على قلّتها إلا أن الكشف الذي تضمنته إحداها .. وهي الشخصية التي أثَّرتْ وأثْرَتْ كما هي في الحياة مؤثرة ” شخصية الجدة ” كانت الشخصية المحبَّبة التي تحنُّ لها، وتراكَ تسأل عنها وأنت تطالع انكسارات البطل خالد وتداعياته السردية المتشظية. أين هي تلك الجدة الرائعة ؟ سرعان ما تحتضن الكلمات بعينيك التي تنطق بها .. إنها باختصار شخصية رائعة ولا يمكن لمقصلة الحالم أن تكون بتلك الروعة لولاها .
أكثر ما يلفت الانتباه في مقصلة الحالم، هو العبارات الدالّة على حكمة الحياة وخلاصة التجارب، فقد تم اقتناص المناسبات واستغلالها بالشكل الإيجابي والمنطقي ليعبّر الروائي عن تلك الخبرة بدالّات جميلة، رهيفة ومؤثرة .
كما و ارتقت الرواية في مشاهد الوصف الحسي، ولم يكن بالمطلق ذاك الوصف مجانياً أو من قبيل جذب القارئ، فقد تم توظيفه التوظيف الصحيح خدمة للرواية في مفاصل هامة منها .
أنسنَ جلال برجس ما حوله، مما جعل كل ما هو ضمن محيطه وعالمه يتكلم، يتأثر ويؤثر، ويتفاعل مع أجواء الرواية . إذ سلَّطت الرواية الضوء على القهر والانكسار والأمراض الاجتماعية وغيرها، ما كان منها موجوداً قبل تعرُّض خالد للاعتقال، وما استُحدِثَ واكتشفه بعد خروجه من التقنيات الحديثة وما أفرزته العولمة، كل ذلك أتى بشكل واقعي ودقيق .
عشرون المعتقل قد مدَّت سطوتها على ما تبعها فكانت السنون حاضرة بقوة القهر .
بدتْ لدى خالد في ” مقصلة الحالم ” رغبة قوية في الولادة من جديد وقد عبَّر عن رغبته تلك بطرق مختلفة .
صدى عويل الذئب مترابط مع صدى التهمة التي أودت بخالد في المعتقل عشرين عاماً .
الإسهاب في الوصف على حساب الأحداث لم يُفقد الرواية متعتها وإن أثَّر نوعاً ما في انجذاب القارئ لها في بعض الأحيان .
قبل أن ينتهي القارئ من ” مقصلة الحالم ” يتأكد له أن المعتقل هو كل قيد يأسر الإنسان ويبعده عن معنى الحياة وجدواها .فكثيراً ما نمارس الحياة .. وننسى أو نتناسى ما يقيدنا فيها، نعتاد القيد، أجل وهذه حقيقة، لكننا إذ نصحو أو نتذكّر ما يمنعنا عن الكثير مما هو جدير أن يكون متاحاً لنا نتنبَّه إلى تلك القيود التي منعتنا مما هو حق لنا واستسلمنا لها . فماذا نفعل إذ ذاك ؟
وبعد
فقد انتصر جلال برجس بشاعريته على جلال برجس الروائي في مقصلة الحالم، لكنه التفوق الناجح الذي حقق لروايته ما يريده فكان له ما أراد .
* شاعر وروائي سوري