حياة العالم هوكينغ تدخل سباق الأوسكار


*محمد رُضـا

فيلم الافتتاح الذي اختاره مهرجان دبي المقام حاليا لدورته الـ11 هو «نظرية كل شيء». الفيلم البريطاني الذي قام بإخراجه جيمس مارش من بطولة إيدي ردماين في دور العالم الشهير ستيفن هوكينغ والمأخوذ عن سيرة حياة وضعتها زوجته السابقة جين هوكينغ وتقوم بتمثيلها فيليسيتي جونز.

يبدأ الفيلم في عام 1963 عندما كان هوكينغ شابّا مهتمّا بالفيزياء والعلوم الفضائية ورياضياتها. شاب سعيد ومنطلق باستثناء أن اهتماماته في الحياة ليست اهتمامات شائعة. طالب نابغة في العلوم الفيزيائية والفضائية ويرمي لإثبات أن الحياة سرمدية ومتوالية وأن نظريات أينشتاين صائبة ويجب الدفاع عنها. كان يبدو معافى، على رقّة بدنه، يركب الدراجات الهوائية ويمرح ويمازح.
في ذلك العام يقع في حب الفتاة جين والمفارقة هي أنه ملحد بينما هي فتاة مؤمنة لا تشاركه نظرياته. لكنها تبادله الحب. في إحدى المرّات يتعثر ستيفن ويسقط أرضا ويغمى عليه في باحة الجامعة. لم يصطدم بشيء أو يدفعه أحد بل لم تحتمل قدماه المشي فالتوت. حين نقله إلى المستشفى وإجراء الفحوصات تبيّن أنه مصاب بمرض يفصل الدماغ عن الأعصاب التي تحرّك الأطراف. من دون هذا الاتصال لا تعمل تلك الأطراف وتلتوي على بعضها البعض كما هي الصورة الماثلة في الأذهان لستيفن هوكينغ منذ 30 سنة.
هذا لم يدفع جين للتخلّي عنه. يتزوّجان ويرزقان بطفلين ثم بآخر في وقت لاحق. كما يقول لصديقه الفضولي إن حالته البدنية لا تمنعه من الإنجاب.
ستتطوّر الأحداث في الساعة الثانية من الفيلم عندما تلجأ الزوجة إلى الكنيسة لتغني في الكورس حيث تتعرّف على مدير الفرقة الذي كان خسر زوجته ويعرض مساعدتها ومساعدة ستيفن كونها الآن تعيش تحت ضغط لا تستطيع تحمّله.
هناك جانبان على الأقل لهذا الفيلم. الأول أنه سيرة حياة ممثلة بقدرة فائقة. أداء إيدي ردماين يذكرك بأداء دانيال داي لويس في «قدمي اليسرى»: صعب ومعقد والتجسيد البدني للحالة المستعصية رائع. أداء فيليسيتي جونز لا يقل جدارة. نعم يدخل الفيلم في لمسات عاطفية مجانية من حين لآخر، لكن الأداء من كليهما يبقى صلبا وينقذ المشاهد المذكورة من التأثير سلبا على الفيلم.
* سوابق
* الجانب الثاني هو أنه فيلم عن معضلة جسدية. مأساة إنسانية ناتجة عن شخص يعاني من السقوط مقعدا ومكبّلا بمرضه الدائم. نوع إذا ما تم تنفيذه جيّدا، كما الحال هنا، حمل الفيلم إلى مسافات قريبة من الترشيح لجائزة الأوسكار وهذا ما يبدو أن هذا الفيلم آيل إليه.
إطلاقه في هذه الفترة المسبقة مباشرة لترشيحات الأوسكار يعزز احتمال أنه سيدخل ضمن القائمة الرسمية لسباق أفضل فيلم. وهذا ليس جديدا. العادة جرت أن يكون بين الأفلام المنتخبة وبالتالي الفائزة بأوسكار في واحد من الأقسام المتعددة للجائزة، واحد – على الأقل – يدور حول معاناة فردية من هذا النوع.
العادة أيضا أن لا يفوز الفيلم بالأوسكار بالضرورة، لكنه يتسبب في منح أحد ممثليه هذه الجائزة.
فكّر في فيلم «قدمي اليسرى» لجيم شريدان الذي تم ترشيحه سنة 1989 إلى 5 أوسكارات هي أفضل سيناريو وأفضل إخراج وأفضل فيلم وأفضل ممثل وأفضل ممثلة في دور مساند. من هذه الجوائز خرج باثنين هما أوسكار أفضل ممثل ونالها دانيال داي لويس وأفضل ممثلة مساندة وذهبت إلى برندا فريكر.
فوز دانيال داي لويس، في ذلك العام، كان خسارة لتوم كروز الذي لعب دور المقعد في فيلم «ولد في الرابع من يوليو» الذي رشّح لـ8 أوسكارات (في الموسيقى والسيناريو والتصوير). كروز لم ينل أوسكار أفضل ممثل، لكن الفيلم نال أوسكارين مهمين هما أفضل إخراج، وذهبت إلى أوليفر ستون، وجائزة أفضل مونتاج (ونالها ديفيد برنر وجو هتشينغ).
في عام 1995 نال توم هانكس أوسكارا عن دوره في «فيلادلفيا» الذي يدور حول مصاب بالإيدز. وفي العام الماضي نال ماثيو ماكونوهي أوسكار أفضل ممثل عن دوره كشاب مصاب بالايدز في فيلم «دالاس بايرز كلوب».
وهناك أمثلة أخرى مرمية على مدى سنوات الأوسكار من عام 1927 وما بعد. الثابت أن مثل هذه الأدوار تقدّر لذاتها نظرا لأنه من الصعب، عادة، إتقان تمثيلها وإقناع المشاهدين بأن المرض المجسّد في شخص بطل الفيلم بات ملموسا من خلال أداء الممثل الذي يلعب الدور.
إلى ذلك، هناك حقيقة أن هذه الأدوار تؤثر عاطفيا على أحاسيس ومشاعر المشاهدين وأعضاء أكاديمية العلوم والفنون السينمائية ما هم إلا مشاهدون ذوو عواطف بدهية (وأحيانا فطرية) كالكثير منا.
* عاطفة حقيقية
* «نظرية كل شيء» لن يكون الفيلم الوحيد الذي يحمل معاناة يطلقها برسم الترشيحات المقبلة. في الجوار الفيلم الجديد الذي تقوم جوليان مور ببطولته بعنوان «ما زلت أليس»: دراما أميركية تم تأليفها مباشرة للسينما حول امرأة مصابة بألزهايمر.
مثل ستيفن هوكينغ هي عالمة، لكنها عالمة لغويات ناجحة تدرّس في جامعة كولمبيا. متزوّجة ولديها 3 أولاد وتعيش حياة مستقرة وناجحة. بعد قليل من التعرّف عليها، تبدأ في نسيان كلمات اعتادت استخدامها، ثم مبان اعتادت دخولها ثم الذاكرة والأسماء والوجوه وهويتها الشخصية.
خلال مسيرتها يحاول الزوج (أليك بولدوين) أن يكون خير معين لحالتها. لكن الوضع ليس متساويا بين أبنائها. واحدة من بناتها (كيت بوزوورث) لا تتأثر كثيرا بل تفضّل الابتعاد عن مشكلة أمها، في حين أن الأخرى (كرستن ستيوارت) هي التي تندفع لمؤازرة أمها في هذا الوضع رغم تفاوت الرؤية الشخصية لكل منهما.
جوليان مور ممثلة قديرة وهي أفضل ما في هذا الفيلم اللمّاع الذي يدّعي تقديم حالته بنعومة رومانسية، بينما يقوم في الواقع بتقديم ملامح من المأساة مغلّفة بالمفارقات المعهودة أو المتوقّعة من دون أن يصيب عمقا أو عاطفة حقيقية.
على عكس الحالة التي يجسّدها بجدارة الممثل البريطاني ردماين في «نظرية كل شيء»، فإن ما توفّره جوليان مور لا يحتاج إلى بذل بدني خاص. مرض فقدان الذاكرة، لا يعطل عمل الأطراف ولا يضر بالعصب أو يؤثر على الصحة البدنية تحديدا. هذا يعني أن جوليان مور لم يكن أمامها سوى القليل من البحث والكثير من ترك نفسها تمثّل كما ترتئي مستندة إلى موهبتها التي وضعتها في مصاف أفضل الممثلات منذ سنوات والتي قد تدفع بها إلى الأوسكار قريبا.
________
*الشرق الأوسط

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *