* رضاب فيصل
أضاءت الكاتبة والمؤلفة ديانا علي شطناوي في كتابها “تمثيلات العصر المملوكي في الرواية العربية” الصادر حديثاً عن دائرة الثقافة والإعلام في حكومة الشارقة، علاقة التاريخ بالأدب، وتحديداً الرواية منه، مستكشفة من خلال التقصي والدراسة، كيف تؤثر الظروف الزمنية سياسياً واجتماعياً وثقافياً على عملية السرد الروائي عند العرب، مؤطرةً عملية البحث في بعض الفصول ضمن نطاق العصر المملوكي.
الكتاب وهو العدد 84 من “كتاب الرافد” التابع لمجلة “الرافد” الإماراتية، يتألف من مقدمة ومهاد نظري عن علاقة الرواية بالتاريخ وأربعة فصول وخاتمة، توسّعت جميعها في مبادئ وتشعبات تقنية السرد في الروايات العربية مستحضرةً بعض النماذج لمؤلفين ورواة. فبعد أن وضعت الكاتبة الظاهرة في إطارها التاريخي والزمني سبق ذلك تمهيد موجز للحكم المملوكي في مصر، واستطلعت في الفصل الأول “التمثيل السردي للتاريخ” الذي بدأ مع المنهج العلمي التجريبي في القرن الثامن عشر، بصرامته التاريخية الدقيقة التي أصبحت مادة دسمة ورتيبة ومملة جاهزة بحد ذاتها للنقد، فقد أهمل المؤرخون وقتها أثر العصر في الإنسان.
في هذا الفصل أيضاً حددت ثلاث نقاط أساسية للعمل وفقها، هي: رواية “استبداد المماليك” لجرجي زيدان، رواية “على باب زويلة” لمحمد سعيد العريان، وامتداد زيدان السردي. أما الفصل الثاني والذي بيّنت في بدايته أن الرواية العربية انشغلت بتصوير انتكاسة السلطة وازدواجيتها وانحرافها عن كل ما بشرت به. فعالج التمثيل السياسي والمكاني عبر التطرق إلى: الرب الذي خذل عباده، حكاية الهزيمة الثقافية، وحكاية القاهرة ـ فانتازيا الزمان.
وقالت شطناوي: “لقد أصبحت هزيمة المجتمع، وهزيمة المثقف وهزيمة الأفكار وهزيمة المدن مادة أساسية لكثير من الروايات التي شغلت بسير رب خذل عباده الذين آمنوا به إيماناً مطلقاً، فكان ذلك الإيمان الجريمة التي اقترفها الجميع، ولم يحاسب كل منهم نفسه عليها”. ما جعل الروايات العربية في ذلك الحين، تسرد هزائم قاسية في صفحاتها، وفق حيثيات ومواقف وظروف مختلفة.
بينما أضاء الفصل الثالث على “تمثيلات المثقف” بالإشارة إلى عدة نماذج هي: المثقف متمرداً وهاوياً، المثقف كونياً، المثقف محترفا، المثقف مهمشاً. وقد بدأت كاتبتنا الدخول إلى الموضوع بقول عبدالرحمن الكواكبي واصفاً صفات المستبد والعلوم التي يخشاها، ضمن ثالوث المثقف والقوة والسلطة، فقال: “ترتعد فرائس المستبد من علوم الحياة، مثل الحكمة النظرية والفلسفة العقلية، وحقوق الأمم وطبائع الاجتماع والسياسة والمدنية والتاريخ المفصل. وغير ذلك من العلوم التي تكبر النفوس وتوسع العقول وتعرّف الإنسان ما هي حقوقه”.
ثم تطرّق الفصل الرابع إلى تمثيلات المهمّش: مواجهاً، متمرداً كرنفالياً، مقاوماً بالحيلة، وإلى الأقلية اليهودية كأنموذج لصعودها وخروجها من دائرة التهميش. فلطالما شغلت الروايات في مختلف الثقافات بسيَر المقموعين، وكانت الرواية العربية جزءاً من ذلك الموتيف. وأوضحت: وإذا كان التاريخ قد شغل بتدوين الأحداث المفصلية والحرجة من تاريخ الشعوب والدول، وسير الأبطال وسلالة الملوك، فإن الرواية شغلت بتخليد سيَر المهمشين من صانعي النعوش، وذوي العاهات والمجاذيب من نساء ورجال، والمتصوفة وصانعي الكعك…إلخ. وصوّرت لحظات ضعفهم وقوتهم، لحظات مقاومتهم للسلطة ومواجهتهم لها، حيث لم يعدموا القوة، أي بداخلهم قوة ما”.
وأما الخاتمة في هذا الكتاب، فخلصت إلى أن التاريخ والرواية يتحاوران لإثراء النص الروائي وتوسيف أفق الكتابة. وهنا نتجت لدينا أنواع عدة للرواية، بعضها مثّلت التاريخ سردياً بينما راح بعضها الآخر يلتف حوله ويسقط المعاصرة عليه في قوالب درامية حداثية.
_______
*ميدل إيست أونلاين