القـبـو عن الأدب السعيد


*لوريناس كاتكوس/ ترجمة: أحمد شافعي

«الأدب في أفضل حالاته انقراض أبطأ»

جون أبدايك
(أ)
الوصول إلى هذا المكان في مثل صعوبة الوصول إلى قمرة القيادة في طائرة. فعليك، كي تصل إلى هنا، أن تسير في ممر ضيق، مقوَّسَ الظهر فلا ترتطم بأنابيب المياه من فوقك. ولكن القبو نفسه فسيح. هنا لا يعثر المرء فقط على ما يؤلَف العثور عليه في الأقبية: عربات الأطفال، والإطارات الاحتياطية، وبقايا مواد البناء، والأجولة الموسومة بـ«الخرائط القديمة» أو «أولاد الـ128» أو «ملابس لايما» وما إلى ذلك، بل وعلى طاولة ومقعد كذلك. وتحت الطاولة أهم ما في القبو على الإطلاق: المدفأة الكهربائية. فحينما ينهمر الثلج بالخارج، وتكون درجة الحرارة بالسالب فتتجمد الأرض، لا ينجيك شيء، لا حذاؤك الدافئ ولا جوربك الصوفي، وسرعان ما يتوقف الدم عن السريان في عروقك، حتى إذا ما قرَّبت قدميك من المدفأة الكهربائية، أمكنك الاحتمال. يصبح الجو حول الطاولة أدفأ ويبدأ الحبر المتجمد داخل قلمك في الانسياب. لا، لسنا في سيبريا، ولكن خير لك أن لا تتخفف من معطفك. لا أتذكر آخر مرة انتصبت فيها هذه الطاولة في غرفة «طبيعية». ففي آخر شقة سكنّاها كانت الطاولة تقع في الركن المخصص للخادمة بين المطبخ والسلم الخلفي.
هنالك أيضاً كنت أجلس إلى الطاولة في ساعات الصباح الأولى، بينما الأولاد لا يزالون نياما. وفي القبو ظلام، لولا المصباح الصيني وطنينه؛ فقد أطفأت المصابيح القريبة من المدخل وفي الممر. ومهتديا بالإضاءة المنبعثة من شاشة هاتفي مضيت أشق طريقي إلى غرفة التخزين الخاصة بي في القبو. لا بديل عن الحركة هنا وكأننا أدبر لمؤامرة. ففي الشهر الماضي، اشتكى الجيران من مصابيح القبو التي تستهلك الكثير. وما أمكنني أن أحافظ على السرية وأجتنب الاكتشاف إلا لأنني (أ) أكون أول من يصل إلى المكان، و(ب) لأن غرفة التخزين الخاصة بي تقع في أقصى القبو، في ركنه الأبعد. الساعة الآن جاوزت السابعة. الجيران في الطابق الأعلى يستيقظون. وسرعان ما سوف تطرق على السلالم من فوق رأسي أصوات المسرعين إلى العمل. أنظر إلى أصابع آدم ويهوه (1)، تمتد إلى بعضها البعض دون أن تتماس. فوق الأيدي تماماً هناك شرخ معتم عميق. استخدمت هذه النسخة الشهيرة من الجدارية لأغطي شعاراً على الجدار كان قد كتبه الساكن السابق «الراب رائع!». لا اعتراض لي على الراب. لكن الحروف كانت فاقعة الألوان للغاية.جميع طقوس الإحماء اكتملت: لعب الورق مع هوفمان وبايرن (2)، إلقاء نظرة على دفتر ملاحظاتي، والحمد لله أنه ما من وجود لتغطية للإنترنت هنا. وحان الوقت للشروع في ما نزلت إلى هنا لأفعله. أن أبدأ في الكتابة. كيف؟ ماذا؟ نعم. أكتب.
(ب)تومض شاشة الحاسوب أمام عيني. نصوصي تعيش داخل الحاسوب كلها، باستثناء النصوص القليلة الأولى. بعضها نشر في صحف ومواقع إنترنت، وبعضها في كتب. وبعضها لم يزل غير منشور. وللأمانة، لا فارق. فمهما كان الحال، يبقى المكان الذي وجدت فيه للمرة الأولى، والمكان الذي تكون فيه أهم ما تكون، هو هنا، في هذا القرص الصلب، في هذه الغرفة الصغيرة عديمة النوافذ الواقعة تحت الأرض.
المكان خانق. في المقابل، لم أشعر يوما بارتياح في الأماكن الواسعة. في طفولتي، كان مكاني المفضل هو أسفل سرير والديّ. كانوا يبدو فسيحا، هائلا، أشبه بسور قلعة. وما كان لأحد أن يحشر نفسه في ذلك الحيز الضيق. لكنني كنت أستطيع، بل وكان بوسعي أن أسحب المسجل معي وأستمع إلى القصص التي سجَّلها أبي بعنوان «رجل الجيب الحكيم».
وهكذا هو الحال هنا في القبو. كل شيء ممكن، ملموس. الأرفف مكدسة بأشياء ثبت نفعها على مدار السنين، ولم يزل لها نفعها.
وأنا لا أزال أنا. وحيد. أو بالأحرى، أنا ها هنا لا أكون وحيدا، أنا هنا بصحبة نفسي.
لم تتح لي الفرصة من قبل لأهتم كثيراًً بالتأمل. تمر بذهني صور قليلة -جمجمة- أثيرة لدى القديسين ، والفلاسفة. (وأهم فيلسوف أعرفه كان يحتفظ بصورة جمجمة في غرفة مكتبه). صورة أخرى لصوفية يتحركون في دائرة وأرديتهم الفضفاضة تهفهف من حولهم. ولكنني لست فيلسوفا، ولن أرتدي يوما ثياب الدراويش البيضاء. لذلك فإن أفضل موضوع للتأمل عندي بسيط ومستطيل: شاشة الحاسوب.
أن أقضي بعض الوقت مع نفسي. أفكر في ما جرى بالأمس أو قبل عقد كامل. أتذكر عصر يوم في يوليو قضيته في بستان وفي يدي كتاب شعر… هكذا، بلا غرض. أو، يروق لي أن أتذكر أول لمحة من شوارع مدينة غريبة: الناس، اللوافت، شجر الحدائق، كل ذلك في لوحة حرة قصيرة النظر… وأحاول، فقد يتسنى لي تحديد الزمن، والمكان، وربما رفاق الرحلة. الاستسلام للتداعي، والثقة فيه، والعثور على روابط سرية بين أشياء غير بادية الترابط ـ من يمنح نفسه هذه الفرصة؟ من يسلم نفسه للحلم؟
في النهاية لا شيء يبقى، لا الذكريات ولا الروابط. ليس سوى شاشة غائمة، ونعاس خفيف دائم. أنصت إلى تنفسي وكأنه غريب عني. ثم قد يحدث شيء. في خلفية وعيي الخاوي ثمة ما يتقلّب، وقد تخطر لي من العدم عبارة. أتناول السبورة السوداء وأكتب العبارة، ثم عبارة ثانية، ثم ثالثة ربما. لعل معنى هذا أنك لم تفرغ بعد. أنك لم تعش حياتك بعد. أن بوسعك أن تتقدم إلى الأمام، ولو سنتيمترات، ولو بطول جملة.
(ت)
أهو إحساس غير مريح ذلك الذي يستولي عليك حينما تزحف إلى سطح الأرض، مضيِّقا عينيك دون ضوء الشمس، ولم تزل مرتبطا بمتع تجربتك تحت الأرض؟ هل الخجل هو الثمن الذي لا بد أن أدفعه لقاء متع الكتابة؟ «أنا شاعر». يا إلهي، أي مهنة هي هذه؟
يقولون إنه في زمان ما كان الكتَّاب يؤلفون أعمالهم وهم جلوس إلى موائد مترفة مصنوعة من السنديان بينما الجمهور ينتظر بأنفاس لاهثة أن تتوقف ريشاتهم عن الحركة فيتتسنَّى لذلك الجمهور الحصول على لمسة من الخلود. ربما كان ذلك هو الحال في زمان ما، ولكن هذا الزمان ولَّى. الاهتمام بالأدب اليوم، لا سيما الشعر، شبيه بحظيرتي القائمة أسفل العمارة في أنتكالنيس. شقق الناس بالأعلى، الحياة بالأعلى. ولا أحد يهبط إلى القبو ما لم يكن يبحث عن شيء غير معتاد: مزلاج، رفش، حذاء شتائي.
وذلك لأسباب عديدة. ولنبدأ من بديهية أن القدرة على التسجيل والبث التي توصلت إليها الإنسانية في القرن العشرين فوصلت بصناعة الترفيه إلى ذرى لم تدركها الأسماع من قبل. لطالما كان موضع الترفيه هو حلبة السيرك وساحة السوق. أما الآن فقد بات من الممكن تسجيل الترفيه واستعماله بعد ذلك إلى الأبد. بات ربع ساعة الشهرة الطاغية مشاعا للجميع. وبات بالإمكان تحقيق ذلك دونما جهد خاص ودونما حاجة إلى تعليم. وفي الوقت نفسه، ضاعت صورة الشاعر بوصفه المصطفى من الرب، بوصفه قائد الإنسانية إلى المستقبل، أو زعيم الثورة على الإمبراطور. هذه الصورة التي بلغت ذروة قوتها في فترة الطليعية وسيطرت على أوربا الشرقية أثناء الحقبة التوتاليتارية. (حتى أن تشيسلاف ميلوش لم يشك لوهلة في أن الشاعر ـ حينما يدعو الداعي ـ سيكون هو من «يوقد شرارة الثورة»). تضاءلت المساحة وانتقل الشاعر في أيامنا هذه إلى نفس الفئة التي يوجد فيها مقتني السيارات النادرة أو متعهد الحفلات في بلدة صغيرة. ومن المؤكد أننا معشر الشعراء نجد في هذين صحبة رائعة. برغم أنها غير مريحة بالمرة.
هذه العملية وقعت ببطء في أوروبا الغربية، أو على مدار عقود على أقل تقدير، في حين حدثت التغيرات في أوربا الشرقية بين عشية وضحاها. في نهاية الثمانينات، كان كتّابنا ـ شأن الكتّاب في بقية أوروبا الشرقية ـ قيادات لحركة الاستقلال. ففي المظاهرات كانت حشود من مئات الآلاف من البشر تنصت إلى كل كلمة يقولها الكتّاب. وكانت الكتب تصدر في طبعات غير مسبوقة. ثم لم تحل سنة 1992 إلا والحال كما نعرفه اليوم.
هل أدرك الناس، وقد وجدوا أنفسهم في واقع الرأسمالية الوحشي الجديد، أن أرض الحليب والعسل التي كان يصورها لهم الكتّاب (أم ربما لم يكن الكتاب؟) لم تكن أكثر من كلام يفتقر إلى المسئولية؟ أم أن هذا طبع اللتوانيين: ألا يثقوا في الكلام متى كان مفرط المنطقية والترتيب؟ وفي نهاية المطاف، وحتى في أوساط المثقفين، تبقى الصورة أو الإيماءة أشد واقعية من بيت الشعر أو الجملة النثرية (وهذا ما يجعل المسرح، أي نوع من المسرح، يزدهر بين اللتوانيين).
ونمط الحياة نفسه الذي ساد في أوروبا الوسطى والشرقية، هل جعل الوضع أسهل بالنسبة للأدب؟ انتشار الاستهلاك واحتدام الرغبات. رجوع مجتمعات كاملة إلى الطفولة (أو لمزيد من الدقة، انكشاف طفولية المجتمعات التي أوجدتها فيها الدكتاتورية وسترتها في آن واحد) حيث كل فرد يريد كل شيء فورا، حيث تمتد اليد إلى أفقع الألعاب ألواناً ثم يلعب بها إلى أن تلفت انتباهه لعبة أفقع منها.
لم يسبق من قبل في منطقتنا أن عُبدت السلع بمثل ضيق الأفق هذا. ولست أريد أن أكون نذير الشر، ولكن يبدو لي في بعض الأحيان أن الخطر ليس محدقا فقط بالأدب والقراءة، بل بمجرد القدرة على التركيز والفهم. ويمكننا بالفعل أن ننظر فلا تخطئ أعيننا أوجه هذا الضمور، لا سيما لمن يتعامل مع الشباب الذين كبروا أثناء الإعصار الرأسمالي.
(ث)
نعمٌ. ولكن في النهاية، ليس بوسعك أن تخرج وتحرِّض على تكسير الآلات في حين تقف أمامك أنت بالذات معجزة تكنولوجية تتمثل في آلة تسجيل لا يمكنك أن تعيش بدونها. وقد يدفعك كل ذلك الترفيه، وكل هذه البراعة التكنولوجية، إلى الاحتقار أو حتى الغضب، ولكن عليك في النهاية أن تعترف بأن الناس أكثر إقبالا على ذلك كله منها على الأدب.وبأمانة، هل بوسع أحد أن يقارن هذه الشخصيات الشبيهة بالنمل بالأفلام؟ أو يقارنها بتلك الرؤى الملونة الباذخة، ثلاثية الأبعاد في بعض الأحيان، التي تخترق الوعي فتبقى صورها أمام عيني المرء لأيام مثلما تبقى رائحة التجشؤ حاضرة في أنفه وفمه لثوان. في هذه الأيام يمكن للمرء بالطبع أن يشاهد الأفلام على شاشة التليفزيون أو الكمبيوتر الصغيرة التي تعوق المؤثرات الخاصة بعض الشيء، وقد تضيِّع أجزاء من الرؤوس وما إلى ذلك، وأنا بالطبع أشاهد الأفلام بهذه الطريقة، ولا معنى لذلك إلا أن الفيلم يستحق العناء. ولكن عشاق السينما يؤكدون أن الأغلبية تريد أن تشاهد الأفلام دائما على الشاشة الكبيرة. آه من تلك الأغلبية.
هل يمكن أن يساوي الأدب موسيقى الروك، بإيقاعها المزلزل الذي ينفذ عبر الأجساد، والجدران، والحدود؟ إنها محطمة الأوثان العظمى في أيامنا هذه، ماحية الكلمات والصور، الطاغية حتى على الأعمى. ومعلوم أنك حينما تطلق إيقاعا (بشرط أن يكون الإيقاع المناسب) يفقد كل شيء سواه كل أهمية له. بوسعك أن تغنِّي عن انتحار حبيبتك، عن نعل بوذا المطاطي، عن الشيزوفرنيا. وسيبقى الحشد الحاضر يتحرك على الإيقاع ويقضي وقتا رائعا. بوم بوم بوم ـ أليس رائعاً؟ كل ما تحتاج إليه هو أن تنظر إلى مخرجي الأفلام، إلى الأطباء، إلى نجوم الروك، إلى كل أولئك الذين يشتركون في لقب «العبقرية». هؤلاء جميعا هم الذين ينامون في هدوء، لا يعذبهم الشك في أنفسهم، ولا الإحساس بالذنب لأنهم قضوا اليوم ينفخون فقاعات الصابون. هؤلاء هم الذين ورثوا عصا القيادة ممن اصطفاهم الرب في غابر الأزمان.
(ج)
ظنون أن الغيرة هي التي تتكلم الآن؟ لا، فلو كنت أشعر بالغيرة حقاً وصدقاً، فلن أعترف بذلك أبداً. لا لنفسي ولا لغيري. وكنت لأفكر في وسيلة لتعويض نفسي. فعلا، وليس صعبا أن تتخيل أنك ممثل للنخبة الثقافية وأنك تحتقر هذه الجماهير الضئيلة الرخيصة الواقعة تحت سيطرة ذهنية القطيع. أو أن النهاية والخواء غير بعيدين، وأن القِلَّة التي اجتازت هذا الاختبار هي التي سوف تدخل التاريخ. ولن تلاحظ كيف أن حلقة من أشباه المفكرين سوف تتكوَّن من حولك، فيكون بوسعك بينهم أن تقول جملة مهمة أو تصمت للحظة حبلى بما يعقبها.لا، لا، هذا لا يناسبني. مهما بدا الناس فاسدين، فهم ليسوا عرائس تتحرك بخيوط في أيدي الشياطين. فكل واحد فيهم، حتى قاطع الطريق، أو بائعة البيرة في الكشك، كل واحد من هؤلاء المحتشدين حول خشبة الفرقة عازفة موسيقى الروك، يلوِّحون بأذرعهم ويزعقون ويصيحون، كل واحد منهم لديه مثل احتياجات الجالسين يقرأون بروست أو بورخيس. كلهم بحاجة إلى مشاعر قوية استثنائية، بحاجة إلى الحقيقة والجمال، بحاجة إلى شيء يمكن وصفه بأنه نبض الحياة، ولكنه في الحقيقة أوضح وأسهل على الأفهام. الشكل يختلف، والتعقيد يختلف، والتعبير يختلف، والجوهر نفسه.
في المقابل، لست مقتنعا بأن الثقافة الشعبية نمط ذو قياس ومعيار وعلينا جميعا اتباعه. ففي ظني أن الاستشهادات الكثيرة المقتطفة من أغنيات الروك ومن الأفلام، والخوف الجمعي لدى كثير من الكتّاب من الظهور بمظهر المثقف الرفيع، ومحاولاتهم المثيرة للشفقة لتسلية القارئ هي علامة مؤكدة على التسليم بأن لغة الثقافة الجماهيرية تنشئ الأمل في إمكانية مواكبة تعقيدات الحياة الحديثة، ويمكنني أن أفهم هذا التسليم. كما أفهم هذا الأمل في أنه بإغلاق الباب دون رطانة الثقافة الرفيعة والفلسفة، يمكن الرجوع إلى دفء أحضان الجماهير العادية. ولكن هذه اللغة لا تبدو عفوية وبسيطة إلا للوهلة الأولى. ولكنك حينما تنظر إليها نظرة ثانية، ترى من ورائها رجال أعمال، ومنتجين، إلى آخر هؤلاء ممن حسبوا كل شيء مسبقا وعرفوا أدوارهم وحفظوها عن ظهر قلب. ولذلك، خير لك ألا تلقي نظرة ثانية. والأدب بصفة عامة لا يسير في إثر الموسيقى الجماهيرية أو الأفلام، بل يسير في الاتجاه الآخر. ولقد شاع أخيرا في الأفلام اللجوء إلى السرد المصاحب، وهي تقنية شائعة في الأدب منذ الأزل. وهذا مجرد مثال لا أكثر. وبرغم أن الأدب لا يكاد يرى في هذه الأيام، إلا أنه يبقى القبو الذي تقوم عليه عمارة الفن كلها.
_______
*جريدة عُمان

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *