*عمّار أحمد الشقيري
حين يُذكر عصر النهضة فإنّنا مدربون على التفكير بالنهضة الأوروبية، ولا سيما في مجال الفنون والثقافة، ذلك أنها محظيّة المؤرخين الذين روجوا لها على نحو جعل منها “النهضة” النموذجية. وكُرست كأن شيئاً لم يكن يحدث جوارها في الحقبة نفسها. يأتي كتاب “عصور نهضة أخرى ـ مدخل جديد إلى الأدب العالمي” ليغير قليلاً من هذا، ويقترح على القارئ أن يرى النهضة في بلاد لم يعرها كثيرون الاهتمام سوى بأوصافها الحديثة، كأن تكون من دول “البريكس” مثل الصين أو دولة “عالمثالثية” مثل البنغال والمكسيك، أو “شرق أوسطية” كمصر والعراق أو حتى نهضة العملاق الأميركي. خليط غريب ومن النادر اجتماعه يلتئم في سلسلة المقالات هذه التي أصدرت ترجمتها “سلسة عالم المعرفة” حديثاً، وحرّرها ثلاثة من الباحثين الأميركيين في الأدب المقارن، هم بريندا دين شيلدجن، وغانغ شو، وساندر غيلمان. فمثلاً يناقش المقال الأول، الذي أنجز ترجمته إلى العربية علاء الدين محمود، مصطلح النهضة العثمانية، طارحاً في مدخله سؤالاً: متى لا تكون النهضةُ نهضةً؟ لتأتي الإجابة: حينما تكون نهضة عثمانية. ويعلل كاتب المقال، ولتر ج. أندروز، ذلك بملاحظته أن أحداً، من العثمانيين أو غيرهم، لم يستخدم مصطلح “عصر النهضة العثمانية”، مع أنه تزامن مع حقبة النهضة الأوروبية في القرنين الخامس والسادس عشر.
ويعزو أندروز ذلك إلى ارتباط وظيفة النهضة بولادة عصر الحداثة، وبما أن النهضة العثمانية تم قمعها، من حيث أنها لم تفض إلى ماهية الحداثة بالمعنى الأوروبي، لم يتم تداولها كمصطلح. وفيما يتعلق بالنهضة العربية، فقد ربطت الباحثة سماح سليم علاقة نهضة مصر بتاريخ الرواية العربية. وذهبت سليم إلى أن اضطهاد الرواية بشكلها الشعبي على يد المؤسسات الرسمية أدّى إلى رواج البنية التقليدية للرواية القومية. فيما أسقطت أوريت باشكين، مفهوم “التهجين الاستعماري” الذي صاغه المفكر الهندي هومي بابا على أعمال مفكّري البعث، مبيّنة كيف أن هؤلاء صاغوا سرديات تعكس مصالح القومية المحلية بلغة المدينة الغربية. وربطت الباحثة بين معنى كلمة البعث اللغوي والديني، والتفسيرات التي قدمها المثقف العراقي والتي أفضت إلى الاستفادة من تلك المعاني الدينية واللغوية لصناعة مفهوم سياسي ارتبط بنهضة العراق. تضمن الكتاب مقالات أخرى حول النهضة العبرية في ألمانيا القرن الثامن عشر، وبذور النهضة الأدبية في الصين، وكذلك التحول الذي شهدته الهند ودور بعض المثقفين في إحياء اللغات والفلسفة. كما ناقشت إحدى المقالات مصطلح “النهضة الزنجية”، ودور الأفارقة الأميركيين في نهضة “هارلم”.
________
*العربي الجديد