*أحمد النجار
لماذا نجد أغلبية عناوين كتب المرأة العربية عن الحب والغرام والعلاقات العاطفية؟ هذا ما سألته باستغراب زائرة صينية شابة مهتمة بالأدب العربي خلال فعاليات معرض الشارقة للكتاب في العام الماضي. حملنا السؤال نفسه إلى 4 كتّاب لمناقشة الأسباب والمشكلات التي جعلت المرأة العربية رهينة لهمومها وعواطفها في نتاجها الأدبي، وسرّ ابتعاد معظم أديباتنا عن ملامسة موضوعات إنسانية وهموم واقعية تهمّ مجتمعنا، على العكس من كاتبات الغرب اللاتي انفتحن على قضايا كبرى وثقافات مختلفة.
الكتابة بالإزميل
الإبداع أياً كان مبدعه لا يُثمر إذا لم يتطرق إلى القضايا الإنسانية الكبرى.. هكذا تقول د. ابتسام الصمادي، شاعرة سورية، وتفسر انفتاح الكاتبة الغربية على قضايا إنسانية أعمق، معبرةً: الكاتبة في الغرب خدمتها أوطانها وزمنها أيضاً، حيث يأتيها الزمن على قدميه يُدافع عنها ويقف إلى جانبها، بينما عندنا تجرّه من أذنيه الى روضة الأطفال، تضربه على قفاه كما تضرب الأم طفلها الذي وقع وأرعبها، لتُدافع عنه وتربيه من جديد، حتى يكبر على يديها وتعلمه فنون الحياة والأدب. بينما هو، يجرّها من ذيول أطفالها إلى بيت الطاعة. الزمن هذا، هو نفسه الذي دفعت المرأة العربية الكاتبة نصف عمرها وهي تشذبه وتهذبه في المطبخ والمخبر والعمل والمعمل والجامعة والحقل وأعباء الحياة. وتضيف: من خلال دراستي وبحثي في الأدب الأجنبي، فإن المرأة تحمل قضاياها ونبل عواطفها، لكنها ليست محمولةً عليها أبداً. فإذا ما كتبت الغربية بقلمها فإن العربية تكتب بالإزميل والعصب بأظافرها وأدوات زينتها، وبحضارتها وإرثها بتاريخه المعروف والمسكوت عنه بآمالها وتأملاتها، بصبيانها وبناتها، بجدودها وجداتها، بأوطانها الذبيحة ولجوئها المذبوح. وتختم متساءلةً: ألا تعد تلك الكتابات ضمن ملف القضايا الإنسانية؟!
مطب الضد
أما طلال سالم، كاتب إماراتي، فيرى أن أغلبية الكاتبات يتأثرن بالمسلسلات العربية الحزينة، التي تحمل الكثير من الدراما بعيداً عن الصدق والواقعية؛ ما يُدخلنا في متاهات المبالغة. وربما ذلك ليس أكثر من تقليد، أو نتيجة لقلة الثقافة الحقيقية، ولا أعني بالثقافة هنا الأدب كما يظن بعض الناس، ولكن الثقافة الحقيقية هي تعامل الإنسان مع الحياة ومع ذاته. ويضيف: مازالت المرأة العربية عموماً، والكاتبة خصوصاً، موهومة بمسألة حريات المرأة وذكورية الرجل التي أرى أننا تجاوزناها، لأننا نرى المرأة في كل مكان، ولكن سيطرة هذه العقدة على فئة من الكاتبات تجعلهن يقعن في مطب الضد والضد الآخر. والمجتمعات الثقافية العربية تعاني غياب النقد الحقيقي، فمازال كثير من النقد يحابي المرأة لسبب أو لآخر، حتى إننا نرى «رابطة الأديبات» و»الأدب النسوي» وغيرهما من الألقاب التي نحتاج إلى أن نتخلص منها أولاً لنصل إلى أدب حقيقي يلامس الإنسان. فضلاً عن ظاهرة المجاملات في الأدب، ومسألة أن العرب عادةً أمة غير مباشرة؛ بمعنى أننا لا نُعَبِّر بسهولة عن الفكرة وما نرغب فيه، وذلك ينعكس على الأدب كثيراً، فيحاول أن يبتعد عن المباشَرة، والقضايا الإنسانية تتطلب نوعاً من هذه المباشرة.
العاطفة والشهرة
ويقول جمال الشحي، كاتب إماراتي أيضاً وأحد صناع النشر في الدولة: المرأة العربية تتأثر ببيئتها في كتاباتها، فهي نتاج لمجتمعها. والشعوب العربية عموماً تهتم بالعاطفة في كثير من مجالات الحياة، فضلاً عن أن معظم الكتابات النسوية الناجحة في الوطن العربي تتضمن موضوعات عاطفية، اعتقاداً منهن أن العاطفة أقرب إلى الشهرة والانتشار. ويمكن لبعض تلك التجارب أن تكون كتابات إنسانية؛ لو أتقنت الكاتبة معالجة القصة وإضفاء قضية إنسانية بنوع من الدراما الواقعية.
سألته: ما الذي يمنع الكاتبة العربية من كتابة أكثر تحرراً؟ فقال: مازالت المبدعة العربية أسيرة للعادات والتقاليد، التي تنعكس على كتاباتها وتحول دون تحررها الفكري والأدبي. كما أن كثيرات من الكاتبات العربيات يطرحن قضايا ذات بعد إنساني وقصص عميقة، لكن صناعة النشر في الوطن العربي ليست احترافية في مسألة التوزيع والتسويق للكاتبة العربية حتى تنطلق إلى العالمية.
عقدة الضلع
من جهتها تقول هند خليفات، كاتبة أردنية: الكاتبة العربية تقليدية؛ لأنها تعتقد أن الكتابة عن غير الهموم والبوح وحكايا الحب وأسرار العاطفة كتابة خشنة لا تليق بأنوثتها. على العكس من الكاتبة الغربية التي دخلت ميادين الحياة الطبيعية من دون «عقدة الضلع القاصر» أو «نصف العقل»، فكان وجودها التفاعلي والأدبي طبيعياً ومتمماً لحضورها التلقائي في مجالات الحياة. وتوضح: كاتبات الهموم وقصص الحب لا يمثلن الكاتبة الحقيقية، التي عليها أن تكون موجودة ضمن المشهد الحياتي الطبيعي، فهو جزء من اهتمامها أيضاً لاعتقادها أن شكلها الاجتماعي أهم من الكتابة.
______
*الصدى