*يوسف ضمرة
قبل أيام قليلة فقط، ارتأى أحد المعنيين بالشأن الثقافي على شبكات التواصل الإلكترونية، أن يحتفل بتسمية عدد محدود من الشعراء الفلسطينيين، ممن ينتمون إلى جيل الخمسينات. كانت فكرة جديدة، وتستحق الاهتمام بلا ريب. لكن أصدقاء آخرين؛ شعراء وأصدقاء شعراء لم يعجبهم اقتصار القائمة على هذا العدد المحدود، فقام بعض الشعراء بالتذكير بأنفسهم، وبعض الأصدقاء بالتذكير بأصدقائهم الشعراء غير الواردة أسماؤهم في الأصل. وهكذا حتى وصلت القائمة إلى مواليد الثلاثينات والستينات، وكلّ له أسبابه ومبرراته.
من ناحيتنا، فإن القائمة المصغرة الأولى التي اقترحها البادئ ـ وهو هنا ليس الأظلم ـ إنما تعبر عن رأيه هو، وذائقته هو، وقد أحب أن يحتفل بهؤلاء الشعراء على طريقته. هذا لا يعني أبداً أنه يحتكر الذائقة الجمالية في شخصه، ولم يدّع ذلك أصلاً. بل وربما وجد الكثيرون أن قائمته يعتورها خلل أو شطط أو مزاجية أو علاقة شخصية. لكنها تظل في النهاية رؤيته هو، وكان علينا جميعاً احترامها، حتى لو اختلفنا بشأنها، وبأحقية شعراء دون غيرهم.
في النهاية، حصلنا على أسماء كل من كتب شعراً من الفلسطينيين، بدءاً من مواليد 1945 وليس انتهاء بـ1960. أي إننا وضعنا قائمة تضم كل من ولدوا بين هذين التاريخين من الشعراء الفلسطينيين، وربما أبعد أيضاً، من دون أي معايير فنية أو جمالية على الإطلاق.
كانت المعايير هنا هي ذاتها معايير الصداقة على شبكات التواصل الاجتماعي؛ أي إنها تنطوي على مقدار هائل من المجاملات واحترام العلاقات الشخصية والعائلية والعشائرية والجهوية، والتخلي عن الجمالي في الأمر كله.
تحولت القائمة الاحتفالية البسيطة والصادقة، إلى أنطولوجيا للشعر الفلسطيني بين ثلاثين سنة على وجه التقريب. ومثل هذه المشاركات أو الأفكار عادة تكون من اختصاص جهات مسؤولة أو مراكز دراسات وأبحاث، أو عنواناً في أحد ملتقيات الشعر أو الأدب عموماً. فليس كل من كتب الشعر يمكن فرضه بقوة الصداقة والمجاملة على الآخرين. وليس كل من ادعى الشعر أصبح شاعراً، وأصبحنا ملزمين بالاعتراف به وتذكره وذكره كواجب مقدس. فمن حاول ويحاول الشعر في الشعب الفلسطيني ـ كغيره من الشعوب ـ كثيرون. وما علينا سوى الحصول على كشوفات أعضاء رابطة الكتاب الأردنيين واتحاد الكتاب الفلسطينيين والاتحادات العربية الأخرى، لنفاجأ بعدد الشعراء المسجلين في هذه الاتحادات يبلغ الآلاف. وهي حال عامة تصيب الأجناس الأدبية الأخرى، وإن بدرجة أقل، بسبب هذا الاستسهال العجيب في اقتحام هضاب الشعر وأقاليمه الغامضة والملتبسة.
لن ألقي باللائمة على عامل واحد في هذا الشيوع المربِِك للشعر، لكني لا أستطيع تجاهل دور قصيدة النثر التي زينت للكثيرين أمر القصيدة، وشجعتهم على التصدي بالتوصيف والمجاهرة بالادعاء. ويبدو أن وسائل الاتصال الحديثة، وانتشار المواقع الإلكترونية بعشوائية بالغة، أسهما في توفير مساحات كبيرة لكل من ظن في نفسه الظنون شعرياً ـ وكثير من الظن إثم!
ولا ينطبق الأمر على الشعر وحده بالطبع، ولكن الأجناس الأخرى تتوافر على حصانة في هذا السياق، تتمثل في حجمها وضرورة التركيز التي لم تعد مطلوبة للشعر عند شريحة كبرى من القراء الطارئين؛ أصدقاء الشعراء الجدد وأقاربهم وحلقاتهم الإلكترونية أيضاً.
لا نقلل من قيمة أحد من الشعراء أو الأدباء، حتى هؤلاء الذين انساقوا وراء ظنونهم الآثمة. فمن حق أي شخص كان أن يقول الشعر، ولكن من حقنا أن نختار ما يعجبنا كذلك.
______
*الإمارات اليوم