*عدنان حسين أحمد
لندن – نستطيع القول باطمئنان كبير أن فيلم “ما فعلناه في عطلتنا” للمخرجين أندي هاملتون وغي جنكن، هو الفيلم الأكثر إثارة ومتعة بين الأفلام الكوميدية التي أنتجتها السينما البريطانية في هذا العام.
يعتمد هذا الفيلم الدرامي على كوميديا الموقف، وتتأسس بنيته الداخلية الرصينة على سلسلة من المواقف الهزلية التي لا تسقط في مطبّ الابتذال أو الميوعة العاطفية الصبيانية.
وإنما تحافظ على أنساق مختلفة من الآراء والأفكار التي تطرحها كل شخصية من شخصيات الفيلم على انفراد، بما في ذلك آراء الأطفال الثلاثة الذين منحوا الفيلم نكهة خاصة، سوف يبقى المشاهد يتذكرها ولو بعد أمد طويل.
تنطلق أحداث القصة في لندن، حيث نكتشف منذ البدء أن الزوجين دوغ (ديفيد تننت) وآبي (روزاموند بايك) يعيشان في بيتين منفصلين وأنهما على وشك الطلاق.
فالمشاجرات تنشب بينهما على كل صغيرة وكبيرة، حتى أن أطفالهم الثلاثة لا يجدون حرجا في انتقادهما وتقريعهما، على نبرة الصوت العالية التي يتحدثان بها في البيت والسيارة وفي بعض الأماكن العامة كذلك.
لا بدّ من سفر العائلة إلى أسكتلندا لحضور عيد ميلاد غوردي، والد دوغ وجدّ الأطفال الثلاثة لوتي وميكي وجيني، خصوصا وأنه يعاني من مرض السرطان المميت، الذي قد لا يمنحه فرصة أخرى للاحتفال مثل هذه المناسبة العائلية، التي تجمع تحت خيمتها ثلاثة أجيال متعاقبة.
ولكي لا يعكر الأبوان صفو هذه المناسبة السعيدة، فقد طلبا من الأطفال الثلاثة أن لا يأتيا على ذكر الطلاق الوشيك أو العيش في بيتين منفصلين، كي لا يفسدوا على جدّهم متعة الاحتفال بعيد ميلاده الخامس والسبعين.
لقد وافق الأطفال على مضض، ذلك لأنهم يعتقدون أن ما يقومون به هو الكذب الفاضح بعينه الذي يتعارض مع منظومة القيم الأخلاقية التي تربوا عليها في المجتمع البريطاني.
يا ترى، هل سيلتزمون بالعهد الذي قطعوه على أنفسهم؟ أم يبوحون بكل الأسرار دفعة واحدة من دون خشية أو تردّد أو حرج؟
البيت الباروني في أسكتلندا لا يضمّ الجدّ فقط، وإنما يقيم فيه غافن، شقيق دوغ، وعائلته المكونة من زوجته مارغريت المصابة بالاكتئاب، وولده عازف الكمان المنهمك في أجوائه الموسيقية.
فكل الشخصيات لديها ما تخبّئه وتتستر عليه، باستثناء الأطفال الذين سيبوحون تباعا بالأسرار الموجودة لديهم، ويكشفون عن هواجسهم المؤرقة، وعوالمهم الخاصة.
تتهيّأ الأسرة برمتها لعيد الميلاد في احتفال باذخ يليق بهذا الجدّ الطاعن في السن، الذي يصارع مرضا عضالا لا شفاء منه، حسب فحوصات الأطباء المختصين.
في الأثناء أخذ الجدّ غوردي (بيلي كونولي) أحفاده الثلاثة بسيارة “بيك آب” إلى شاطئ البحر، بعد أن عرف أن ابنه على وشك الانفصال وأن عش الزوجية مهدّد بالانهيار، وأن ضحاياه في مرتبة أولى هم الأطفال الثلاثة الذين سوف يظلون معلقين بين أبوين فرّق بينهما الطلاق، وكانا ذات يوم زوجين متحابين يجمعهما سقف واحد.
كثيرة هي المواقف الطريفة التي حدثت بين الأطفال الثلاثة وجدّهما الطيب الذي يريد لأبنائه وأحفاده أن يتحابّوا، ويعيشوا في وئام وسلام في هذه الحياة القصيرة التي قد نغادرها في أية لحظة، تماما كما فعل الجدّ حينما دفنه أحفاده على رمال الشاطئ وتظاهر بالموت، لكن استيقظ بعد أن زرع الرعب في قلب حفيدته، التي لم تتأخر تأنيبه على هذه المزحة الثقيلة، ولكنه ما إن نام مرة ثانية حتى كف قلبه عن الخفقان!
رجعت الحفيدة لوتي فوجدت الجميع منهمكا في تفاصيل الاحتفال وهم يستقبلون الضيوف الذين يتواردون على المكان محملين بالهدايا الجميلة، ولكن لم يستمع إليها أحد، حينئذ عادت راكضة لترتب عملية حرقه على وفق تقاليد الفايكنغ، حيث أضرموا النار في جثته على زورق خشبي ثم دفعوه إلى عمق البحر.
وحينما عاد الأطفال إلى المنزل صدم كل من حضر إلى الحفل، وتم استدعاء الشرطة للتحقيق في الحادث، حيث وجدوا أن الأطفال لم يرتكبوا خطأ في حدّ ذاته.
فلقد وافت المنية جدّهم متأثرا بمرضه العضال، لكن الصحافة التي تنبش في التفاصيل الصغيرة أوشكت أن توقع الأب في أكثر من مأزق، الأمر الذي دفع زوجته لأن تقف إلى جانبه، وتضع النقاط على الحروف وتعلن على الملإ أنها زوجته، وهو زوج جيّد ورائع من وجهة نظرها، وأنها تريد أن تنقذ أطفالها الثلاثة الذين قاموا بهذا العمل الذي يعتقدون أنه صحيح، ولا يقع في خانة مخالفة القوانين والأعراف المرعبة.
يجتمع شمل العائلة الكبيرة من جديد على شاطئ البحر هذه المرة، حيث يطلب دوغ من ابن أخيه أن يعزف المقطوعة التي يحبها جدّه، فيرقص الجميع على إيقاعها، وتتحوّل طقوس الموت إلى حفل رائع بهيج رقص فيه الحاضرون، بعد أن اجتمع شمل العائلة التي كانت على وشك الانفصال الذي يترك الأطفال الثلاثة معلقين في فراغ موحش وكئيب.
_________
*العرب