*رائدة زقوت
ليلة لشبونة – رشة ملح على جرح – إريش ريمارك
رواية تسحبك لأحداثها حتى النفس الأخير، ألمانيا النازية بمآسيها تختزل في ليلة واحدة عبر سرد شيق ولغة رشيقة تذوب في الفم، رغم الأسى كقطعة السكر.
لا تملك وأنت تمر بأحداث هذه الرواية إلا أن تقترب بعقلك من هنا من منطقتنا العربية المشتعلة حد الضياع.
هل نحن ضحايا جدد لنازيين جدد ؟؟ هل سيعيد التاريخ صدمته الحضارية عبر جثثنا التي بات القريب والغريب يتبرع بتركها طعاماً للغربان؟ …فلسطين التي فرّغ اليهود أحقادهم الدفينة فيها عبر القتل والتهجير و محاولة محو الآخر في انتقام غير مبرر للمحارق النازية بحقهم…!
العراق التي ما أن حطت أقدام الغرب فيها حتى تحولت لساحات للموت والتعذيب غير الرحيم أو المقبول بأي شكل؟
سوريا وقد استباح رهط من القتلة دم أهلها وهجروهم وهتكوا أعراضهم في تحدٍ صارخ لكل القيم الإنسانية، باسم السلطة وكرسي العرش، وباسم الدين والحياة الفضلى، بطريقة تفوقت على ما فعله الألمان باليهود، وما فعله اليهود بأهل فلسطين لاحقاً!!
إن كتب أحد العشاق الناجين من محارق الأنظمة العربية، أو محارق اليهود والغرب روايته – – على سبيل التشبيه ب ” ليلة لشبونة ” – كيف سيوصل للعالم مآسينا وويلاتنا التي لم نتمكن من تجاوزها منذ الحروب العالمية؟! هل سيكتب للعالم عن فترات الهدوء التي طالتنا لسنوات حتى تناسينا أننا نعيش في بؤرة مشتعلة منذ أكثر من قرنيين؟ … هل سيختار له حبيبة تأمن جانبه لو غدر به البحر كما غدر بالمهاجرين وقدَّمهم طعاماً سائغاً لأسماك القرش؟؟
ثم السؤال الذي سيبرز دائماً كم – إريش ريمارك – نحتاج لنوصل للعالم أن ما يحصل عندنا وفي منطقتنا فاق بمئات المرات ما تعرض له العالم على أيدي النازيين !
السرد الروائي الذكي يقوم مقام السفير النشيط الوطني؛ الذي يبذل أقصى طاقته لتلميع صورة بلده وإيصال قضاياها للعالم.
كم نغفل عن الأدب ودوره عندما نفرغ طاقاتنا في رصف كلمات لا توجه حروفها صوب الآخر ليعي ما تعيشه المنطقة…! كم نغفل عندما نعلق الحب بشخص المحب دون أن نشركه في حروبنا الممتدة! نحتاج لشحذ الهمم الأدبية والخروج من بوتقة أننا الأقل حظاً والأكثر ظلماً – على الأقل – أدبياً، لنقنع الآخر بأننا نعاني كما عانوا قبل سنوات، وأننا بشر نتقن فن الحب أكثر مما نتقن صناعة الحروب، وأن الخوافق وإن غلَّفها صمت العربي وصرامة ملامحه، ما زالت تبحث عن الحياة، لترسم الغد وفق قوانين إنسانية عادلة، تخرجنا من دائرة الصراع والموت لنعيش كما ينبغي للإنسانية أن تعيش.
______
*كاتبة من الأردن