شاشة الناقد: الهروب للحرية


*خالد سليمان الناصري

‫أنا مع العروس

| I›m with the Bride‬
* إخراج: أنطونيو أوغوغوليارو، غابرييل دل غراندي، 
هناك شيء لا بد دار وراء الستارة لا يكشف عنه الفيلم الإيطالي التسجيلي «أنا مع العروس» إما لأنه يشكل خطرا على بعض شخصياته أو لأن المخرجين الثلاثة وجدوه غير مهمّ. هذا الشيء هو كيف تم للشخصيات العربية الـ6 التي قامت برحلة هروب من موطنها السوري إلى مدينة مالمو السويدية، أن التقت المخرجين الـ3 لتصبح موضوع فيلمهم (الأول لكل منهم) «أنا مع العروس».
نعم، يتحدّث أكثر من واحد حول تجربة الهروب من الجحيم حالما بالفردوس الأوروبي، وكيف خاض صراعا رهيبا للبقاء على قيد الحياة فوق زوارق الموت، لكن ما الذي أوصل هؤلاء إلى عناية المخرجين؟ ولماذا هم بالتحديد؟
هذا الجانب كان يمكن له أن يثري الفيلم ويجعله أكثر من مجرد متابعة بحث عن المستقبل وحده. لكن ما ليس غائبا بالطبع هو صنو الحكايات الفردية المنطوقة شفويا من قبل بعض هؤلاء الساعين للحياة على الضفاف البعيدة عن منطقة الحروب المشتعلة. وهو صنو يترك غصّة في الحلق وشعورا بالتعاطف ليس فقط من تلك الشخصيات، بل مع ذلك الفلسطيني الذي يعيش في إيطاليا منذ 5 سنوات والذي تبلغ هاتفيا، وعلى الكاميرا، أنه نال «أول جنسية» في حياته. أصبح مواطنا تابعا لدولة ما لأول مرّة. هو يبكي والمشاهد يشعر معه ويستطيع أن يوجز تاريخ الوضع الفلسطيني المتعثّر منذ 1948 وإلى اليوم.
لكن الحديث أساسا يبقى داخل حلقة الشخصيات المهاجرة. هؤلاء هم سوريون وفلسطينيون من المخيم في دمشق هربوا بحرا إلى حيث وصلوا إلى إيطاليا بصورة غير شرعية. أحدهم (والد فتى شاب) كاد يخسر حياته عندما تحرّك القارب قبل أن يمتطيه لولا أيدي ركّاب آخرين. آخر يتحدّث عن كيف أنه واحد من 26 هاربا من جحيم الحرب إلى جحيم تجّار البشر الذين بقوا على قيد الحياة من أصل 250 هاربا آخرين. لا تتوقّف الحكايات، كذلك لا يتوقّف الكشف عن تفاصيل الرحلة التي تبدأ من ميلانو إلى فرنسا فلوكسمبورغ، فإلى ألمانيا، وما عداها وصولا إلى الدنمارك فالسويد. هي ليست تفاصيل كاملة، بل كافية لإبقاء خيط الاهتمام واضحا صوب معرفة مصير هؤلاء الساعين ومكنوناتهم الشخصية.
لا يريد الفيلم الحديث في السياسة، واللون الغالب عليه هو إنساني. لا يمكن تخطئة الساعين صوب الحريّة، ولا إغفال وضعهم الصعب، فهم، وبعضهم في سنين متقدّمة من الحياة، يهربون إلى الأمام عبر صعاب لا تنتهي بالوصول إلى مالمو، بل ربما ستبدأ هناك.
العنوان هو إشارة إلى أن أحد أسباب نجاح عملية التسلل ما بين حدود الدول الـ6 شراء ثياب عرس للشاب والشابّة المخطوبين؛ لأن سيارة عليها أشرطة العرس وفيها عروسان قد يخدع من قد يعترض طريقهما من حرس حدود أو رجال بوليس. لكن لا شيء من هذا يحدث بسبب حذق المخططين لهذه الرحلة (بينهم الإيطالي الذي يجيد العربية غبريال دل غراندي) وخبرتهم في التهريب.
حين يقوم الفتى الفلسطيني بأداء أغاني «الراب» محمّلة بشعر سياسي متأصل بجذوره، يكون الفيلم بلغ أعلى نقطة في علاقته بالسياسة. يُثير كون الصبي ملتحقا «بالبوب ميوزك» ولا يمكن في النهاية سوى مشاركة هؤلاء فرحة الوصول إلى مالمو.
________
*الشرق الأوسط

شاهد أيضاً

العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية

(ثقافات) “طربوش أبو عزمي العلي”:   العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية زياد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *