اغتيال الأدب الشعبي في الأدبيات النقدية المغربية


*سمير مومني

( ثقافات )

يشكل التراث الثقافي بالنسبة لكثير من الشعوب والأمم، مصدرا ثريا تناقلته الأجيال بصفة متواترة، وتعيد بعثه مرة أخرى طبقا لتاريخها وخصوصياتها الاجتماعية والعقدية، ومستوى تفاعلها مع المجالات الطبيعية. وهو بهذا كفيل برسم هويات الجماعات وانتماءاتها الحضارية، لأنه يحيل على وضعيات وحالات متجذرة في التاريخ، ذلك أن ما تحمله الذاكرة الشعبية من قيم ولغات وطرق التفكير واعتقادات و ممارسات و تمثلات اجتماعية وفردية، تشكل طابعا و نمط حياة، يكسب أصحابها الإحساس بالهوية والاستمرارية، و يساهم في تعزيز احترام التنوع الثقافي والإبداعي للإنسانية.
فمنذ البداية تطرح الثقافة عامة والشعبية خاصة إشكالا حول المفهوم والوظيفة، خصوصا عندما يكون هذا المفهوم محط ازدراء و تهميش من طرف جهات، تحاول تسييسه في منظومتها. “لقد انطلق الفكر الغربي عندما أراد أن يرسي فكره ومشروعه المجتمعي والوطني، من الثقافة الشعبية لبلده فقد اهتم بلغته العامية و أدبه الشعبي لكسر لغة الكنيسة باعتبارها لغة الدين والسلطة والميتافيزيقية”1.
أما في المغرب فالاهتمام بالثقافة الشعبية لم يظهر إلا في الخمسينيات، هذا الظهور كان ممسوسا بالقيم الاستعمارية وغزوه الثقافي، الذي “أراد أن يلعب على حبل التفرقة و التمزق، لزعزعة استقرار البلد. لكن وجد فئة من المثقفين الذين حاولوا أن يدافعوا عن هذه النظرة الإيديولوجية، فكان عبد الله كنون ومحمد بنشريفة ومحمد الفاسي في صدارة المدافعين عن التراث الشعبي المغربي”2. أما الجانب المتعلق بالبحث العلمي والجامعي، فلم ينطلق الاهتمام بالثقافة الشعبية إلا منذ الستينيات، بفضل الأكاديمي الحصيف عباس الجراري الذي أنجز دكتوراه في الأدب بجامعة فاس في موضوع شعرالملحون.
وإذا كان الأدب أنواع وأصناف و توجهات، كل نوع يحاول أن يرسوا بسفينته لخدمة هدفه وتوجهاته. يأتي الأدب الشعبي كحلقة من الحلقات الآداب العامة، باعتباره مكون من مكونات التراث الأدبي بمفهومه الشامل، لذلك تفرض علينا استشكالات كبيرة في هذا الموضوع من قبيل : ماذا نعني بالأدب الشعبي؟ وما هي المكانة التي يحتلها ضمن الثقافة الشعبية ؟ لماذا همش هذا الأدب؟ما هي مكانة الأدب الشعبي ضمن خارطة البحث الأكاديمي والنقدي المغربيين؟ وما هو حدود تموقع الأدب ضمن التراث المادي واللامادي؟.
لماذا الأدب الشعبي؟ تساؤل يمكن أن يجد جوابه الإجرائي، في التعامل المباشر مع النصوص الشعبية. فالأدب الشعبي يعد من بين الآداب انتشارا وتداولا في المجتمع التحتي المغربي ، فهو أدب في جوهره مصطبغ بالشفهية والجماعية، اللتين تجعلان منه إنتاجا مرهونا بظروف تواصلية مباشرة.
الحديث عن الأدب الشعبي يعني في الأساس تورطا في حقل إشكالي هو من الشساعة بمكان، إذ يعد واحدا من الثقافة الشعبية وهو” أدب قيل إنه “هامش” من خاصيته الشفوية بامتياز يندرج تحته مجموعة من الموضوعات من قبيل الحكاية والألغاز والأمثال والأشعار، فهو أدب متنوع لتنوع البيئة الإنسانية وتنوع الأغراض التي يناقشها، سواء مواضيع فلسفية أو وجودية أو كونية، وحتى مواضيع الساعة مثل حقوق الإنسان، وحقوق المرأة، و الطفل، ومواضيع اجتماعية وسياسية لحظية ، فالأدب الشعبي يتمتع بخصائص تؤطره ولا غنى عنه في الدراسات الأدبية و النقدية”3.
الأدب الشعبي أدب عريق ظهر منذ أن حط الإنسان على هذا الكون، ليعبر عن أغراضه و تأملاته. كما أنه أدب واقعي بامتياز، لأنه يلامس الواقع الإنساني في تصرفاته وتفكيره، فهو ينطلق من الواقع ليؤسس مشروعه، وهدفه هو الدفاع عن وجودية الإنسان في مفاهيمها العامة .
ولقد اختلف النقاد والمهتمين بشأن الأدب الشعبي، فقد “نظر البعض للأدب الشعبي من خلال محتواه ليصبح الأدب الشعبي عندهم هو مختلف المضامين التي يعالجها بغض النظر عن اللغة هل هي عامية أم فصحى. أما البعض الآخر فقد نظر للأدب الشعبي انطلاقا من لغته، أي أن الأدب الشعبي لغته لغة عامية موجهة إلى عناصر من المجتمع وهو الشعب”4. فرغم الاختلاف في الآراء و تباينها فإنهما يتفقان على أن الأدب الشعبي ينطلق من عمق ذاتية الشعب.
ليس لزاما إذن أن نعاود مطارحة السؤال المزمن والإشكالي في آن معا، حول موجودية الأدب الشعبي من عدم موجوديته، وحول مدى صدقيته المعيارية، نصيا، و تخييليا، و رؤيويا، كما أنه ليس من همنا، أن نكرر ذات الحفريات التي قام بها البعض في التعامل الاغتيالي مع النصوص الأدبية الشعبية، لأن الارتكان إلى السيولة التداولية لمصطلح الأدب الشعبي شئنا أم أبينا، لن تكرس إلا التعميم والاستهجان.
فالناظر إلى الأدب الشعبي المغربي في عمومياته، صار ضرورة ملحة، تفرضها علينا تطورات عصرنا، باعتباره عاكسا لهويتنا وشخصيتنا المغربية، وراصدا لأهم محطات تاريخنا، خاصة أحداث وطننا وعاداته وتقاليده. فهو أدب متنوع، لتنوع البيئة الإنسانية، وتنوع الأغراض التي يناقشها، المنجذب إلى دائرة المواضيع الفلسفية، أو الوجودية، أو الكونية.
من هذا المضمار يليق بنا أن نقول على أن النص الأدبي الشعبي، في حاجة ماسة إلى الاهتمام به نقديا وقراءاته من الداخل بما تيسر من الآليات والإجراءات من خلال :
1 ــ الاهتمام بالأدب الشعبي المغربي في ظل العولمة والايدولوجيا العالمية.
2 ــ كشف ثراء النص الشعبي بواسطة المناهج النصية الأدبية.
3 ــ لفت اهتمام الباحثين إلى قيمة وأهمية النص الشعبي .
4 ــ تثمين الأعمال الأدبية والنقدية التي تهتم بدراسة النص الشعبي.
إن الحقيقة كل الحقيقة ونحن نتحدث إجمالا عن الأدب الشعبي معاييره وخصوصيته، والتي ساهمت في اغتياله، لهي رهينة بالمنطق الخلدوني الذي لا زال ينخر ذواتنا، وهو أننا لم نتخلص بعد من العلاقة بين ”الغالب والمغلوب ” التي لازمت سياقات تاريخية معينة، ولازلنا نعيش ويلاتها بما فيها الحقل الأدبي.
لا تزعم إذن هذه الورقة اعتبارا لكثير من الحيثيات المرتبطة بها، أية إحاطة شمولية، وإنما هي نوع من قراءة عاشقة، للتعرف على بعض استشكالات الأدب الشعبي ،الذي لا زال منجزا ضئيلا في الساحة النقدية ، فأيما ثقافة أدبية إلا وتقوم على أركان ثلاثة متضافرة، هي الإبداع والنقد والتلقي، الشيء الذي يستدعي فعلا قراءة متبصرة مؤهلة لاستغوار قيعان النص الأدبي الشعبي الباذخ، باعتباره مسرحا فسيحا للتأمل في جمالياته، بعيدا عن حمأة الجدال التشنجي الإيديولوجي والثقافي، و رثاثة العقل المنغصة.

المصادر و المراجع:
1 ــ أشكال التعبير في الأدب الشعبي لنبيلة إبراهيم دار النهضة مصر بدون تاريخ.
2 ــ في الأدب الشعبي: مهاد نظري-تاريخي لعبد الصمد بلكبير / المطبعة الوراقة الوطنية الداوديات/ مراكش، ط1 سنة 2010 .
3 ــ مجلة المناهل عدد 64 – 65 حول الأدب الشعبي المغربي سنة 2001 تصدرها وزارة الثقافة و الاتصال المغربية.
4 ــ الثقافة الشعبية إحدى ركائز وحدة المغرب العربي أعمال ندوة 1989بالقنيطرة.
الرباط 12/ 10 / 2014

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *