نجوى الزهار*
( ثقافات )
عُثر على ورقة شجرة تين مخطوط عليها ما يلي “إنه عندما يُولد الطفل , يأتي ملاك حارس , ليقبله في الجبين أولا , ثم يلامس جبهته بأنواره , فينسى الطفل الحقيقة الكامنة لديه , وباعتقاد ذاك الملاك الحارس أنه إذا لم ينس الطفل هذا تكون حياته لا تُطاق”.
ولعل ذاك الملاك الحارس قد نسي جورج غوردجييف في مشواره , فكان ذاك الانسان الجامع في سلته كل التجليات الروحية , الفلسفات , العلوم , خبرات شخصية , نظرات من وجهات نظر متباينة , معارف روحية , فهم العلاقة بين السبب و النتيجة , علاقات الانسان بأخيه الانسان , وعلاقات الانسان مع الكون.
هو جورج غوردجييف أراد للإنسان أن يمتلك عباءته الروحية , تلك العباءة مطرزة بألوان الحقيقة.
الحقيقة , لقد عرف جورج غوردجييف أن كلمة الحقيقة لا تعني شيئا , لأننا كلما اقتربنا منها , ثم حاولنا أن نصفها تتبدى لنا آفاق مسالك ودروب كنا إما تجاهلناها , أو أننا لم نهتدي إليها , أو أن المخاوف قد طالعتنا بأكثر من وجه , فأردنا العودة الى ذاك السجن “الأنا الضيقة” الذي ظننا واهمين أنه به الاحساس بالأمان , وأن تلك الجدران التي نستند إليها هي صلبة راسخة , ولكن هذا السجن هو الي قص أجنحتنا الروحية ففقدنا المقدرة على التحليق.
اطلع على كل ما يمت للروح الانسانية بصلة وقرابة , كتب , حاضَر , أصر على تمارين التنفس , الغناء , الرقص , تعلم أغلب اللغات .
ونحن نعلم تماما أن الله سبحانه وتعالى قد يجمع الشتيتين.
فكان أن اجتمع جورج غوردجييف مع الشيخ شرف الدين الداغستاني النقشبندي , أراد شيخنا الجليل أن نوثق هذا اللقاء ما بين جورج والشيخ شرف الدين, لما فيها من مفاهيم وأبعاد وإنارة لكل من يطلع عليها , ولكل انسان بعده وطريقته ومفهومه الخاص.
“سمع جورج غوردجييف عن مولانا الشيخ شرف الدين الداغستاني , شيخ وخال مولانا الشيخ عبد الله الداغستاني , وعُرف عنه قوله “أنا أحب النقشبندية” حتى أنه ألف موسيقى خاصة للطريقة النقشبندية مع العلم أن هذه الطريقة لم تتعامل من قبل مع الموسيقى.
ثم أضاف شيخنا الجليل , أن الشيخ شرف الدين نادى الشيخ عبد الله واخبره أنه ثمة ضيف سيأتي اليوم عند المغرب , تصلي معه صلاة المغرب , وتقرأ الأوراد , ثم تصعد مع الضيف الى غرفتي لتناول طعام العشاء.
كان لجورج تسعة أسئلة , يطوف العالم بها , يسأل ويسأل عن تلك الأجوبة.
تقابل الشيخ شرف الدين مع جورج غوردجييف, فكانت نسائم الغبطة الروحية , فلقد عثر كل منهما على روح تفهم لغته , سأل جورج وأجاب الشيخ شرف الدين , وكانت بعض إجابات الشيخ شرف الدين لجورج حاضرة بقوة , حتى قبل أن يسأل السؤال , ألم نقل سابقا “عثر كل منهما على روح تفهم لغته”.
افترقا لتكون العودة عند صلاة الفجر , كانت الصلاة وقد اعتادوا على قراءة “سورة يس” عند الفجر , وثلاث مرات بعد صلاة المغرب , فيجتمع لمن قرأ 4 مرات سورة يس وهي تمام العدد , ولسورة يس أسرار لا يُحاط بها.
وهم يقرأون سورة يس غاب جورج عن نفسه , وكما يسميه الشاعر محمود درويش “حضرة الغياب” , في تلك الحضرة يرى جورج نفسه في بستان فيه من الورود ما يعجز الوصف عنه, ومع أنه من روسيا التي تشتهر بورودها وأزاهيرها.
فكان حديثه في حضرة غيابه “لن أغادر حتى أشم رائحة تلك الوردة , فتقدمت إليه وردة حمراء , ما أن وضعت أنفاسي لأشمها حتى أصير رحيقا واصير فيها , أدخل من مسام الوردة كأنني الماء في العرق الأخضر , كأنني الدم في الجسد”.
ثم يكمل شيخنا الجليل الواقعة , أنه حصل عند جورج اضطراب شعر بوجوده ,وعندما فاق من غيابه سمع الشيخ شرف الدين يتلو “سلام قول من رب رحيم” , ثم نظر إليه الشيخ عبد الله وقال له “ينبغي لك أن لا تفزع , ولكن نبشرك بأنك قد قُبلت بيننا , وبأنك ستدعى عبد النور”.
من حكم جورج غوردجييف
1- وحده ذلك الذي يقدر أن يضع نفسه في موضع الآخرين من الممكن أن يكون عادلا.
2- تذكر أنك جئت إلى هنا , عندما فهمت ضرورة الكفاح مع نفسك , مع نفسك فقط , لذلك اشكر كل ما يمنحك الفرصة.
* كاتبة من الأردن
كلمات جميله
هل من الممكن الاستفاده أكثر من قلم الكاتبه من الاْردن ؟!