*سمير مومني
( ثقافات )
لعل الخوض في شأن الأدب الأمازيغي الراهن هو بمثابة ضلوع، قرائي و تقييمي، في واحد من أكثر الفاعليات الثقافية الشعبية استثارة للجدل و الخلاف.ومن الطبيعي، والحالة هذه، أن تتعدد زوايا الاقتراب من قضاياه ومعضلاته، تبعا لتباين قناعات النظر وخلفيات التأويل. فالناظر للأدب الأمازيغي يلاحظ أن غالبيته غير مدون يحتاج إلى من يجمعه شتاته، ويوثقه. ولن يتحقق ذلك إلا بتضافر الجهود، وصدق النوايا في خدمة الموروث المادي واللامادي، والعمل الجاد من أجل أن يتبوأ الأدب الأمازيغي مكانته اللائقة، بين مختلف الآداب الأخرى المحلية و العالمية.
نقصد بالأدب الأمازيغي الجانب الإبداعي للثقافة المنطوقة بالأمازيغية، وهو أدب قديم يرجع إلى جذور الحضارة الأمازيغية، التي تعود إلى أزيد من ثلاثين قرنا، وهو مشكل من أجناس أدبية مختلفة، ويضم إلى جانب الشعر، الحكاية، و الخرافة، و الألغاز، والأمثال.
يمتاز الأدب الأمازيغي بعدة خصائص منها الفطرية، إذ الأدب الأمازيغي كله فطري، فالإنسان الأمازيغي بطبيعته و تكوينه الفطري يميل إلى البساطة. و كذلك هو أدب أصيل من عمق الذات، صدر مباشرة بأصالة مطلقة عن ذات المغاربة، فهو أدب إن شئنا جمالي طبيعي لا تصنع فيه، ينطلق من رهافة الإحساس وصدق الأداء.
يستهدف هذا المقترب إذن ، مساءلة إمكانية استنطاق الشكل الشعري الأمازيغي وحدود تمايزه، للكشف عن مواطن تشكيله الجمالي الباذخ الذي يتمتع به، عبر دراسة “ثاماوايت” كشكل شعري متقدم ، نتغيا من خلاله الدخول إلى عوالم الشعرية الأمازيغية ، إذ قليلة هي الدراسات التي تناولت هذا المتن بالدرس والتحليل والبحث والتقويم.
لماذا الشعر الأمازيغي؟ تساؤل يمكن أن يجد جوابه الإجرائي في التعامل المباشر مع الأشكال الشعرية الأمازيغية. فالشعر الأمازيغي يعد أكثر الأجناس انتشارا وتداولا في المجتمع الأمازيغي ، فهو شعر غنائي في جوهره مصطبغ بالشفهية والجماعية اللتين تجعلان منه إنتاجا مرهونا بظروف تواصلية مباشرة، فهو مرتبط أيما ارتباط بالغناء .
إن مناولة ركن ثاماوايت في الشعرية الأمازيغية لهي اختبار لأحد أوكد عناصر التحقق الشعري في بنيتها الكتابية، إن لم تكن اختبارا لصميم هويتها الإبداعية. و من منطلق كهذا أود من خلال هذه الورقة مقاربة “ثاماويت” التي تلازم مختلف أشعار شعراء أمازيغيين بوصفها أداة للتشكيل الجمالي و الرؤيوي الذي يتمتع به المنجز الشعري الأمازيغي، فثاماوايت إن شئنا شكل شعري يغنى وفق طقوس أدائية إيقاعية و صوتية تتميز بكثافة و ثراء رمزي و استعاري.
في هذا الصدد يقول الباحث و الأكاديمي المائز محمد شفيق : “ثاماويت هو متنفس الفرد الوحيد في أعالي الجبال” فثاماوايت مرتكزة على لغة الحوار إن شئنا مونولوجي، إذ تعتمد على قوة الصوت وحدته والغلو في استعمال المجاز وتكثيف الدلالة، كما أنها لا تخلو من اعتماد الأسطورة كقناع مناورتي يلجأ إليه الشاعر لتمرير رئيته للوجود و الكون ، بحيث لا يمكن أن يفهم المتلقي بعض من ثاماوايت إلا بالرجوع إلى بعض الألفاظ الأسطورية فهي أكثر تعقيدا من حيث الصور والتراكيب والخصوصية البلاغية .
كما تعتمد ثاماويت على إيقاعات متعددة هي في مجملها مقطعية حسب إمكانات الارتفاع و الانخفاض الصوتي الذي يساهم فيه الشاعر و من أمثلة ثاماويت يقول الشاعر:
آيا الطالب إييي شا الحجاب إصحان***** أوا ريخ آسمون أي الديعايد
ترتكز ثاماويت على جملة من القوالب الصياغية تميزها إذ إن أهم سمة للشعر هو النمطية أي يقوم على القوالب وصيغ هي بمثابة مفردات محورية، هذه النمطية تعتمد على آليات و إجراءات تتصل بنباهة الشاعر الأمازيغي في إتقانه لمجموعة من هذه القوالب والصيغ .
أول هذه الصيغ صيغة أسلوب الرجاء والتمني هذه الصيغة هي “آواك” كما نجد صيغة “مور” وهي “لو” ومثالها يقول الشاعر :
مور تنايم الطالب أيناداي صفصال اوراتك شا ابريدنس اداي تناين
كما نجد صيغة التكرار مثل يقول الشاعر :إيناس إيناس ما يريخ أثاسيخ إزمان.
و ثاني هذه الصيغ هو أسلوب التشبيه و هو عنصر أساسي في ثاماويت إذ يرتكن على أفعال الوجود والصيرورة ، هذه الصيغة تقوم على فعل الكينونة “ييخ” و مثاله يقول الشاعر:
ييخ أبراني أو غاتشرزخ إبردان كرد آربي شاوكوا ذاخ إيمون ذ وول
و ثالث صيغة الذي يتميز بها ثامويت هي توظيفها لدلالة الزمن وهي كلمة محورية “أداي” نجدها في كثير من أشعار ثاماوايت يوظفها الشاعر.
إن الشعر الرائع يمكن أن يصل قبل أن يفهم حسب تعبير ت. س. اليوت، وكذلك الشعر الأمازيغي الذي عودنا على ممارسة انزياحاته العظمى في المدونة الشعرية الأمازيغية، فهو كأي شعر في أي لغة غني بآفاق تصويرية متميزة، تكشف عن عناصر الخلق والإبداع الفني الأمازيغي، عبر سيرورته اللغوية والثقافية والحضارية، وهي آفاق جمالية، نراهن على أن محمولاتها الدلالية جزء من الرؤية الشمولية التي ينهل منها الشاعر الأمازيغي، وقيمته التي تكمن في قدرته على خرق المعهود والخروج على المألوف، ويلبي من خلالها نداءات الخلق الصاعدة من قلب الواقع والمعاناة واحتمالاتهما، إذ التجربة الشعرية الواعية تنكشف أوصالها من خلال اللغة والصورة والموسيقى، وكلها مقومات تنحو بالإبداع نحو التوازن الذي تكفله ثاماويت كشكل شعري أمازيغي متقدم.
مراجع :
1 ــ أنطولوجيا الشعر الأمازيغي التقليدي من إعداد مجموعة من باحثي المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية.
2 ــ تاريخ الأدب الأمازيغي مدخل نظري المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية 2004 .
3 ــ مدخل للأدب الأمازيغي أعمال الملتقى الأول للأدب الأمازيغي 1991 منشورات الجمعية المغربية للبحث و التبادل .
4 ــ مجلة علامات عدد 32 سنة 2009 .
5 ــ الملحق الثقافي لجريدة الاتحاد الاشتراكي يوم 23/09 / 2014.
الرباط في : 06 / 10 / 2014