*ترجمة وتقديم: لطفية الدليمي
لم تناقش موريسون قضية طلاقها أبداً و لم تتطرّق يوماً الى الأسباب التي دعتها الى الانفصال عن زوجها السابق و لكنّها لمّحت الى ما يمكن أن يكون سبباً و هو رغبته في أن تكون موريسون زوجةً أكثـر تبعية له و تمضي في القول ” لم يكن يريدني أن اتفوّه بأية ملاحظات أو تقييمات عنه في وقت كانت لديّ فيه الكثير من هذه الملاحظات و التقييمات لأقولها بحقّه ” و من الواضح أن موريسون لم تعد ترى في طلاقها تلك الحادثة الكبيرة العظيمة الشأن من تلك الحوادث التي غيّرت مسار حياتها.
وتكمل هذه الملاحظة قائلة “ثمة الكثير من النسوة في العالم ممّن يتطلّقن و من ثم لا يعود لهنّ من اهتمام بأي شأن أو فعالية في الحياة على الصعيدين الذهني و العاطفي سوى الحديث المكرور و الممل و المليء بالشكوى عن لحظة الانفصال تلك و الانغماس في تفاصيلها : كيف حصلت و لماذا و أية عوامل تداخلت معها . من المؤسف ان أولئك النسوة لا يبذلن أي جهد لتخطّي لحظة الانفصال تلك و المضيّ بحياتهن قدما ” و هنا تصمت موريسون قليلاً ثم تعاود التعليق ” مؤكد أن الطلاق مسألة كبيرة و لكنّه ليس بذلك الكبر الذي نخلعه – نحن – عليه ” .
لا تنفكّ موريسون تسائل أصدقاءها و صديقاتها عمّا تعلّموه من تجربة طلاقهم و قد انتهت الى الاستنتاج الصارم بأنّ ” الطلاق يخدم ارتقاءنا الفكري و النفسي عندما ننظر اليه كمحض خبرة نافعة لنا – بعد أن تكون ذكراها قد تضاءلت – و ليس أكثر من هذا ” .
قادت متطلّبات العمل موريسون الى الانتقال عام 1967 الى نيويورك للعمل كمحرّرة رئيسية لأعمال الكثير من الأمريكان السود و منهم ( هوي نيوتن ) و ( أنجيلا ديفيز ) اللذين كانا يعملان في حركة ( الفهود السود ) كما أشرفت على تحرير أحد الأعمال التي نشرها ( محمد علي كلاي ) و قد واظبت على العمل التحريري بكل جدية في ذات الوقت الذي كانت تعمل فيه أستاذة جامعية . ” أنت لا تختار رفقاءك في العمل ” توضّح موريسون و تمضي في القول ” و سواء كنت أستاذاً جامعياً كما كنت أنا وقتذاك ، أم كنت محرّراً فستأتي أوقات ترغمك على العمل مع أناس شديدي الفظاظة و لا يكون بوسعك فعل شيء سوى المضي في العمل و حسب ، و تلك حقاً معضلة ” .
كانت موريسون منغمسة في كتابة روايتها ( المنزل Home ) عندما توفّى ولدها ( سليد ) متأثّراً بسرطان البنكرياس ، و كان الاثنان قد تعاونا من قبل في أنجاز الكثير من الروايات المخصّصة للأطفال ، و لطالما رأت موريسون في الموت مفهوماً يتشكّل على معنى الفقدان بالنسبة لمن لا زالوا أحياءً ، و تمضي في القول ” أعتاد الناس على مواساتي في فقدان ابني بقول كل واحد منهم لي أنا آسف لهذا المصاب ، و لكن لم أسمع أيّاً منهم يقول لي كنت أحبّ ولدكِ كثيراً !! . كنت غارقة في دوّامة الحزن على فقدان ابني و لم أكن أتوقّع أن حزني سيخفّ يوماً ما و لكنني أدركت لاحقاً أنّ أخر شيء كان ابني يتمنّاه هو ان يراني غارقة في نوع من الانشغال النرجسي بحزني الشخصي الذي قيّد إمكاناتي و منعني من الكتابة و عمّق من التأثير المنسيّ لخساراتي الشخصية السابقة ” . ليس من المثير للعجب أنّ موريسون تفضّل دوماً التركيز على الاندفاع الى الأمام و تقول في معرض وصفها لقدرتها على الاندفاع و المواصلة ” أن عملي في الكتابة هو ما يمنحني الطاقة و القدرة على مواصلة الحياة بشغف ” ، و قد تعاونت موريسون مؤخّراً مع مخرج الاوبرا ( بيتر سيلارز Peter Sellars ) في عرض مسرحي يمكن اعتباره إعادة كتابة للثيمات الشكسبيرية ، و قد انطلق تعاونهما المشترك عندما زارها المخرج في مكتبها بجامعة برينستون حيث كانت ما زالت تعمل منذ عام 1989 .
تقول موريسون بشأن هذا التعاون الدرامي ” في موضع ما من حديثي مع سيللرز تحدّثنا عن دزدمونة ” ، و تمضي في إكمال حديثها مشيرة الى تلك الشخصية الشكسبيرية التي فرّت مع حبيبها عطيل حيث تلقى مصرعها على يديه ” بدأت الحديث عن حقيقة أنّ دزدمونة غالباً ما يتمّ تصويرها كفتاة خرقاء تختار الهروب مع شاب غرّ الى حيث المجهول ، و لكنني أراها فتاة مميّزة و مختلفة عن قريناتها لأنّ مسألة مغادرة فتاة صغيرة لمنزلها و اختيار الارتماء في أحضان المجهول لم يكن بالأمر الهيّن في تلك الأيام . أراها فتاة جامحة في فضولها و أرادت أن تختبر الحياة مع حبيبها الصغير خارج جدران المنزل ،،، اختارت خوض الحرب مع المجهول و فضّلتها على الارتماء في سكينة المنزل و طمأنينته ” .
كانت أعمال موريسون منذ سبعينات القرن المنصرم و حتى اليوم تعدّ ضمن قائمة القراءات المطلوبة للمقرّرات الدراسية في معظم المؤسّسات الأكاديمية الأمريكية ، و مع أنّ رواياتها تتناول الموضوعات العرقية و الجندرية الّا أنها تعدّ عالمية التوجّه ، و تبدو شخصيّات رواياتها دوماً ذات سمات شجاعة و بطولية و اقتحامية مع أنّها تنسحق داخل عائلاتها و طبقتها الاجتماعية و تعاني خذلاناً في تقدير الذات و بخاصة في تلك الحقب المخجلة من التأريخ الأمريكي : ففي رواية ( محبوبة ) مثلاً تقدم الشخصية الرئيسية في الرواية على قتل ابنتها عندما تراها تستحيل واحدة من الرقيق ، و قد عدّت موريسون شخصية عامة لمدى من الزمن يتجاوز أكثر من نصف حياتها و تدعّمت شخصيتها و نجوميتها عندما جعلتها ( أوبرا وينفري ) واحدة من أهمّ الشخصيات التي انضمت مبكراً الى نادي الكتاب الذي أسّسته وينفري منتجة فيلم ( محبوبة) وإحدى بطلاته ، و لا زالت موريسون تتذكّر كيف أنّ ( مارلون براندو ) كان يتّصل بها عبر الهاتف ليقرأ لها المقاطع المفضّلة له من رواياتها ، و لكن موريسون نالت حصّتها أيضاً من النقد الجارح و بخاصة من جهة الناقد النزق و غريب الأطوار ( ستانلي كروتش ( الذي قلّل من أهمية رواية ( محبوبة ) واصفاً إياها ” رواية هولوكوست ذات وجه أسود !! ” .
لا يبدو أن موريسون منشغلة كثيراً بالمجادلات الفنية المحتدمة اليوم ، و هي في العموم تطري على ( ليدي غاغا ) لكنها تتردد كثيراً في الحديث عن ( مادونا ) و ترى أنها قد تسبّبت في احراج الكثير من المسلمين و جعلت وجوههم تصطبغ باللون الوردي عندما ظهرت على المسرح في إسطنبول و هي ترتدي حمّالة صدر صغيرة و تؤدّي حركات استعراضية ذات دلالات جنسية خادشة .
ولدت موريسون في مدينة صناعة الحديد ( لورين ) بمقاطعة أوهايو الاميركية وسط عائلة كادحة حيث كان والدها يعمل لحّاماً و كانت والدتها تغنّي في الجوقة الكنسية ، و مع أن عائلة موريسون لم تقطن في الجنوب الأمريكي لكن أحوال التمييز العنصري و تداعياته المؤذية ما انفكّت تلقى بآثارها على أحاسيس موريسون الصبية التي لم تكن تطمح يوماً أن تكون كاتبة على الرغم من شغفها الشديد بالقراءة فقد قرأت أغلب أعمال تولستوي و دوستويفسكي و جين أوستن في وقت مبكّر من حياتها . كانت موريسون طالبة مواظبة في المدرسة و مكّنها تفوّقها الدراسي من الالتحاق بجامعة هوارد و الحصول على شهادة الأدب عام 1953 و من ثم اكمال دراستها العليا في جامعة كورنيل و الحصول على الماجستير عام 1955.
________
*المدى