*فاروق الحبالي
« كيف تتحمَّل كل هذه القسوة؟ من حقِّـك أن تُدين هذا العالم، يكفي أن تكون إنساناً فقط».
كتب هذه الكلمات وهو يحتضر، رأسه أصبحت كقنبلة موقوتة، سوف تنفجر حتماً في وقت قريب جدّاً حين لم يحصل من صديقه على ثمن سيجارة، أو وجبة طعام تطفئ الجوع الذي يؤلمه. خجله يحيط به من كل اتجاه، صاحب المحلّ الذي يصوِّب عينيه على شباك مسكنه، وأيضاً جاره الذي لا يطيق أن يرى وجهه. يبحث عن وسيلة تبعده قليلاً عن هذا الجو المعبّأ برائحة الموت، ارتدى ملابسه ورحل إلى منزل أخيه، يلمح سيارته من بعيد فيطمئنّ لوجوده، يصعد ويضغط جرس الباب، فينفتح ليكشف عن شقة فسيحة وأجهزة كهربائية متعدِّدة، في كل مكان تقع عليه عيناه، لكن وجهه الغاضب حين رآه يقف أمامه، لم يجعله يرحِّب به رغم وحدته الشديدة، إذ إنه لم يرزق بمولود طوال عشرين عاماً مضت.
– توقَّف، لا تُرِني ابتسامتك أيها الشيطان.
لم يبق له سوى غرفته التي تحميه من العراء، الرطوبة التي أسقطت البياض ترسم أشياء مخيفة، وأيضاً لونها الذي اكتسى بالتراب.. كل هذا لا يعنيه، ما يعنيه فقط هي الجدران التي تكتسي بخجله الشديد.
– لِمَ كل هذا الصمت أيها الملعون؟ أتسمعني؟
السماء، الليلة، صفاؤها غريب لم يُرَ مثيله من قبل، ولكن، أين ذهبت السحب المتقطِّعة التي تحتجز ضوء القمر؟ أين أدخنة المصانع التي تغطّي سماء القاهرة؟ نفير القطارات- فقط- هو الذي ازداد هنا. الناس في الشوارع يحملون حقائبهم ويرحلون، المقاهي وسط المدينة أغلقت أبوابها، السيارات الحمراء أصبحت بلا ناس، فارغة.
تأمَّل كل الأشياء من حوله هادئة ومريحة، لم يصدق ما يجري فوق أرصفة القاهرة، لكنه سمع صوت السائق يهنِّئ صديقه الكمساري، بحلول عيد الأضحى. قرابة صلاة العصر، مكبِّرات الصوت تبعث التكبيرات إلى الآذان.
صرخ:
– لماذا دفعني أخي بقوة حين طلبت منه خمسة جنيهات؟
عاد إلى غرفته، تأمَّل الأقفال بالغرف الأخرى التي تشاركه الشقة، الصمت يرسم فوق الحوائط حزناً قديماً. وضع مفتاحه في القفل وأزاح الباب، تأمَّلَ مكتبته وهجم عليها غاضباً، حمل بعض الكتب لتشيكوف، ونجيب محفوظ، والبعض من موسوعة مصر القديمة، حملها جميعاً ورحل بها إلى سور الأزبكية… لكنه فوجئ بأن السور كله مُغلق، وليس هناك غير لافتة ورقية فوق كل باب:
– كل عام وأنتم بخير.
عاد إلى الغرفة ليعيد ترتيب الكتب مرة أخرى. وأحسّ بالتعب… فنام.
_________
*الدوحة