*ترجمة وتقديم: لطفية الدليمي
“أثق بشيء آخر غير غرائزي وهو ذكائي في امتحان غرائزي و فحصها ومعرفة مدى قدرتها على الفعل والإنجاز”
القسم الأول
توني موريسون Toni Morrison ( اسمها الأصلي كلوي أنتوني ووفوورد Chloe Anthony Wofford) : كاتبة أمريكية ذائعة الصيت و معروفة بكتابتها عن تجربة السود ( المرأة السوداء بخاصة ) وسط المجتمع الأسود ، و قد نالت شهرة عريضة و حصلت على جائزة نوبل للأدب عام 1993 ، كما قلّدها الرئيس الأميركي باراك أوباما مؤخراً وسام الحرية الأميركي وهو أعلى تقدير يمكن أن يحصل عليه فرد من الأميركيين من غير العسكريين ، و تعدّ من بين أعاظم الروائيين الأميركيين الأحياء .
ولدت ( توني موريسون ) في 18 شباط 1931 في مدينة لورين بمقاطعة أوهايو الأميركية و نشأت في منطقة الغرب الأوسط الأمريكي وسط عائلة تكنّ حبّاً لا حدود له لثقافة السود ، و قد شكّلت القصص المروية شفاهياً مع الأغاني و الحكايات الفلكلورية المعين الثرّ الذي نهلت منه موريسون معظم خبرتها الطفولية. حصلت ( موريسون ) على شهادة البكالوريوس في الأدب من جامعة هوارد عام 1953 ثم أعقبتها بشهادة الماجستير من جامعة كورنيل عام 1955 و مارست التعليم الجامعي في عدة جامعات أمريكية حتى انتهى بها المطاف أستاذة في جامعة برينستون الأميركية المرموقة منذ عام 1989 و حتى يومنا هذا ، كما عملت محررة للنشر في فترات مختلفة من حياتها في بعض دور النشر الأميركية و لاسيما دار نشر ( راندوم هاوس ) المعروفة .
نشرت ( موريسون ) روايتها الأولى ( العين الأكثر زرقة ) عام 1970 و فيها تحكي عن فتاة سوداء بالغة تقع ضحية فكرة هوسها بمعايير الجمال طبقاً لمواصفات المجتمع الأبيض الى حد قضت فيه حياتها و هي تتوق لامتلاك عينين زرقاوين ، ثم نشرت روايتها الثانية ( سولا ) عام 1973 و التي تناقش فيها – من بين موضوعات كثيرة – ثيمة ديناميكية الصداقة و التوقّعات الخاصة بالتوافق مع المعايير المجتمعية ، ثم ظهرت روايتها الثالثة ( أنشودة سليمان ) عام 1977 و التي تروى أحداثها على لسان راو شاب يحكي رحلة بحثه عن هويته الذاتية . و قد جعلت هذه الرواية من موريسون أسماً ذائعاً بين الأسماء الروائية في المشهد الثقافي الأمريكي ، ثم توالت أعمالها الروائية : ( المحبوب ) 1987 التي حصلت على جائزة البوليتزر للرواية ، ( جاز ) 1992 ، ( الفردوس ) 1998 ، ( حب ) 2003 ، ( شفقة ) 2008 ، ( المنزل ) 2012 ، كما نشرت موريسون بالمشاركة مع ابنها سليد Slade – الذي توفي بعمر 45 عاماً نتيجة اصابته بسرطان البنكرياس – بعضاً من الأعمال الروائية المخصصة للأطفال .
الثيمة الأساسية في روايات موريسون هي السعي الحثيث للأشخاص السود في إيجاد ملامح هويتهم على المستويين الذاتي و الثقافي وسط مجتمع تشيع فيه مظاهر اللاعدالة و اللامساواة ، و يعدّ استخدام ( توني موريسون ) للفانتازيا و الأسلوب الشعري ومزاوجة الواقع بالأجواء الأسطورية إحدى الميّزات التي تختص بها موريسون في رواياتها وهي الميّزات ذاتها التي منحت رواياتها طاقةً سردية عظيمة .
نشر النص التالي في صحيفة ( التلغراف ) اللندنية في 17 تموز 2012 بقلم ( أريل ليف Ariel Leve ) و هو أشبه بحوار غير تقليدي مطعّم بملامح تنقيبية تلقي الضوء على أعمال موريسون و حياتها في مقاطع زمنية مختلفة.
لطفية الدليمي
ليس من شيء يخصّ توني موريسون إلا ويبدو مميّزاً : الطريقة التي تفكّر بها ، و إيقاع كلامها ، و مظهرها بل و حتى ضحكتها المجلجلة !! . إن صوت توني موريسون في حياتها كما في أعمالها لم يزل يؤكّد حضوره الملحمي الواثق و المستديم ، وعلى الرغم من أن موريسون تبدو في صورها ذات نظرة محدّقة واسعة و حضور طاغ لكنّك عندما تلتقيها شخصياً تبدو مفرطة في الاسترخاء و الدعة مع أن حضورها الطاغي لا ينفكّ دوماً يبوح بهيمنته . التقيت ( توني موريسون ) في إحدى الشقق النيويوركية و هي تتهيأ للمغادرة الى بيتها القائم على ضفة نهر يبعد نحو خمسةً و عشرين ميلاً الى الشمال من نيويورك : كانت موريسون مرتدية وشاحاً للرأس يغطي خصلات من شعرها الرمادي وبدت كما تظهر في صورها تماماً و كانت ثمة سلسلة ذهبية تتدلّى من عنقها على فستانها الأسود وتنتهي السلسلة بقلب حـُفر في أحد الأحجار الكريمة . و قد لاحظت موريسون انتباهي الى أنها كانت تتلمّس هذا القلب طيلة فترة لقائنا فما كان منها الا أن تخبرني بالأمر ، فهذا الحجر يحمل معنىً خاصّاً أثيراً لقلبها ويرتبط بحادثة وفاة ابنها ( سليد ) الذي وافاه الأجل قبل تسعة عشر شهراً من تاريخ حوارنا هذا و هو لمّا يتجاوز الخامسة و الأربعين بعد .
توني موريسون : أحد أعاظم الروائيين الأمريكيين الأحياء و هي الحائزة على نوبل للآداب عام 1993 ، الروائية التي أمست أيقونة أدبية والتي عرف عنها أنها احتفلت بعد سماعها بخبر نيلها جائزة نوبل بالرقص داخل أروقة مكتبها ،،، هذه المرأة – الروائية – الأيقونة أراها اليوم جالسة أمامي كلبوة ملكية وقد ثبّتت قدميها برسوخ على الأرضية المرمرية و كانت تحدّق مباشرة في عينيَّ طيلة الوقت الذي تحاورنا فيه . كتبت موريسون عشر روايات و حصلت على عدد من أكثر الجوائز الأدبية أهميةً في العالم ، فقد نالت روايتها ( محبوبة Beloved ) على جائزة البوليتزر وعدّتها صحيفة النيويورك تايمز العمل الأفضل بين الروايات الأمريكية للأعوام الخمس و العشرين المنصرمة ، كما حصلت روايتها الأخرى ( أنشودة سليمان Song of Solomon ) عام 1977 على جائزة حلقة نقّاد الكتاب الوطني ، و كانت الرواية الأولى لـ ( موريسون ) المعنونة ( العين الأكثر زرقة The Bluest Eye ) قد نشرت عام 1970 عندما كانت في التاسعة و الثلاثين من عمرها و تعمل محرّرة في دار نشر ( راندوم هاوس Random House ) و لأن نجاحها الأدبي قد حلّ متأخراً بعض الشيء ،يحقّ لنا أن نتساءل : متى بدأت موريسون تثق بأن غرائزها تقودها الى النجاح ؟
تقول موريسون و هي تدقّق في جوابها:
” أثق بشيء آخر غير غرائزي و ذاك هو ذكائي في امتحان غرائزي و فحصها و معرفة مدى قدرتها على الفعل و الإنجاز ” .
تزوّجت موريسون عام 1958 من المعماري هارولد موريسون – الذي أخذت عنه اسمها المتداول اليوم – عندما كان الاثنان يدرسان في جامعة هوارد في واشنطن العاصمة ، و عندما انفصلا عام 1964 كانت موريسون حاملاً ، و بعد طلاقهما النهائي وجدت نفسها متروكة لوحدها و يتوجّب عليها العناية بطفلين صغيرين : ( هارولد ) و ( سليد ) . حصلت موريسون بعد طلاقها على الماجستير من جامعة كورنيل و صارت أمّاً عزباء تعمل محرّرة للمقرّرات الدراسية في دار نشر ( راندوم هاوس ) و لم تتزوج موريسون ثانية ، تعلّق موريسون على تلك الفترة من حياتها بالقول ” لا أظنّ أنني عملت بأفضل ماكان باستطاعتي عمله بل اكتفيت بأداء ماكان مطلوباً أداءه و حسب كما كانت ستفعل أية أمّ أمريكية عاملة” ، ويبدو لي هنا أن موريسون قد جانبت الحقيقة في قولها هذا إذ ليست كل الأمّهات العاملات الأميركيّات ينهضن في الرابعة فجراً من كل يوم و يشرعن في الكتابة ثم ينصرفن الى أعمالهنّ اليومية المعتادة وقد أضحت هذه العادة تقليداً يومياً تحرص عليه موريسون منذ تلك السنوات و حتى اليوم.
يتبع
______
*المدى