*مهند النابلسي
( ثقافات )
في هذا النص الممتع للكاتب الكولومبي الراحل ما يثير الدهشة والفكاهة، فهو حافل بالمعاناة الواقعية التي تفضح زيف الحياة الزوجية، حيث نقرأ الزوجة تقذف بالشتائم باتجاه زوجها الصامت المنزوي في كرسيه كجثة محنطة، يقرأ جريدة قديمة ببرود واستكانة! والغضب ليس موجها ضد زوجها “المسكين” بالضرورة، انما هو موجه مجازا ضد الطبقة العليا العاطلة المتفسخة، انه نص صريح يمكن أن تملكه ملايين النساء في أرجاء المعمورة، والصراحة المطلقة هي شعار هذه الرواية القصيرة الفريدة بنمطها الروائي: أن يتركني المرء فقط لأتكلم، فليس هناك شيئا أكثر شبها بالجحيم من زواج سعيد…يوما بعد يوم، طوال خمس وعشرين عاما مميتة، حيث تصرخ الزوجة بتعبيرات مثل “الغائط الذي يشبه العالم”، أليس ذلك حقيقة في عالمنا المرعب المتناقض المليء بالظلم والنفاق والغرائب واللامنطق؟! ثم تتحدث عن الحياة اليومية بواقعية صارخة: أشم رائحة السمك المقلي تلك، واصغي لصياح الزنجيات اللواتي يمارسن الحب في منتصف النهار بأبواب مشرعة! الاثنان نائمان تحت شبكة النوم، ومكان حار آخر لاثنين، وبمرحاض طافح بانفجار الروائح النتنة، ومن صوت تكسر الأمواج في بحر هائج.
ثم أنها تستعيد شريط حياتها نادمة: سأكون محظوظة لو اني ورثت فضيلتها برؤية الأشياء قبل حدوثها! ثم تكشف النقاب عن النفاق الاجتماعي الذي يجبرنا أحيانا على تلبس هويتين: الوجه الذي يرينا اياه، والوجه الآخر الذي لا بد ان يكون أسوأ! وتتحدث عن الزهو العلمي المزيف الدارج: دكتوراة في الجامعة، فبأي شيء لا يهم. وفي واقعية سيريالية يتميز بها ماركيز، تستعرض علاقاتها الزوجية: بأني ذات ليلة ألقيت نفسي من النافذة في المياه، ورحت أبحث عنك سابحة تحت الماء…أية روعة! هكذا بدون السوتيان ذو الأبزيم، وبتنورة بلا بطانة، وبدون سروال القطيفة الهندي، هكذا لاشيء للاشيء، أنا متهيئة لك جديدة، اوبخ نفسي في الوحل المتعفن مثل كلبة شارع مشردة!
وبفخرلا يخلو من السخرية تشير للاصول العربية لعائلة زوجها: …كان يذهب الى الحلاق مرة واحدة في الاسبوع لكي يقصوا له “الزلوف”، ويتفاخر في المجتمع بأن لأولاده نفس الرموش العربية لعائلة “خارايزلابيرا”! ثم تتهكم من بؤس عادات زوجها المتقاعد: هاهي جريدة اليوم، لكي تعطيك الراحة التي تستحقها، لابد أن تكون قد محيت من كثرة قراءتها!
____________
(يتبع)