*عدنان حسين أحمد
يعرض في صالات السينما البريطانية الآن عددا من الأفلام الروائية الحديثة لعل أبرزها فيلم “قبل أن أذهب إلى النوم”، للمخرج البريطاني روان جوفي الذي بلغ رصيده الإخراجي أربعة أفلام روائية من بينها “حياة سرية”، و”صخرة برايتون”.
على الرغم من أن هذا الفيلم مقتبس عن الرواية الأولى للكاتب البريطاني ستيفن. ج. واتسون التي تحمل الاسم ذاته، والتي عدّت الأكثر رواجا بعد ترجمتها إلى 30 لغة عالمية وبيعها في 42 بلدا، إلاّ أن الفيلم لم يرق إلى مستوى هذه الرواية الناجحة وشهرتها الفنية الواسعة.
وفي السياق ذاته لم تنفع الأسماء الفنية الراسخة مثل نيكول كيدمان التي تألقت في “الساعات” و”الآخرون”، وكولن فيرث الذي أبدع في “المريض الأنكليزي” و”خطاب الملك” تحديدا، وحتى الفنان مارك سترونغ الذي يقترن اسمه بعدد من الأفلام المهمة مثل “الفانوس الأخضر” و”كتلة أكاذيب” تمثيلا لا حصرا.
فقدان الذاكرة
لم يعد فقدان الذاكرة موضوعا جديدا في السينما والتلفزيون على حدّ سواء، فلقد تمّ تناوله عشرات المرات من قبل مخرجين من مختلف أرجاء العالم، حتى أوشكت هذه الثيمة الدرامية لكثرة تكرارها أن تستنفد قوتها.
لكننا في المقابل نعوّل كثيرا على مقاربة المخرج ورؤيته الإبداعية المتفردة التي تعالج الثيمة معالجة جديدة تختلف عن كل المعالجات السابقة بالتعاون مع كاتب النص ومُقتبسه. يا ترى، هل يلمس المتلقي مثل المقاربة الجديدة التي لم تطرق من قبل، أم أن طريقته في التعامل مع الفكرة الرئيسة لم تختلف كثيرا عن مقاربات المخرجين الآخرين؟
توحي اللقطة الافتتاحية في الفيلم التي تبدأ في غرفة النوم، وتنتهي على سرير في مستشفى، بأن كريستين لوكاس “كيدمان”، قد تفاجأت بوجود الشخص الذي يرقد بجوارها، حيث ترفع يده اليمنى التي تحتضنها كأنما ترفع شيئا غريبا ومتطفلا عليها.
وحينما يستفيق تسأله: من أنت؟ فيرد عليها: إنني زوجكِ، ثم يسرد لها قصة، سنكتشف لاحقا أنها ملفقة، لكن بعضها ينطوي على معلومات دقيقة تتطابق مع تاريخها الشخصي، مثل زواجها من بِن لوكاس “كولن فيرث” عام 1999 وإنجابها ولدا، اسمه آدم توماس الذي غدا الآن صبيا يافعا.
فإذا كان بِن لوكاس شخصا مدعيا، وزوجا زائفا يتمترس وراء بعض المعلومات والحقائق التي استقاها من هنا وهناك، فمن هو زوج كريستين الحقيقي؟ ولماذا توارى وغاب عن الأنظار كليا؟ وهل ثمة أمل في عودته ذات يوم؟
ربما يعتبر البعض أن المخرج روان جوفي قد لوى عنق القصة السينمائية، وحوّلها من دراما سايكولوجية إلى قصة من قصص الجريمة، التي تنطوي هي الأخرى على إثارة ورعب وكوابيس متواصلة، ولكنها خلقت حدّا فاصلا بيننا وبين كريستين التي تواجه مصيرها المرعب لوحدها، وتحوّلنا نحن كمشاهدين إلى متلقين سلبيين لا نتعاطف مع الأحداث كثيرا، ولا نشترك في التفاعل معها على الأقل.
ثمة عدد محدود جدا من الأشخاص الذين سوف يساهمون في حلّ اللغز الذي تعيشه كريستين بعد حادثة السيارة المروعة، التي سببت لها أضرارا فادحة في الرأس أفضت بها إلى الفقدان الكلي للذاكرة. فهي لم تعد تتذكر أنها كاتبة ولم تعرف مهنتها السابقة، ولا تستطيع أن تسترجع أيّ شيء من شريط حياتها الماضية على مدى أربعة عقود، وأكثر من ذلك فهي لا تعرف من هي، ولا تعرف اسم المكان الذي تقيم فيه!
يلعب الدكتور ناش “مارك سترونغ” دورا مهما في سياق الأحداث على الرغم من فشله في علاجها، لكنه يحرّضها يوميا على أن تسجل بعض الحوادث التي تتذكرها فيديويا، وتراجع عشرات الصور المعلقة على جدارن منزلها، ويزودها ببعض المعلومات الحساسة التي تتعلق بزوجها بِن لوكاس الحقيقي وابنها آدم الذي لم تتذكره مطلقا.
وحينما يكتشف الزوج المتنكر مكالماتها الهاتفية مع الدكتور ناش، الذي بدأ يضع خطواتها على السكة الصحيحة التي قد تفضي إلى استرجاع ذاكرتها، يبدأ بضربها وتعنيفها ويطلب من الدكتور ناش أن يبتعد عن طريق زوجته.
حل العقدة
تسهم كلير، الصديقة القديمة لكريستين بالكشف عن شخصية بِن لوكاس، حينما تسألها مصادفة أن تصف لها المعالم الخارجية له، وتسألها إن كان لبِن ندبة في خده الأيمن أم لا؟ لنكتشف نهاية المطاف بأن بِن لوكاس الحقيقي، قد أخذ ابنه المريض وسافر بهدف علاجه، كما أنه قد طلّق كريستين قبل أربع سنوات.
لا شك في أن اللغز يتضح في المشهد الأخير من الفيلم، حينما يأتي بِن لوكاس الحقيقي بندبته الطويلة على خده الأيمن ليسرد لها باختصار شديد القصة كاملة، ويدعو في النهاية ابنه آدم ليعانق والدته، في مشهد درامي مؤثر يخلو من النفس الميلودرامي الذي يستجدي عطف الآخرين أو يستدرّ دموعهم. ولعل هذه النهاية المتقنة هي التي أنقذت الفيلم من بعض هفواته المضمونية التي أبعدته عن السياق الدرامي، وأسقطته في فخاخ الرعب والجريمة والعنف المنزلي.
_________
*العرب