*بوعلام رمضاني
تكتسي إعادة نشر كتاب “محمد رسول الإسلام” للراحل روجيه كاراتينيه في فرنسا أهمية استثنائية مزدوجة المعنى والأبعاد على الصعيدين الفكري والأيديولوجي على حد سواء، وهي تهدف إلى التعريف بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم خلافا لما تروج له الآلة الإعلامية المسيطرة والمثقفون الذين يخلطون بين الإسلام والإرهاب.
كما يمثل الكتاب حقيقة شامخة تفند الخطاب المغرض وتؤكد عظمة رجل غيّر تاريخ الإنسانية بشكل غير مسبوق بفضل شخصيته المتكاملة الأركان، والقائمة على قدرة دعوية خارقة وملهمة ورؤية تشريعية وسياسية وإستراتيجية وقوة عسكرية وإنسانية ملؤها المحبة والتسامح.
وتمثل القيمة الفكرية والمقاربة المنهجية والعميقة والمفصلة والروح البحثية الشاملة والمعالجة العلمية الرصينة حقائق بررت إعادة طبع الكتاب من قبل “دار أرشيبال” بعد مضي 12 عاما من صدور الطبعة الأولى.
روجيه كاراتينيه (1924-2009) كورسيكي المولد، وهو عالم رياضيات وفيلسوف علوم ومؤرخ موسوعي وصاحب عدة كتب، من أهمها “التاريخ النقدي للفكر الاجتماعي” و”الفلسفة ” و”سنة الفلسفة” و”الإسلام هذا المجهول”، و”التعريف بالإسلام” وهو الكتاب الذي ألفه مع الدكتور حسين رايس المدير السابق للشؤون الثقافية بمسجد باريس والمسؤول الذي استقبله كمحاضر أكثر من مرة.
وكان كاراتينيه الوحيد الذي انفرد بتأليف موسوعة كبيرة في 23 جزءا، كما أنه مؤلف كتاب “عبقرية الإسلام الحضاري” الذي صدر عن دار “ميشال لافو”.
تفاصيل مدهشة
تناول المؤلف الراحل شخصية وعظمة إنجازات الرسول صلى الله عليه وسلم في 657 صفحة من القطع المتوسط، معتمدا مقاربة تاريخية ووصفية وتحليلية في الوقت نفسه، وهو الأمر الذي جعل كتابه يتضمن تفاصيل مدهشة أعطت لمؤلفه خصوصية غير مسبوقة وقوة علمية وبحثية كبيرة.
وتبينت هذه الحقيقة في بابي الفهرس الذي شمل المرحلة الأولى التي قضاها في مكة، والمرحلة الثانية التي تؤرخ لهجرته إلى المدينة، حيث عالج في الباب الأول مواضيع الجاهلية وطفولة وشباب الرسول صلى الله عليه وسلم وليلة القدر والنبي الذي تحول إلى رسول ونهاية الحلم المكي والهجرة الليلية القسرية إلى المدينة.
وفي الباب الثاني بحث المؤلف إقامة الرسول صلى لله عليه وسلم في المدينة، ونساءه، خاصة علاقته بعائشة أم المؤمنين، وأسهب بشكل تفصيلي عند حديثه عن هذا الجانب تماما كما فعل عند تاريخ وجغرافيا الجزيرة العربية والقبائل والأنبياء الآخرين والتحولات والأحداث والحروب والصراعات، إضافة إلى علاقته الأولى باليهود في المدينة وصلاة الجمعة وغزوتي بدر وأحد ومسجد القبلتين ورمضان وعيد الأضحى وصلح الحديبية ومحاولة زينب بنت الحارث اليهودية تسميمه والعمرة التي أداها وفتح مكة، وأخيرا حج البلاغ وخطبة الوداع قبل وفاته بثلاثة أشهر.
حياد وإعجاب
من جانبه، أكد الدكتور حسين رايس -الذي عرف وعاشر المفكر الراحل ووقع أيضا مقدمة كتابه “الإسلام هذا المجهول”- أهمية إعادة نشر كتاب كاراتينيه اليوم، معتبرا أن عودة الكتاب لسوق الكتب الخاصة بالإسلام لا يمثل فقط إنجازا فكريا علميا متميزا بل ويرد على الفرنسيين والأجانب الذين يكنون العداء للإسلام نتيجة جهلهم به خلافا لكاراتينيه الذي درسه محايدا قبل أن يعجب بدين أثبت من خلال كتبه أن الجهل كان السبب الأول في معاداته.
وأضاف رايس أن كاراتينيه لم يكن حاملا أفكارا مسبقة جاهزة عن الإسلام وصحح الكثير من الهفوات واقتنع بتصحيح طريقة كتابة اسم الرسول من “ماهوميه” -كما يكتبه الفرنسيون- إلى “محمد” استجابة له.
من جهته، أكد الناشر جان دانيال بلفو للجزيرة نت أن إعادة طبع الكتاب تستجيب لطلب الكثير من الفرنسيين والمسلمين لهذا النوع من الكتب النادرة التي تعطي صورة موضوعية عن الإسلام بعيدا عن الأفكار المسبقة.
_____
*الجزيرة