*قاسم حداد وسعد الدوسري وعادل خزام
هذا صباح يذكرني بالشمس.
هل رأيتم شمسا في الأيام الأخيرة؟
لا يليق بنا، نحن الذين نعيش في رحم الشمس،
أن نقرأ هذا السؤال.
لدينا من الشمس ما يحرق نعاس كل من يفيق الآن، ويفكر في العودة للنوم.
يحرقه ويتصدق برماده على فقراء الجليد.
ثمة المفارقة،
عوض أن تضيء لنا الشمس، فهي تحرقنا.
ما الذي يبقى لجهنم إذن؟
جهنم هي التي تضيء الطريق للفردوس،
هي التي توقد الشمس حين يعتريها اليأس ويطفئ لهيبها الملل،
هي التي نمتحن بها صبرنا.
ما هو ليس ليلا، لا يكون نهارا بالضرورة.
الليلُ ياقة قميص النهار،
لن يسترَ عنقك،
لكنه سيُبرئُ ربطة نشوتك.
هي الأشلاءُ،
هوية خطواتِكَ المتعثرة في غبارِ المسافة،
وشمُ جلدِكَ العربي المثخنُ بالجليد.
هي أن يكون مبتدؤكَ القتل الصباحي،
وخَبرُكَ أدوية الهدوء.
فهل ستهدأُ؟!
هل سينقشعُ الغبارُ، ويتبخر الوشمُ؟
تجلس في شفير شغف. تسمع ماءَ القلب يشرقُ بالحب، فتظن أنه صباحُك المنتظر. تزعم أن أصدقاء لك في شفير الشغف الآخر يقدرون على تأجيلك حتى الشهقة التالية، فتفتح أجنحتك، تنسى أنكَ قد نسيت عادة الهواء منذ الموت الأخير قبل الربيع الماضي، كنت تقول إن الماضي لا يذهب والمستقبل لا يأتي. أصدقاؤك يسعفونك قبل نهاية الشفير بمتر واحد من الشغف. تحلم.
إنهم هناك، في وعورة أنسابهم،
مربوطون بما يمنع الطين من الاحتفاظ بعود،
دروبهم زلقة، وكلما عبروا.. انحرفوا للشفير الأخير.
وأنتَ هنا، تسمع تنهدات من ماتوا وهم ينادونك،
ولشدة شوقهم أدمنوا وصفك كغيم محتمل،
فلا النجوم بعد ذلك بعيدة، ولا المسافة عرجاء.
رأيته وهو يقطف الأحرف من حنظل البكاء،
ويغرزها في برودة الكفن.
انتظرَ حتى سعلَ الحاجب سعلتَهُ المعتادة، ثم كبّر.
وفي نهاية الفريضة، جفّتِ الوجوهُ، فاستسقى لهم راحته وارتخاء أوصاله.
كانت خطواتهم الحافية تنزع من الأرض نكهتها الأخيرة،
كان يسمع تلك النكهة كبرق يضيء المسافة الأخيرة.
بعد قليل ستمطر،
ستظلم ثم ستمطر.
يتدحرجُ الصمتُ بينهما،
فيكبرُ الجليد.
وكلما يحاولُ أن يشعلَ الطريق،
يحترقُ النص.
النص أكثر حريقا من الشخص.
الشخص في غيهب الغياب.
يرقّمُ الحصى بدم الجملة،
فيلتهمه ذئب المعنى.
يتأجج ذائبا كذئب حزين، شوقا إلى كهفه الأول.
في الكهف،
القِبلة هي خريطة عظامه،
والحطبُ الباردُ كنزُ صلاتِه.
يبقى له أن يثق،
أن يؤمن،
أن تصيبه رعشة الأمل.
يبقى له.
لكن من أين،
كيف؟
_________
*الشرق الأوسط