*جيسيكا لاهي/ ترجمة: أحمد شافعي
ستيفن كينج مدرسًا للنحو والكتابة:-
كان كتاب ستيفن كينج «عن الكتابة: مذكرات الصنعة» من ثوابت الدراسة في قسم اللغة الإنجليزية لسنوات، لكن لم يحدث حتى بدأت التدريس هذا الصيف في مركز لتأهيل مدمني المخدرات والكحوليات أن اكتشفت مدى قيمة هذا الكتاب. فقد كافحت لأسابيع مع طلبتي المراهقين الرافضين المحبطين المعانين من آثار التخلص مما في أجسامهم من سموم. اقترحت عليهم أفضل ما لديَّ من دروس وجرَّبت عليهم أبرع حيلي، وباستثناء قراءة قصة «القلب الواشي» المثيرة لإدجار آلن بو، لم أنجح في إثارة انتباههم أو خيالهم.
إلى أن جاء يوم وزعت فيه نسخاً من «عن الكتابة».
مذكرات الصنعة لستيفن كينج أكثر من مجرد بيان بأدوات الكاتب أو نظرة تلصص على حياته الكتابية الناجحة الغنية. كينج يتذكر في كتابه هذا السنوات التي عمل فيها مدرسا في مدرسة ثانوية، وتعافيه من إدمان المخدرات والكحوليات، وحبه للتلاميذ («حتى المشاكسين منهم والمشاغبين»).
والأهم من ذلك، أنه يأسر القارئ بسرده الأمين للتحديات التي واجهها، ويعد بالخلاص كل من يأتي إلى الصفحة البيضاء، وهو يعرف ماذا يريد.
طلبت من كينج أن يتوسع في الكلام عن أحب أجزاء «عن الكتابة» إلى نفسي: أساسيات التدريس، وتفاصيل النحو العنيدة، وأفكاره عن كيفية تنمية حب اللغة في جميع تلاميذه.
***
كتبت أنك كنت «ناجحاً» في تدريس النحو. ما تعريفك لـ«النجاح» في التدريس؟
النجاح ابتداء هو القدرة على جذب انتباه الطلبة، ثم حملهم بعد ذلك على رؤية أن القواعد بسيطة فعلاً. دائما ما كنت أبدأ بأن أطلب منهم ألا ينشغلوا كثيراً بالأفعال الشاذة (swim، swum، swam) وأن يتذكروا فقط أن يجعلوا الفاعل والفعل متوافقين. التزموا بالبساطة يا أغبياء.
عندما يطلب الناس مني أن أعدد كتبي المفضلة، أطلب منهم مزيدا من التحديد: أحَب الكتب للقراءة أم للتدريس؟ أنت تقدم قائمة مذهلة من الكتب للقراءة في نهاية «عن الكتابة»، ولكن ما الكتب التي كنت تفضل تدريسها، ولماذا؟
فيما يتعلق بالأدب، لم أكن أكثر توفيقا مع طلبة المدارس الثانوية مما كنت عليه عند تدريس قصيدة «السقوط» الطويلة لجيمس ديكي. وهي عن مضيفة جوية وقعت من طائرة. فيرى الطلبة على الفور أنها استعارة ممتدة للحياة نفسها، من المهد إلى اللحد، وتعجبهم لغتها الثرية. حققت نجاحا طيبا مع «سيد الذباب» [ل وليم جولدنج] وقصتين قصيرتين هما «الشقراء الضخمة» [ل دوروثي باركر] و»اليانصيب» [ل شيرلي جاكسن] (والأخيرة ناقشوها حتى أخرجوا أقذر أمعائها، أبتسم كلما تذكرت ذلك). لا يوجد من يضع كتابا في النحو ضمن قائمة كتبه المفضلة، لكن «عناصر الأسلوب» لا يزال كتيباً جيداً. والأولاد يحبونه.
تكتب «إما أن يكون المرء مستوعباً مبادئ لغته الأم النحوية من خلال الحوار أو القراءة أو لا يكون». لو صح هذا، فما جدوى تدريس النحو في المدارس من الأساس؟ بل ما الذي يجعلنا نسمِّي أجزاء الجملة أصلا؟
نفعل ذلك إزالةً للغموض وجعلا للكتابة مشكلة قابلة للحل. لقد كنت أقول لطلبتي إنكم ما دمتم قادرين على تركيب سيارة أو قطعة أثاث اعتمادا على دليل التركيب، فبوسعكم أن تكتبوا جملة. غير أن القراءة هي المفتاح. والطفل الذي ينشأ على الاستماع على « It don’t matter to me « لا يمكن أن يعرف doesn’t إلا من خلال قراءتها المرة تلو المرة.
في حين أنني أحب تدريس النحو، لكنني أعيش صراعاً فيما يتعلق بمنفعة تدريس تخطيط الجملة بيانيا؟ هل كنت تدرِّس تخطيط الجملة بيانيا، ولو كنت تفعل فلماذا؟
طبعا كنت أدرِّسه، ودائماً ما كنت أبدأ ذلك بقولي «هذه لعبة غرضها المتعة، مثل حل الكلمات المتقاطعة» وكنت أطلب منهم أن يتعاملوا مع الأمر كلعبة، وأعطيهم جملا لتخطيطها كواجب منزلي مع وعدهم بأنني لن أختبرهم فيها، ولم أكن أختبرهم فيها فعلا. هل تدرِّسين التخطيط فعلاً؟ هذا جيد حقاً! لم أكن أتصور أن أحداً لا يزال يفعل ذلك.
في مقدمة «عناصر الأسلوب» لستارنك ووايت، يتذكر وايت توجيه سترانك بأن «احذف الكلمات غير الضرورية». وبرغم أن كتبك ضخمة، لكنك كتابتك تبقى مختزلة. كيف تقرر أن كلمات بعينها غير ضرورية وأن كلمات أخرى ضرورية للحكاية؟
هذا شيء يسمعه المرء في رأسه، ولكن ليس من المرة الأولى. فعلى المرء أن يعيد الكتابة ويعمد إلى المراجعة والتنقيح. قاعدتي العامة هي أن القصة القصيرة المؤلفة من 3000 كلمة ينبغي أن تعاد كتابتها في 2500 كلمة فقط. ولا يصح هذا طول الوقت، لكنه في أغلب الأوقات صحيح. على المرء أن يحذف الأشياء الموجودة من دون أن تؤدي وظيفة معينة. ليس مسموحا بالحشو. لحم فقط، ليس مسموحاً بالحشو.
امتداداً للسؤال السابق، كيف يساعد المعلمون الطلبة على إدراك الكلمات اللازمة فقط في كتابتهم؟
على المعلم طول الوقت أن يسأل الكاتب الطالب «ما الذي تريد أن تقوله؟». وكل جملة تأتي إجابة لهذا السؤال جزء من المقالة، وكل جملة لا ترد هي بحاجة إلى الحذف. لا أعتقد أن المسألة لها علاقة بكلمات، بل بجمل. وكنت دائما ما أخيِّرهم في كتابة 400 كلمة حول «أمي بشعة» أو «أمي رائعة». ولتكن كل جملة ذات علاقة باختيار الطالب، بما يعني حذف أي جملة فيها أبي أو أخي الوضيع.
في «عن الكتابة» أشرت إلى عدد من العبارات التي لا بد من استئصالها من صندوق عدة الكاتب: «وفي هذه النقطة من الزمن» و«في نهاية المطاف»؟ هل من عبارات مزعجة جدَّت وتحب إضافتها؟ (شخصيا تزعجني عبارة on accident [بدلا من Accidentally أي بالصدفة].
«يقول بعض الناس» أو «يعتقد الكثيرون» أو «الإجماع هو». هذه البلادة في نسبة الكلام إلى أشخاص معينين تملؤني رغبة في ركل أحد. أيضا أمقت الاختصارات من قبيل IMHO [في رأيي المتواضع] وYOLO [أنت لن تعيش إلا مرة] وLOL [أضحك بقهقهة].
تكتب أنه «من الصعب خلق كاتب منافس من كاتب رديء». لو أن الأمر كذلك، فما الذي يفعله المعلمون مع أقل الطلبة موهبة؟
اسألي نفسك ما الذي يحتاجونه ليعينهم على الحياة، أعني الحد الأدنى (من قبيل القدرة على ملء طلب وظيفة) وركزي على هذا. قد لا يعدو الأمر في بساطته أحيانا كتابة توجيهات للسفر من النقطة أ إلى النقطة ب، على سبيل التمرين الكتابي. عليهم أن يلزموا أنفسهم بهذه البساطة، على سبيل البداية. وقد يكون الدرس مبهجا، كان أولادي ينتهون في بعض الأحيان وهم يتصايحون «لا، لا، استدر يساراً باتجاه البرج المائي»، وأشياء من هذا القبيل.
غالبا ما تقع الكتابة العظيمة في النقطة العذبة ما بين البراعة النحوية والخروج الحذر على القواعد. كيف تعرف أن الوقت قد حان ليخرج الطلبة على القواعد؟ متى ينحي المعلم قلمه الأحمر؟
أعتقد أن على المعلم أن يطمئن إلى أنهم يعرفون ما يفعلون بخروجهم على القواعد، بكتابتهم تلك الشذرات، أو تلك الجمل الاسترسالية، أو بالاستطراد. إذا تلقى المعلم إجابة مرضية على سؤاله «لماذا كتبت بهذه الطريقة؟» فلا بأس حينئذ.
ماذا عن الفواصل، نعم أم لا؟
أقبل الاثنين. فمثلا، تعجبني جملة «اشترت جين بيضا، حليبا، خبزا، وحلوى لشقيقها الصغير» بكل هذه الفواصل، وتعجبني أيضا جملة «وسارعت جين إلى البيت وأغلقت الباب بعنف» إذ تبدو لي جملة كتبت في نفس واحد وأريد أن أشعر بهذا.
تمجِّد في فوائد كتابة المسودة الأولى خلف أبواب مغلقة، ولكن تركيز الطلبة غالبا ما يكون منصبا على تسليم المعلمين ما يريده المعلمون، وغالبا ما يكونون متخوفين من الوقوع في الأخطاء، الأمر الذي يصيبهم بالشلل. كيف يشجع المعلمون الأولاد على إغلاق الأبواب والكتابة في حرية وبلا خوف؟
في حالة الفصل الدراسي، يكون هذا صعباً، بالغ الصعوبة. انعدام الخوف غالباً ما يتحقق حينما يكتب الولد منهم لنفسه، ولا يحدث مطلقا حينما يكتب للحصول على درجة (اللهم إلا حينما يتصادف أن يكون لديك هذا الولد الواثق في نفسه الذي لا يعرف الخوف). الحل الأمثل وربما الحل الوحيد هو أن يقول المعلم للطالب إن قول الحقيقة هو الأهم، وأنه أهم بكثير من قواعد النحو. أقول دائما: إن «الحقيقة بليغة طول الوقت». فيكون ردهم «وما البليغ يا مستر كينج؟».
وبطبيعة الحال، حينما يكون لديهم شيء على ورقة، فهم يريدون أن يفتحوا الباب ويدعوا العالم كله لقراءة ما كتبوه. كيف تقبلت العملية التحريرية في بداية مشوارك مع الكتابة، وكيف تعلم طلبتك التعامل مع رأي الآخرين في كتابتهم؟
كان أكثرهم لا يكترثون، كانوا يقدمون الواجبات ولا أكثر. أما الأكثر حساسية وقلقاً، فعلى المعلم أن يجمع في تعامله معهم بين الرقة والحزم. وثمة حبل مشدود بين الاثنين، لا سيما عند التعامل مع المراهقين. هل مر بي طلبة انفجروا حرفياً في البكاء؟ قد أقول لهم «هذه مجرد خطوة تفضي إلى خطوة بعدها».
تحذر الكتاب من «الدخول إلى الصفحة الخاوية باستخفاف»، كيف يشجع المعلمون الأولاد على مقاربة الصفحة البيضاء برزانة وحماس؟
كنت أصل إلى أفضل النتائج حينما أنجح في توصيل حماسي إليهم. أتذكر تدريسي دراكيولا لطلاب الفرقة الثانية وأنا عمليا أصرخ قائلاً: «انظروا إلى مختلف الأصوات في هذا الكتاب! كم أحب هذا». لا يعجبني كثيراً أولئك المعلمون الذين «يمثلون» وكأنهم على المسرح، ولكن الأولاد بصفة عامة يستجيبون للحماس. لا يمكنك أن تأمري أحدهم بأن يبتهج ويمرح، ولكن بوسعك أن تجعلي الفصل مكانا آمنا تحدث فيه أشياء مثيرة للاهتمام. أحب أن أجعل الخمسين دقيقة في الفصل أشبه بثلاثين دقيقة فقط.
قلت عن المقالات غير الرسمية إنها «أشياء سخيفة لا داعي لها» ولا نفع فيها على الإطلاق كوسائل لتعلم الكتابة. ما نوعية التكليفات المقالية النافعة؟
أحاول أن أكلف الأولاد بالمقالات التي تعلمهم الدقة. وكثيراً ما كنت أكرر عليهم «شاهدوا، ثم اكتبوا»، وكنت أكرر ذلك نصف دزينة من المرات كل يوم. كنت أطلب منهم أن يصفوا أشياء هي بالنسبة لهم من قبيل البديهيات. كأن أطلب من فتاة أن تصف تضفيرها شعر أختها. أو أطلب من ولد شرح قواعد لعبة رياضية. هذه منطلقات أساسية، يتعلم من خلالها الطالب أن يكتب ما يمكنه أن يقوله شفهيا لصديق. هذا يجعل الكتابة متماسكة. أما حينما تطلبين من طالب أن يكتب عن فيلمه المفضل، فأنت تفتحين الباب للذاتية، ومن ثم لطوفان من الكليشيهات.
أستعمل في فصلي القراءة بصوت مرتفع كثيراً، ففي ظني هي الطريقة المثلى لتهيئة الطلبة لتحديات اللغة والبلاغة. هل لديك نصوص معينة مفضلة للقراءة بصوت مرتفع في الفصل، سواء في فصلك، أو من قراءاتك لأولادك؟
كنت أقرأ لأولادي «حرارة أغسطس» ل دبليو إف هارفي، فلا أصل إلى السطر الأخير «حرارة تكفي لأن تصيب رجلا بالجنون» إلا ويمكنك أن تسمعي رنين الإبرة. وِلْفْرِد أوين أيضا كان عظيما. وكان أبنائي يحبون الكتب المصورة وهم صغار. وفي وقت لاحق صرنا نقرأ «ملك الخواتم». وفي الرحلات الطويلة كلنا نستمع للكتب الصوتية. وحينما يتوفر القارئ الجيد والكتاب الجيد تكون التجربة رائعة. موسيقى.
هناك في الغالب معسكران ينتمي إلى أحدهما معلمو اللغة الإنجليزية فيما يتعلق بتعليم القراءة: الذين يعتقدون أن علينا أن نسمح للأولاد بقراءة أي شيء يريدون قراءته لتكون لهم علاقة مهما تكن مع الكتاب، والذين يرون أنه لا بد من دفع الأولاد إلى قراءة نصوص تمثل تحديات لغوية لهم، لتعريفهم بالجديد من المفردات، والأجناس الكتابية، والأفكار. إلى أي المعسكرين تنتمي؟
لا يريد المعلم أن يصيب طلبته باليأس، ومن ثم لا تخطر لأحد فكرة رهيبة كتدريس موبي ديك أو أهل دابلن لتلاميذ في مدرسة. حتى المتفوقون بينهم سوف يضيعون. ولكن دفعهم قليلا فكرة جيدة. فلا بد أن يروا أن هناك عوالم أدبية أكثر سطوعا من عالم «سَحَر Twilight «. قراءة الأدب الجيد أشبه بوثبة.
تصوّر المعلمين في صورة شديدة الكآبة حينما يكونون كتاباً محترفين. التعليم، في الأخير، «مهنة تستهلك الكاتب» بحسب ما يقول صديق لي، وقد يكون من الصعب فعلا على المعلمين أن يجدوا الطاقة اللازمة لإبداعهم الشخصي بعد انتهاء اليوم الدراسي. هل لا زلت ترى أن العمل بالتدريس مع ممارسة الحياة الكتابية تركيبة لعينة؟
يضطر بعض الكتاب للعمل لتوفير خبز على المائدة. ولكنني على يقين أن التدريس يمتص الطاقة الإبداعية ويعطل الإنتاج. التركيبة اللعينة عبارة أقوى مما ينبغي، لكنها تركيبة صعبة يا جيسيكا. حتى لو توفر لك الوقت.
عن «ذي أطلنطيك»/ جريدة عُمان