*حوار لطفيّة الدليمي
النساء مخلوقات حدسيّة ، ولو كان الحدس معياراً وحيداً للبقاء على الأرض فإنها كانت ستخلو من الرجال منذ زمن بعيد
أشاع الانتحار الفجائعي للممثّل العبقريّ ( روبن وليامز ) في 11 آب 2014 موجة عاصفة من الحزن العالميّ في ذات الوقت الّذي انطلق فيه فيضان هائلٌ من الكتابات و المراجعات الّتي تتناول موضوعات : الإدمان الكحولي ، و إدمان المخدّرات ، و السياسات الحكوميّة التي تخصّ الرعاية الصحيّة و موضوعات التوظيف و البطالة ، و موضوعات الصحّة العقليّة على مستويات التشخيص الإكلينيكي والرعاية المؤسّساتية ، و قد تراوحت التعليقات بين طيف واسع من الموضوعات ابتداءً من السياسات التي تصنعها دوائر صنع القرار العليا و نزولاً حتّى أدقّ تفاصيل حياة الأفراد و تمحورت هذه التعليقات على موضوعة ” كيف يمكن لفردٍ ما أن يرسم الابتسامة على وجوه ملايين الناس في كلّ أنحاء العالم في وقتٍ ينخر الاكتئاب المزمن روحه الهشّة مثلما تنخر الأرضة قلب شجرةٍ يابسة ” .
روبن مكلورين وليامز Robin Mclaurin Williams هو الممثّل الأمريكيّ الذي أجمع الكلّ على عظمة موهبته الأدائيّة و على رِفعة و نُبل الموضوعات الّتي شارك في أدائها . ولِد روبن وليامز في 21 تموز 1951 في مدينة شيكاغو بولاية إلينوي الأمريكيّة لوالدٍ يعمل بوظيفة تنفيذيّة في شركة فورد للسيّارات ، و كانت والدته تعمل موديلاً للأزياء ، و قد تعلّم وليامز منذ بواكيره كيف يمكن أن يستخدم الدعابة لإضفاء جوّ من البهجة على رفاقه في المدرسة . درس وليامز العلوم السياسيّة و كان يتلقّى في ذات الوقت برامج دراسيّة في الارتجال الأدائيّ ، ثمّ حصل على منحة دراسيّة للدراسة في مدرسة جوليارد Julliard School المرموقة لدراسة التمثيل في مدينة نيويورك و قد عاد وليامز قبل إكمال دراسته في المدرسة إلى كاليفورنيا و بدأ بالظهور في بعض الأدوار الكوميديّة في النوادي منذ بداية السبعينات في القرن الماضي ، ثمّ بدأ وليامز يظهر منذ منتصف السبعينات كضيف في بعض البرامج التلفزيونية حتّى صار له هو برنامج ناجح خاصّ به تحت اسم ( مورك آند ميندي Mork & Mindy ) و الذي استمرّ للفترة 1978 – 1982 و أظهر فيه وليامز مواهب ارتجاليّة مميّزة و كان بمثابة منصّة انطلق منها في مهنته التمثيليّة الناجحة فيما بعد . كان الدور السينمائي المميّز الاوّل لويليامز عندما شارك في فلم ( صباح الخير ، فيتنام Good Morning , Vietnam ) عام 1987 و أدّى فيه دور عسكريّ غير منضبط يعمل مشرفاً على مقصف و مشرب يرتاده العسكريّون الأمريكيّون في فيتنام و قد رُشّح للأوسكار عن هذا الدور ، ثمّ جاء دوره المميّز الثاني في الفلم الرائع ( جمعيّة الشّعراء الموتى Dead Poets Society ) عام 1989 و قد لعب فيه ويليامز دور مدرّس قادر على بعث الإلهام بين مجموعة من الطلبة في مدرسة تتّسم بالصرامة القاتلة طبقاً للتقاليد المتوارثة في النظام التعليميّ الأكاديمي .
وجّه ويليامز مواهبه الأدائيّة المتفجّرة في بداية تسعينات القرن الماضي نحو عددٍ من الأفلام التي تتمحور على الأسرة و الموضوعات المرتبطة بها ، و يُعدّ فلم ( السيّدة داوتفاير Mrs. Doubtfire ) عام 1993 في مقدّمة هذه الأفلام و قد ادّى فيه ويليامز دور مُربّية بقصد البقاء قريباً من أولاده ، و على الرّغم من أنّ ويليامز عُرف عنه أداؤه الكوميديّ غير أنّه أبدع أيضاً في الأداء غير الكوميديّ و بخاصّة في فلم ( اقتناص النوايا الطيبة Good Will Hunting ) عام 1997 الذي حاز عنه جائزة الأوسكار . واصل ويليامز أداء مهنته في أدوار كوميديّة و غير كوميديّة في أفلام رائعة منها : ( باتش آدامز Patch Adams ) عام 1998 و قد أدّى فيه دور طبيب يسعى للتخفيف من معاناة مرضاه عبر الضحك في وسط بيئة تلتزم بالأداء الطبيّ الكلاسيكيّ إلى حدود تبعث على الغثيان .
عانى ويليامز من مشاكل في القلب و أُجريت له جراحة قلبية و عاد بعدها للعمل في السينما و المسرح و لا يزال الكثير من الأمريكان يذكرون أداءه الرائع في مسرحيّة ( النمر البنغاليّ في حديقة حيوانات بغداد Bengal Tiger at the Baghdad Zoo ) على مسارح برودواي و هي دراما فكاهيّة سرياليّة تجري وقائعها في أعقاب الحرب الأميركيّة لاحتلال العراق عام 2003 . عاد ويليامز للعمل في السينما عام 2013 بفلم ( العرس الكبير The Big Wedding ) و الّذي أدّى فيه دور قسّ . يُعرف عن ويليامز نشاطاته الإنسانيّة و تبرّعه السخيّ للعديد من المؤسّسات الأمريكيّة الخيريّة الّتي تعنى بالمعوّقين جسديّاً و ذهنيّاً في كل أنحاء العالم .
الحوار الآتي ترجمة لبعض الفقرات المنتخبة من حوارين مع ويليامز : الأوّل يعود إلى آب 1986 و منشور في مجلّة ( إنترفيو Interview ) عندما كان ويليامز في بدايات تفجّر موهبته السينمائيّة ، أمّا الثاني فمنشور في النسخة الأسترالية من مجلّة ( ريدرز دايجست Reader”s Digest ) في 21 أيلول 2010 بعد أن نضجت موهبة ويليامز و ترسّخت أقدامه كممثّل عالميّ حائز على الأوسكار ، وأودّ الإشارة هنا إلى صعوبة إيجاد حوارات مناسبة للنشر مع ممثّلين من طراز ويليامز ، وكما سنرى في الحوار اللاحق فإنّ إجابات الرّجل هي تماماً مثلما نتوقّع منه : فهي بسيطة مباشرة و تخلو من التعقيدات اللغويّة و التفخيمات الاستعاريّة و هي أقرب إلى لغة بصريّة سينمائيّة يبدو فيها الرّجل و كانّه يصف مشهداً يراه أمامه بكلّ نزاهة تلامس حدود البساطة المفرطة في جمالها الجاذب ، و سنرى في إجاباته رغم خلوّها من التعقيدات قدراً هائلاً من الخبرة و النزاهة و قبل كلّ هذا قدراً عظيماً من النُّبل الذي عُرف عن الممثّل العبقريّ و الّذي طالما عكسته شخصيّته عبر أدواره السينمائيّة العديدة ، و أظنّ أن أغلب المشتغلين في حقل الصناعة البصرية – و السينما بخاصّة – تطغى عليهم بعض خصائص الحوار الّتي سنشهدها مع ويليامز : و أقصد بهذا الميل إلى لغة بصريّة أقرب إلى لغة السيناريو السينمائيّ التي تعتمد التكثيف و الاختزال و الابتعاد عن الحذلقات اللغويّة و الأدائيّة و الارتكان إلى الثقة في ذكاء القارئ لاستخلاص الأفكار المطلوبة من بضع كلمات أو جمل ، و إذا كنت قد بذلت جهدا في ترتيب فقرات هذا الحوار و إعدادها للنشر أكثر ممّا فعلت مع سواها من الحوارات المعهودة فلا أحسب هذا الجهد سوى تلويحة وداع وتحية واجبة لهذا الفنان العبقري الذي استحال رمادا تمازج مع مياه المحيطات وهو الذي طالما أسعد الملايين بفنه النبيل وأدائه الرفيع .
* كم تظنّ أنّ كوميدياك قريبةُ من الجنون؟
– أظنّ أحياناً أن لا حدود بينهما ، و أرى احياناً أنّ كوميديايَ يمكن أن تسمّى ” جنوناً مشرعناً” !!
* و هل عبرت الحاجز بين الكوميديا و الجنون يوماً ما ؟
– لا . ربّما فعلتُ هذا مرّة أو مرّتين و لكني أحرص دوماً على الاحتفاظ بمسافةٍ – حتّى لو كانت قصيرة – بين الاثنين .
* و كيف تفعل هذا ؟
– توقّفت عن تناول الكحول و قد ساعدني هذا كثيراً ، كما جعلني ابني زاك Zach متجذّراً في عائلتي : فقد كنت أراه وثمّة تساؤل محبوس في عينيه الصغيرتين ” أووووه أبي ، هل يتوجّب عليك فعل هذا الّذي تفعله ؟ ” تماماً مثلما كان يفعل سيلفستر في الفلم الكارتوني .( سيلفستر هو القط المشاكس رفيق شخصية تويتي في فلم الكارتون الشهير –تويتي)
* هل ترى زاك مرِحاً ؟
– نعم . إنّ تجربتي في العيش مع زاك هي تماماً مثل تجربة العيش مع أوسكار وايلد!!
* هل ترى في زاك شبيهاً بك ؟
– نعم قليلاً ،،، أرى فيه قدرةً على الأداء و ميلاً غريزيّاً تجاه الناس ، و بخاصّة النساء !!! و هو نشيط للغاية و يحبّ أن يتحرّك و يرقص طوال الوقت . أذكر مرّة عندما اصطحبته معي لإحدى تجارب الارتجال التمثيلي في لوس أنجيلس و كيف انطلق في الرقص مع أوّل سماعه الموسيقى .
* كنتَ الطفل الوحيد لأبويك كما أعتقد ؟
– نعم و حقّق هذا لي جملةً من المزايا على الرغم من أنّ الشعور بكونك وحيداً لا يفارقك ، و قد حاولتُ أن أتجنّب هذا الشعور المؤلم بخلق أُخوةٍ لي من بين أصدقائي العديدين.
* كيف يبدو والداكَ لك ؟
– والدي كان رجلاً في غاية الأناقة و ذا صوت قويّ و هو يبدو لي اليوم شبيهاً بكولونيل إنكليزيّ متقاعد ، أمّا والدتي فكانت ذات ميول استعراضيّة ظلّت حبيسة داخلها و لم تطلقها إلى العلن .
* هل ما زال والداك على قيد الحياة ؟ ( أشير أن هذا السؤال كان عام 1986 ، المترجمة )
– نعم ، على الأقلّ هذا ما أعرفه لغاية صباح هذا اليوم !!!
* تبدو طفولتك سلسة غير معقّدة إلى حدّ بعيد . هل تؤكّد هذا ؟
– تماماً ، و هي على النقيض ممّا عتاد الناس تناقله عن العلاقة المتلازمة بين الألم الشخصيّ و الكوميديا : فقد كانت طفولتي رائعة حقّاً و لم يرغمني والداي على فعل أيّ شيء لم أرغب في أدائه ، و كانت الأمور تجري دوماً على النحو التالي ” إذا كنت ترغب حقّاً في فعل هذا الأمر ، افعله إذن ” ، و عندما أخبرت والدي برغبتي في أن أكون ممثّلاً أجابني ” جيّد ، و لكن لا تنسَ أن تدرس الّلحام كإجراء احتياطي إذا فشلت في التمثيل ” .
* أظنّ أنّ الطفل الوحيد لأيّة عائلة يمتلك خيالاً أعظم من سواه من الأطفال لأنه يعيش معظم الوقت مع أفكاره الّتي تحتدم داخل رأسه اكثر ممّا يعيش مع أطفال آخرين . كيف ترى هذا ؟
– نعم هذا صحيح و لكن في حالتي أنا لم أبدأ بتجارب الأداء حتى الجامعة و كنت طفلاً هادئاً للغاية .
* كم كان عمرك عندما اكتشفت الفتيات في حياتك لاوّل مرّة ؟
– أووه، كان ذلك في الجامعة ،،، كانت تلك اوقاتاً رائعة عندما غادرت المنزل لاوّل مرّة و مكثت بعيداً عنه . كانت لديّ صديقة أو اثنتان في المدرسة الثانويّة و لكن صار لي في الجامعة ثلاث صديقاتٍ أو ربّما أربع ،،، أصبحت مجنوناً بحقّ .
* إذن أنت تحبّ النّساء ؟
– نعم ، أحبّ النساء كثيراً : فهنّ مخلوقات رائعات و كائنات مدهشة و ليس في قدرتنا أبداً أن نكتفي أو نرتوي من معرفتهنّ و هنّ يدفعننا إلى الإدمان عليهنّ بطريقة صحيّة و رائعة . ثمّة العديد من مستويات المعرفة التي تعرفها النساء عن أنفسهنّ ، فهناك اوّلاً المستوى الجسديّ المليء بالبهجة ، ثمّ المستوى العاطفيّ الزئبقيّ المتقلّب كلّ 28 يوماً و التي تعاني خلالها النساء تقلّبات عاطفيّة هائلة و هي وسيلة الطبيعة في مخاطبة النساء “رجاءً إمتحني ما يحدث لجسدكِ ” . للرجال حروبهم الجسديّة الداخليّة أيضاً و لكنّهم يدمّرون بعضهم بعضاً في حين تكتفي النساء بقول أشياء مقرفة حسب !!! . النساء مخلوقات حدسيّة على نحو عصيّ على الوصف ولو كان الحدس معياراً وحيداً للبقاء على الأرض فأحسب أن الأرض كانت ستخلو من الرجال منذ زمن بعيد !!! .
* هل يمكنك أن تبقى ساكناً من غير أداء تمثيلي وسط الناس ؟
– يحصل هذا أحياناً وعندها يسألني الناس ” لماذا لا نراك على حقيقتك ؟ ” فهم يرون أنّ الأداء صار جزءا طبيعيّاً منّي و عند غيابه لا أبدو طبيعيّاً لديهم أو أبدو على الأقل و كأن شيئاً أصيلاً فيَّ قد تمّ انتزاعه .
* قابلتَ فاليري للمرّة الأولى في سان فرانسيسكو . هل كان انجذابكَ لها حبّاً من النظرة الأولى ؟
( فاليري هي زوجته الاولى ، المترجمة )
– كان شيئاً أقرب إلى الشهوانيّة الخالصة ، فقد كانت فاليري شبيهةَ بتلك المرأة الإيطاليّة الساخنة التي لطالما استحوذت على تفكيرنا أو ربّما كانت مثل فتاةٍ من نابولي يشتهيها كلّ من يراها لأوّل مرّة . لم تكن فاليري حين رأيتها ترتدي ملابس مثيرة و مع هذا كانت مثيرةً و ساخنة للغاية و تعلّقتُ بها من النظرة الأولى ثمّ بدأت أراها بانتظام ثم انتهينا للعيش معا .
* ما الّذي أضافته فاليري إلى مهنتك ؟
– فاليري فعلت كلّ ما بوسعها لدعمي في أدائي المهنيّ رغم انّها رأت في كوني شخصيّة عامّة مسألة غير مريحة لها .
* يُعرف عن فاليري أنّها شخصيّة محبّة للخصوصيّة و قد رأت في زواجها من شخصيّة عامّة تسعى لنيل التقدير الجماهيري أمراً مربكاً للغاية . كيف ترى أنت الأمر ؟
– لم أكن يوماً أسعى لنيل أيّ تقدير اجتماعيّ بل كلّ ماسعيت إليه هو التمتّع بأوقات طيّبة عندما أمثّل و لم يتغيّر هذا الأمر يوماً و إذا كانت الشهرة قد طرقت بابي فأرى ذلك مسألة غريبة عليّ تماماً .
———
*المدى