دودة العصافير و المصيدة !


*ماجد شاهين

( ثقافات )

كان أطفال و صبيان كثيرون ، في أيّامنا العتيقة ، يتمرّنون على فكرة ” الإطاحة ” و إغواء الفريسة للإيقاع بها ، ولم يكن أحدا ً من أفراد الأسر و أربابها ينهر أو يزجر أو يمنع ، بل ربّما كانت عائلات عديدة تشجّع أبناءها الصغار على التدرّب على فكرة صنع المؤامرة وتدبيرها .
.. كان فتيان في أعمار متفاوتة يصنعون المصائد ، من أخشاب رفيعة و أسلاك أو من الأسلاك لوحدها ، و يتفننون في جعل أبواب نوافذها مهيّئة وبشكل سريع و متقن لالتقاط الطير / العصفور حين يهبط إلى المصيدة إن كانت في الأرض أو يحط عليها إن كانت معلّقة على شجرة أو جدار .
.. الأولاد كانوا يتباهون في أنهم أتقنوا صنع المصيدة و شدّوا معدنها و لاقطها ( الزنبرك الذي يتحرك ليغلق النافذة على الفريسة فور اقترابها من الطُعم ) ، والمصيدة في الأغلب 
لها فتحة ( نافذة ) تكفي لدخول العصفور إلى القفص .
.. التدبير والإطاحة و الإيقاع في الفخ ، تلك أفعال عتيقة امتهنها الصبيان و سواهم للحصول على صيد ٍ ثمين أو لمجرّد اللهو و التباهي بمقدرة الفرد على الإغواء و الاغتنام .
الصبيان والفتية و الأولاد ، كانوا يستخدمون أدواتهم في تدبير مشهد المؤامرة بحيث تكون الإطاحة مكتملة الصورة ، و كانت تُستَخدَم حبيبات القمح و الخبز المبلول و توضع في فم المصيدة ، فتشكل طُعما ً مغرياً للعصافير ، فتوقع بها بمجرّد اقترابها من القفص / المصيدة .
.. و كان عديدون يستخدمون كائناً حيّا ً ضعيفاً وصغيراً لوضعه طعماً للعصافير ، كانت الدودة الخضراء طعاماً ملائماً لغواية العصفور والإيقاع به ، نعم كانت ” دودة خضراء حلزونيّة صغيرة / دودة الحمص الأخضر ” كافية بحركتها للإطاحة بعصفور و جعله رهين القفص .
فعل الإطاحة ، هذا ، المتصل بالإيقاع بالعصافير واصطيادها ، كان فعلا ً ذكوريّا ً في الأغلب ، فالبنات كن ّ يكتفين بلعبة الحجلة و الحبلة و ربّما الاستغماية في مستوى العائلة والأقارب .
من الذي علّم الأولاد أن يختطّوا درب الإطاحة ؟
والعصافير في الأغلب ، كانت تعجز عن التحليق من جديد ، حتى لو أطلق الأولاد سراحها و حرّروها من المصائد والأقفاص ، لأن العصفور يكون تعثر بأسلاك المصيدة أو نافذتها و أصابه وجع و جرح من ألم الحركة / حالة الاصطياد ولحظته .
.. الإطاحات وتدبيرها ، تقع في باب الإيلام ، فكيف إذا كانت لخنق العصافير و قطع الطريق أمامها و حجزها عن الفضاء والسماء .
أنا لم ألعبها ، تلك فكرة الإيقاع بالطير و إغوائها و اصطيادها ، لكنّي كنت أراقبها و أرى كثيرين يفرحون لأنهم اصطادوا عصفوراً بعدما زرعوا له دودة على نافذة القفص .. كنت أراقب و حسب لأن ّ طفولتي لم تكن قريبة من الغواية والإطاحة والمؤامرة .. و كنت أ سأل : ماذا يربح ولد ٌ حين يمنع عصفوراً من التحليق أو حين يطيح دودة ضعيفة ويجعلها لقمة غير شرعيّة لعصفور تائه ؟
لا أنسى أن أذكر أن ّ كثيراً من الأولاد كانوا يستعينون بأفراد من أسرهم و ربّما أرباب الأسر لصنع المصيدة و توضيبها .
هل كان صانع المصيدة يراقب العصافير حين تحط ّ قريبا ً من المصيدة ثم تهوي في القفص ؟ 
لو كانت الدودة الضعيفة تعلم أنها تُستخدم ُ طُعما ً للإطاحة بطير ٍ أو بعصفور ، هل كانت سترضى بأداء هذا الدور ؟ 
________
*كاتب من الأردن

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *