*طاهر علوان
بروكسل- “أنا لست ما كنت.. أنا ما سأكون”، لا تخرج هذه الكلمات إلا من بين شفاه امرأة واثقة من نفسها ومن قدراتها، وهي ليست غير أيقونة هوليوود لورين باكال، التي ودعها عشاقها وجمهور السينما قبل أيام، حيث رحلت عن عالمنا بعد بلوغها 89 عاما من العمر.
المرأة الواثقة من نفسها وكثيرا ما أطلقت عليها أوساط هوليوود “المرأة الصعبة”، فهي صاحبة قرارات حاسمة ورأي قاطع فيما كان يسند إليها من أدوار، إذ عرف عنها رفضها للتمثيل في العديد من سيناريوهات الأفلام التي قدمت إليها.
ابنة المهاجرة الرومانية والمهاجر البولوني المولودة في سبتمبر 1924، ابتدأت مسيرتها فتاة غلاف لأكثر من مجلة منها مجلة Vague، وإذ ظهرت على غلاف هذه المجلة الأخيرة في عام 1943 في لقطة أخاذة، فإنها لفتت نظر زوجة المخرج الكبير هوارد هوكس (1896 /1977)، مما شجعها على أن ترشحها له للتمثيل في أحد أفلامه القادمة في سياق بحثه عن وجوه جديدة.
كانت باكال قد بنت خبراتها من خلال دراسة فن الدراما في أكاديمية الفنون الدرامية الأميركية، وكان الممثل ذائع الصيت كيرك دوغلاس ممن زاملتهم في تلك الأكاديمية لتتجه بعد ذلك إلى مسارح برودواي وتعمق خبراتها في التمثيل.
تنتمي باكال إلى جيل تأسس إبان أسلوب ما يعرف بالسينما السوداء أو “الفيلم نوار”، وهو أسلوب ميّز السينما الهوليوودية في حقبتي الأربعينات والخمسينات من كلاسيكيات السينما بالأبيض والأسود، والتي تميزت أيضا بشخصية البطل الكارزمي وبتقديم أيقونات هوليوود في تلك الحقبة مثل لورين باكال وبيتي دايفس وباربارا ستينويك وغيرهن.
فضلا عن الأزمات التي ضربت أوروبا وأميركا قبل وبعد الحرب العالمية الثانية. أفلام هي نسيج من الدراما والإثارة وأحيانا الجريمة وقصص الحب، فضلا عن الاتجاه التجريبي الذي واكب تلك الحقبة.
كانت باكال تبلغ من العمر 19 عاما بينما شارف بوغارت على الأربعين، كانت تروي أنها كانت ترتجف وهي تقف أمام الكاميرا، وكان دورها يتطلب أن تتكئ على الباب وفي يدها سيجارة.
تقول: “إن السيجارة كانت ترتعش في يدي، كان ذلك في الفيلم ذائع الصيت (أن تملك أو لا تملك) الذي عرض في عام 1944 عن رواية لآرنست همنغواي، وقد نال نجاحا مشهودا لفت الأنظار إلى مولد نجمة مختلفة في نظرتها الحادة وفي نبرة صوتها وحضورها المميز على الشاشة.
وكان الفيلم سببا في الإعجاب المتبادل بينها وبين همفري بوغارت الذي توّج بزواجهما، ثم ليتبع ذلك فيلمها “النوم الكبير” (1946) عن رواية ريمون شاندلر، وفيلم “الممر المظلم” (1947)، وفيلم “مفتاح لارجو” (1948)، ثم لتقدم نوعا آخر من الأفلام ذات المسحة الكوميدية من خلال فيلم “كيف تتزوجين مليونيرا” (1953) إلى جانب مارلين مونرو، ثم تقف أمام الممثل الكبير كريكوري بيك في فيلم “فتاة التصميم” (1954)، وبهذا رسخت باكال شخصيتها في عالم نجمات هوليوود، بل صارت علامة فارقة فيها.
في مقال لها قبل بضعة أيام نشر في “الغارديان” البريطانية تتساءل الناقدة فانيسا ثروب، لماذا لا توجد في هوليوود نجمة تضارع الأيقونة لورين باكال؟ ولتأكيد واقعية سؤالها، فإنها تستشهد برأي الناقدة الأميركية والباحثة الجامعية سارا تشيرتشويل التي تؤكد أن السبب يعود إلى أن باكال تقع على الخط القوي والأكثر تأثيرا من بين نجوم هوليوود، فهي النجمة الأقوى في الأزمنة المشرقة لتاريخ السينما الأميركية، فقد نحتت اسمها أولا في مسارح برودواي إلى جانب زوجها همفري بوغارت وأغلب أبناء جيلها.
وتؤكد الباحثة أن الحقبة ما بين الثلاثينات والخمسينات، قد شهدت التميز الأكبر للمرأة الممثلة في تاريخ هوليوود، وهي تدعو من يرد عليها إلى مقارنة صوت وأداء نجمات تلك الحقبة مثل بيتي دايفيس وباكال وباربارا ستينويك مع ممثلات هذا الوقت، اللاتي يجري إظهارهن بأصوات وأفعال فتيات صغيرات.
قدمت باكال خلال مسيرة حياتها 60 فيلما، ومثلت في الخمسينات إلى جانب الممثلين الكبار: كيرك دوغلاس في: “رجل صغير” وروك هدسون في “الكتابة على الريح” و”هدية الحب” مع روبرت ستاك و”الحدود الشمالية الغربية” مع كينث موز.
ثم مثلت إلى جانب هنري فوندا وتوني كيرتس في فيلم “الجنس والفتاة العزباء” (1964)، وفيلم “هاربر” مع بول نيومان وجولي هاريس (1966)، وصولا إلى فيلمها ذائع الصيت “جريمة في قطار الشرق السريع” (1974)، إلى جانب ألمع نجوم هوليوود: أنجريد بيرجمان، ألبرت فيني، فانيسا ريدغريف وشون كونري. ولعل الملفت للنظر أنها مثلت في فيلم “دوكفيل” (2003) للمخرج الدنماركي المثير للجدل لارس فون ترير، وذلك في أواخر أعمالها السينمائية.
________
*العرب