*توفيق عابد
أثارت أمسية حوارية نظمها منتدى عبد الحميد شومان الثقافي في العاصمة الأردنية مساء أمس الاثنين لمناقشة كتاب “تحرير الإسلام.. رسائل في زمن التحولات” لمؤلفه الدكتور فهمي جدعان، نقاشا ساخنا بسبب تناول موضوع الإسلام والتطرف.
وثارت في هذه الفعالية أسئلة كثيرة حول طبيعة الإسلام المقصود بالتحرير، والجهة أو الجماعة التي تتولى هذه المهمة، ومن المسؤول عن توظيف الدين لمصلحة السياسي الانتهازي، وهل حقا أن الإسلام الذي تتبناه جماعات إسلامية بعينها صنع في الغرب؟
وفي بداية الأمسية، قال رئيس جمعية النقاد الأردنيين الدكتور غسان عبد الخالق -الذي أدار الحوار- أن الكتاب موضوع النقاش يتصدى للمطالبة بكيفية إخراج الإسلام من السجن، ولا يخوض في أصوله ومأساة اختطافه من قبل جهات وأشخاص يدّعون وحدهم أنهم يفهمون الإسلام ويحتكرون هذا الفهم.
الإسلام الجاذب
من جهته، قال مؤلف الكتاب الدكتور فهمي جدعان إننا نشهد منذ سنوات ظواهر عنيفة لافتة للنظر تتطلب التنبيه لخطر ماحق ينتظر الإسلام الذي يبدو مختلفا عن الصورة التي نعرفها تاريخيا أو نتمثلها في أذهاننا كدين الرحمة والعدل والانفتاح والتقوى والقيم الأخلاقية التي بفضلها حظي بجاذبية كبيرة في القرنيين الماضيين وفق ما أسماه “الإسلام الجاذب”.
وخاطب جدعان نخبة من المثقفين والأكاديميين والسياسيين، موضحا أن الإسلام أصبح الآن “طاردا” مرتبطا بالعنف الدموي واضطهاد المرأة والذبح الذي نشهده في الساحات الإعلامية. واعتبر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام صناعة غربية من مستشرقين استعماريين، بعضهم صهاينة، وضعوا أصابعهم على المشكلة في النصوص الإسلامية واستخدموها.
وبعد أن استشهد صاحب كتاب “تحرير الإسلام” بتصريح وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، قال “لسنا ملزمين بخلافة أبو بكر البغدادي، وأي دولة تقيم العدل وتحمي الدين والمؤمنين وحياتهم الأخلاقية والشرعية هي دولة شرعية”.
ووصف الدكتور جدعان النظام الأموي بأنه انقلاب على النبوة، وقال إن الأمويين هم الذين أنتجوا ما أسماه “الملك العضوض” وطالب بالعودة لما أسماه “الإسلام الأصلي”، إسلام الحرية والرحمة والعدل والمصلحة والمقاصد، وليس إسلام الفقهاء الذي تحكمت فيه نزعاتهم ورغباتهم وظروفهم التاريخية، بحسب تعبير الدكتور جدعان.
ونفى جدعان أن يكون هيغليًا -نسبة للفيلسوف الألماني هيغل- مؤكدا أنه لا ينطلق من الفلسفات الغربية بل من الواقع الإسلامي المشخص، وأنه يأخذ على المفكرين في المغرب وتونس انطلاقاتهم من الفكر الغربي لكنه استدرك بالقول “لسنا وحدنا في العالم.. لسنا أحرارا في هذا الوجود.. العولمة في بيوتنا”.
الإصلاح والتغيير
وفي مداخلته، رأى الباحث الدكتور زهير توفيق أن هدف جدعان هو الدفاع عن صورة الإسلام الصادرة عن منطوق كتابه العظيم وتحريره من المواقف السالبة، وأن جهده يأتي ضمن الاجتهاد الإنساني المشروط بالتمثل الشخصي والنقد.
وقال توفيق إن جدعان يروم الإصلاح والتغيير وليس داعية مذهب أو إصلاح لاهوتي، بل هو مفكر ملتزم عقلاني وواقعي نقدي وتحليلاته تكشف عن نزعة أخلاقية وانخراط بالمشكل الإسلامي الذي يستحضر الأسئلة الاستنكارية التي تواجه الإسلام بمكر ودهاء وتتطلب تفكيكها وتحريره منها.
وتساءل لمن تكون الأولوية في التطبيق في ظل الدولة الإسلامية، هل هي للمبادئ أم للأحكام الشرعية؟ وما يؤرق جدعان هو زج الإسلام في السياسة الذرائعية غير الأخلاقية التي كيّفت الدين لمصلحة السياسي الانتهازي، داعيا لاتباع مبادئ الشرع وإحلال فقه المقاصد.
أما الباحث مجدي ممدوح فتناول موضوع التأويل ودوره المركزي في فكر المؤلف الذي يعتبر أنه يمثل مخرجا مقبولا من الأزمة المترتبة على عدم انسجام النص مع متطلبات روح العصر والمجتمع المعاصر، وهذا يتطلب جهدا مستمرا في عصرنة النص عبر تقنيات التأويل.
وقال ممدوح إن فهمي جدعان أظهر وثوقية أقل حول قدرة التأويل على تجاوز الأزمات والتوافق بين العقل والنص، ولجأ لتوظيف تقنيات وآليات فلسفية جديدة لردم الهوة بين العقل والنقل بينها المنطق الجدلي الهيغلي.
وللإشارة، فقد صدر كتاب “تحرير الإسلام.. رسائل في زمن التحولات” عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر في بيروت، وهو بحسب مؤلفه صرخة لاستعادة الإسلام الحقيقي السمح الذي يؤمن بالعدالة والحقوق والانتصار للمرأة والديمقراطية.
______
*الجزيرة.نت