الدكتور فيصل غرايبه*
( ثقافات )
منذ خمسة عشر عاما بدأ الباحث أ.د.عصام سليمان الموسى مشروع كتابة تاريخ العرب الاتصالي، بموجب منحة من فولبرايت، فقضى عاما بطوله في جامعة واشنطن الرسمية في بولمان أستاذا زائرا ينقب في تاريخ العرب الأنباط، الذين أسسوا أول مملكة عربية في التاريخ توصل فيه إلى كشف جديد فحواه: أن دور العرب الأنباط في تطوير الخط العربي كان دورا أساسيا، مكنهم من تبوء مكانة مرموقة في الثورة الأولى للاتصال، كما عمد الأنباط إلى تطوير الحرف الفينيقي الذي استخدموه في تجارتهم ونقوشهم التي يزيد عددها عن أربعة الاف،الذي تبناه العرب المسلمون، فانتشر وكتبت به لغات عدة كالفارسية والتركية وما يقارب العشرين لغة أخرى.
وقد وثق الباحث جهده هذا في كتاب بعنوان ” البترا عاصمة الأبجدية العرابية في الثورة الأولى للاتصال والمعلوماتية”،الذي نشره بيت الأنباط: الهيئة العربية للثقافة والتواصل في عمان،العام المنصرم 2011، وطبع في مطبعة السفير بعمان،ويتألف من ثمانية فصول بالإضافة إلى مقدمة صاحب الكتاب وتعريف بمشروع بيت الأنباط للتأليف والنشر بقلم الدكتور باسم الطويسي،وزين غلافه بلوحة للمكان بريشة أحمد الشيخ، وهو يتألف من جزئين الأول باللغة العربية،والثاني باللغة الانجليزية،يحتل كل جزء 88 صفحة من القطع الصغير.
يشير الباحث إلى أن الثقافات القديمة قد أسست للاتصال ووسائله التي تطورت عبر التاريخ ، محدثة ثورات تركت آثارها على تلك الثقافات .فقد حقق اختراع الأبجدية قبل 3500 عام الثورة الأولى في (الاتصال والمعلوماتية)، وتعتبر هذه الثورة حدا فاصلا في التاريخ الإنساني،وذلك على يد الكنعانيين القدماء من سكان سيناء. ويشير كذلك إلى أنه من الكنعانية السينائية تحدرت الأبجدية الفينيقية التي استخدمها قدماء اللبنانيون،وانبثق منها أبجديتان: الأولى: صدرها الفينيقيون إلى أوروبا عن طريق اليونان،وتطورت مع الزمن إلى الحرف اللاتيني،والثانية: استخدمت في بلاد الهلال الخصيب وعرفت بالآرامية.
جميل أن نعرف من خلال هذا الباحث أن الخط العربي الأبجدي قد نشأ في جنوب الأردن، على يد الأنباط العرب ومعروف أن الأنباط أسسوا أول مملكة عربية في التاريخ الحديث،وليكون الأردن مهد أهم انجاز قدم على طبق من ذهب للأمة العربية، أمة الضاد، ولأمم أخرى، إسلامية وغير إسلامية، هذا الحرف النبطي الذي انتشر، بعد أن تبناه الإسلام وكتبت به لغات أمم أخرى، في بلاد عدة منها إيران وتركيا والباكستان والبوسنة، كما كتب به الحرف العبري في مرحلة ما .
لقد شهد التاريخ الإنساني، من وجهة نظر علماء الاتصال، ثورات للمعلوماتية تمثلت الثورة الأولى منها وهي الأهم والأخطر، باختراع الأبجدية _ أو الألفباء _ التي مكنت الإنسان من تسجيل أفكاره برموز ذات معنى،سهلة التداول والتعلم والقراءة. أما ثورة الاتصال الثانية فانبثقت من ألمانيا ، وتمثلت باختراع المطبعة،وأما ثورة الاتصال الثالثة،فهي الثورة الالكترونية ، والتي توجت باختراع الحاسوب / الكمبيوتر في منتصف القرن العشرين ومن ثم الانترنت والتلفاز الرقمي و نقل صورة ورسالة من الهاتف النقال (الرقمي).
ولما كان الأنباط قد حرموا من فضل جديرون به ، فأن وضع هذا الجهد في إطاره الصحيح يتطلب بالتأكيد أعادة دراسة الانجاز الحضاري النبطي عبر منظور ثقافي – اتصالي، وهذا ما سعىت هذه الدراسة لتحقيقه، حيث مكنت المعرفة المتجمعة الباحث من إعادة تقييم الأثر الاتصالي المعلوماتي الذي خلفه الأنباط, خاصة وان هذا الانجاز قد تحقق في مرحلة حاسمة من تاريخ الإنسانية، حين بدأت المجتمعات تنتقل من مرحلة العصر الشفوي إلى مرحلة عصر الكتاب،وحيث لا مفر من إعادة النظر في هذا التاريخ في ضوء النظريات الحديثة، لنكشف عن كنوز إسهاماتنا في الحضارة الإنسانية.
ويتحدث الباحث عن فضائل هذا الانجاز، إذ أن الورق والقرطاس يعتبران من وسائل الاتصال التي تدعم السيطرة على المكان، لأن الورق يتصف بالخفة في إمكان نقله؛ كما أن الورق بالتحديد مناسب لإدارة مناطق شاسعة، وهو مؤات للتوسع في الأعمال التجارية، كما انه يؤدي إلى تحقيق مزيد من المركزية الإدارية يضاف إلى ذلك أن استخدام الأبجدية مع ورق البردي، وهما أداتان اتصاليتان مهمتان، أدى إلى إنهاء سيطرة كهنة المعبد وكتابه واحتكاراتهم للمعرفة والسلطة، كما أنه سمح بإيجاد جمهور من القراء بعيد زمانا ومكانا عن الكاتب المؤلف،مما سمح ا بإيصال المعرفة لجماعات غير مدربة أصلا على فهم المعرفة المجردة. ونجحت الكتابة في تحويل المعرفة إلى معلومات.
أصبحت مهنة الكتابة أداة مهمة، وكانت وراء إحداث التغيير الاجتماعي والنفسي في المجتمعات التي دخلتها.أمام هذه الحقيقة يتساءل الباحث هل إن حروف الأبجدية العربية التي طوروها كانت من مصادر قوتهم ؟ أو هل كانت قوتهم السياسية والاقتصادية دافعا لهم لتطوير حروف الأبجدية العربية ؟وفي معرض إجابته على التساؤل يقول أن الكتابة عززت بصورة قوية جدا على التفكير المجرد وعزز البنيان الاجتماعي الممتد من موقع الفرد القائد ومكانته،وعمل السيف إلى جانب القلم،وازدادت السيطرة( السلطة)الفعلية لتركزها بأيدي فئة قليلة وقويت مكانة التخصص الوظيفي.
لقد كان الأنباط شعبا صغيرا، لكن مضاء عزيمته ، وتصميم قيادته من موقعها الاستراتيجي على التمسك بالريادة، مكنه من الوقوف على قدم المساواة مع جيرانه الأقوياء، الذين تجاهلهم الأنباط معظم الأحيان، أو دفعوا لهم نقودا أحيانا أخرى، ليتقوا شر خطرهم وطمعهم،كما أن موقعهم الاستراتيجي ساعد في رفد لغتهم بالأصول العربية الجنوبية، وزادوا على هذا بان طوروا لها حروفا أبجدية استجابت لأصواتها .
يمهد ذلك الواقع إلى اتضاح أن الأنباط استخدموا اللغة العربية، لغتهم الأم، في حديثهم اليومي،في الوقت الذي تزامن ظهور الحرف النبطي كحرف قومي مع انحطاط السيطرة اليونانية على المناطق المجاورة لبلاد الأنباط،وفي تلك المرحلة كان الأنباط قد حافظوا على استقلالهم في وجه القوة العظمى المجاورة لهم، واكتشفوا أنه لا السلوقيين ولا البطالسة، استطاعوا أن يقهروهم أو يخضعوهم لسيطرتهم،لا بل وعلى العكس من ذلك اكتشفوا أنهم يستطيعون أن يقفوا في وجه هذه القوى الخارجية على قدم المساواة في ميدان المعركة،فقد صاحب ظهور الحرف النبطي كأداة اتصال خاصة بهم شعورهم بقوتهم وقدرتهم على السيطرة على محيطهم ووقوفهم في وجه القوى المعادية وقيام دولتهم،لقد شهدت هذه المرحلة ظهور دولة الأنباط كمملكة مستقلة،ويكون لحرفها النبطي اليد الطولي في أية منافسة مستقبلية مع شقيقيه الخطين الآخرين (التدمري والسرياني)،وتغدو الأبجدية النبطية أكثر مرونة ودقة،وتصبح المملكة النبطية منفتحة على الجنوب بما يتمتع به من قوة معززة للتراث، والشمال والشرق والغرب، بما فيها من تنوع ثقافي وثراء دولي.
إن الأبجدية الوطنية،كما كشف الباحث، استطاعت أن تكيف نفسها مع اللغة العربية الفصيحة، يثير في الأذهان دور آلهتهم(الكتبى)، وتنبع أهمية أسمها في الواقع من كونها مشتقة من فعل(الكتابة) في اللغة العربية،وعندما تصبح الكتابة عند الأنباط عملا اتصاليا مقدسا، هذا العمل الذي ساعد على إشادة المملكة النبطية نظاما اقتصاديا وسياسيا مؤثر، وتطوير أبجدية قومية والاتصال مع الجنوب(الحجاز)حيث مع الأصول والجذور، إضافة إلى تعزيز الثقافة النبطية الشفوية، وتغذية الشعور القومي كذلك، مثلما فعلت ديانتهم ونقودهم وطموحاتهم للنجاح والبرجماتية.ولا يغربن عن بالنا إن إطلاق الرومان على بلاد الأنباط اسم الإقليم العربي، تأكيد على هوية سكان الإقليم العرقية.
أما أثر الأنباط الاتصالي الثاني المهم والخالد، فهو الخط العربي الذي أورثوه لأقربائهم العربي، وانتشر انتشارا واسعا، حمل العرب الذين جاءوا بعدهم الرسالة،فكان عليهم أن يطوروا الحرف النبطي – العربي كي يصبح أكثر مرونة ليدونوا القرآن الكريم به هذا الكتاب الذي يتوجب على كل مسلم مؤمن أن يتلو آياته ويحفظها، ولتحقيق هذا الأمر، أصبح لزاما على المسلم، سواء كان عربيا أم غير عربي، أن يتعلم قراءة الحرف النبطي –العربي .
هكذا أصبحت مملكة الأنباط في تاريخ ثورة الاتصال الأولى (إمبراطورية المعرفة) في الشرق، تماثل الإمبراطوريات المعرفية الأخرى في بلاد الفينيقيين واليونانيين وهي وان سلطانها السياسي قد اختفى،حين ضمت المملكة للإمبراطورية الرومانية عام 106 م فان روحها التي قاومت الخضوع عاشت خاصة في الفنون مثلما خلدت في أبجديتها أيضا، و كان هذا هو الأثر الاتصالي الثالث ( بعد الحرف العربي والأبجدية العالمية ) الذي خلفه الأنباط لنا ، مثبتين فيه أن الوسيلة تستطيع أن تحتفظ برسالة خالدة تتحدى الزمن.
من هنا أوصى المشاركون في مؤتمر نظمه بيت الأنباط بالتعاون مع سلطة إقليم البترا (2011) 0 بالسعي إلى انتخاب البترا عاصمة للثقافة العربية، بشكل يشير إلى أن البترا تتجاوز طبيعتها الأثرية السياحية الفريدة الى مكانتها الثقافية الرائدة في الحضارة العربية ،التي أحرزتها من خلال تطوير الخط العربي ، الذي كان من منجزات الأنباط، حيث تم على أيديهم و في هذه البترا الخالدة تطوير الأبجدية العربية إلى الشكل الذي نكتب فيه لغتنا العربية ، كما أن هذا الحرف العربي المستنبط في البترا على يد الأنباط قد تبنته خمس عشر ثقافة أخرى الى جانب الثقافة العربية، عندما كتبت به تراثها وأدبها ، كالثقافات الفارسية والتركية والبوسنية، أصبح الحرف العربي من خلالها حرفا عالمي الانتشار كما الحرف اللاتيني الذي عبر من خلال الثقافة اليونانية إلى الثقافات الغربية كافة.
وهذا ما أثبته الباحث الأردني عصام سليمان الموسى بالبرهان العلمي، وبالاعتماد على النظرية التاريخية النقدية للاتصال أن البترا مركز ثقافي رئيسي، وذلك من خلال مراجعة وافية لتاريخ الأنباط وتراثهم ونقوشهم ، وما توصل له العلماء الذين بحثوا في منجزاتهم،مما أوصله في النتيجة إلى أن البترا مركز حقه مغموط،لأنه لم يبرز كمركز ثقافي، استنبط فيه الحرفان، العربي واللاتيني،اللذين نبعا من أصل واحد ، هو الأصل الفينيقي المتحدر عن الأصل الكنعاني. وبذلك أن أجدادنا قد حققوا عن طريق ذلك الاستنباط ثورة عالمية علمية في المعرفة والاتصال، حيث مكنوا الإنسان،القديم والحديث، من استخدام أبجدية شعبية سهلة، على عكس الأبجدية التي طورها السومريون والمصريون القدماء،التي كانت تعتبر أبجدية برجوازية حيث كانت حكرا على طبقة محدودة، و حيث أن الكتابة كانت معقدة تعتمد على الرسم والتصوير، وبحكم طبيعتها، مارست هذه الطبقة احتكار الكتابة، ومن خلال ذلك مارست سلطة المعرفة على بقية الطبقات، ومنذ أن طورت الأبجدية المعاصرة ، استطاع الإنسان أن يدون منجزاته ويكتبها ويحفظها،لا في الصدور والذاكرة كما كان الوضع قبل الأبجدية، بل على أدوات الاتصال الأخرى القابلة للحفظ كالجلد والورق، والحاسوب حديثا .
إن البترا بهذا الإطار تشكل ظاهرة متميزة ليس ضمن الثقافة الأردنية فحسب، و لا الثقافة العربية وحدها، وإنما ضمن الثقافة العالمية بكليتها، ومنجزا حضاريا من نوع فريد من مظاهر الحضارة الإنسانية ككل.مما يجعل البترا تتجاوز كونها موقعا أثريا محليا بارزا، أو كونه محطا سياحيا يؤمه السياح من كل مكان. و إن كانت البترا قد نالت الاختيار العالمي بجدارة كإحدى عجائب الدنيا السبع ،فان على الأردن ومن خلال وزارت التربية و التعليم و الثقافة والسياحة و الآثار وعلى جامعة الدول العربية ومن خلال المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، أن تنسق جهودها في إبراز هذا الدور وهذه القيمة على المستوى العالمي، مما يبرز دور الثقافة العربية في التراث الإنساني الخالد.
أما في الأفق اللغوي فتعتبر اللغة من أوضح سمات الجنس البشري تمييزاً له دلالة على طبيعته الفريدة,وهي- أي اللغة- مرآة العقل,وأداة الفكر, ووعاء المعرفة والثقافة, وهي أيضاً نشاط جماعي ناتج عن التفاعلات الاجتماعية, وترتبط بحاضر جماعتها, فتاريخ اللغة يكاد يكون هو تاريخ شعوبها.وأما لغتنا العربية فيكفيها شرفاً أن القرآن الكريم أنزل بها, وفي هذا يقول الحق سبحانه وتعالى :(كتاب فصلت آياته قرأناً عربياً لقوم يعلمون) (فصلت :3)،وتتميز كذلك على سائر اللغات بالمرونة وجزالة الألفاظ.وهي ذات سمة بالغة الأهمية, ألا وهي الحركة، فتحريك حروفها تمكن السامع من فهم مدلول ألفاضها فهما صحيحاً, وهذا أمر ضروري خاصة في فهم القرآن الكريم , حتى يفهم الفهم الصحيح الذي يطلبه الشرع منا , وحتى نطبقه في حياتنا ونتمثله في سلوكنا.
أما ما يتعلق بالثقافة وما يتصل منها بعملية التبادل الثقافي وما يثار حولها من تخوفات وخاصة في مجال طغيان الثقافات الأخرى، فلماذا نخشى على ثقافتنا من الثقافات الأخرى،وبالأخص الحديثة والمتقدمة ؟ماذا يضيرنا – مثلا – إن نحن استخدمنا الكمبيوتر والإنترنت والبريد الإلكتروني، ألا نستطيع أن نوطنه لثقافتنا ولمصلحتنا، وفي زيادة رقعة اتصالاتنا وتفاعلاتنا مع العالم. لكي نقدم أنفسنا إلى العالم من جديد،على أننا أمة ذات حضارة، مثلما أنها أمة ذات أمجاد وفضلها على العلم مشهود له، وما قدمته إلى مسيرة التطور الإنساني لا ينكره أحد؟ وهل ثمة بأس من إدخال تطوير أو تحديث من نوع ما، على أساليب عيشنا ومأكلنا وملبسنا ومسكننا، اقتباسا، أو إيحاء مما ينتجه الفكر العالمي أو الإبداع الإنساني، من أي مكان، وفي أي ثقافة؟
لقد انقسم المثقفون العرب في الإجابة على هذه التساؤلات إلى ثلاث فئات :الفئة الأولى : وهم الخلدونيون، الذي يذكرون بمقولة ابن خلدون عن تبعية المغلوب بالغالب،ولما كان الغرب (كاستعمار) قد غلب وأن العرب (كمستعمر) قد غُلِب، فإنه يخشى أن يكون المغلوب تابعا للغالب من حيث التأثير الثقافي، باستمرارية تلك الوضعية السالفة.والفئة الثانية وهم المتغربنون الذين يفضلون الأخذ من ثقافة الغرب، حتى وإن كان ذلك أخذا مباشرا دون زيادة أو نقصان، وبدون أية إضافة للثقافة القومية (من ذاتها) أو للثقافة الإنسانية (من الإبداع العربي). واعتبار أن استباق الغرب ثقافيا مسألة غير واردة، وأن الاحتياج للوسائل الغربية للتعبير عن ذاتنا وعن ثقافتنا أمر حتمي لا مفر منه.أما الفئة الثالثة فهم التوازنيون الذين ينادون بفتح الأبواب والنوافذ للثقافة العربية لتأخذ من غيرها وتعطي لغيرها، بشكل تفاعلي متبادل، لا يحد منه عجز ولا تصده مقاومة تدعو للانغلاق والابتعاد.
إن عمليات التبادل الثقافي بين الشعوب والأمم، تعلمنا أن تجنب الطغيان الثقافي، لا يأتي بالابتعاد ولا يتم بالانغلاق، وإنما على العكس من ذلك بالانفتاح الثقافي، الذي يشكل تغذية مستمرة للمخزون الثقافي، ومنشطا دائما لأجهزة الثقافة، لكي تجدد خلاياها وتعطي من جديد، وتتدفق باستمرار، شأنها شأن جسم الإنسان الذي يحتاج إلى الغذاء والماء والهواء ليجدد طاقته وخلاياه.
وهذا ما قال فيه (غاندي) مرة من أنه لا يريد أن يكون منزله محاطا بالجدران من جميع الجوانب ونوافذه مغلقة، بل أنه يريد أن تهب الثقافات المختلفة على منزله بمنتهى الحرية، في الوقت الذي يرفض فيه أن تعصف به أية ثقافة من هذه الثقافات. فهل ينتقل العرب إلى هذه الحالة، التي يتعاملون فيها مع الثقافات الأخرى والإبداع الإنساني دون خوف أو انهزامية أو تبعية، ليضيفوا إبداعا ثقافيا عربيا، يرسم الصورة الثقافية الإنسانية المتكاملة. حيث أن المثقف العربي أمام حالة جديدة من حالات التواصل، إن أحسن الاستفادة منها تقدم، وإن تجاهلها تراجع وانعزل وابتعد .
*باحث اجتماعي في قضايا الثقافة والتنمية
.dfaisal77@hotmail.com
.