*محمد وليد الحاجم
( ثقافات )
تعرّف إلى نتاج روسيا الأدبي عبر كبار كتابها، وقرأ نجيب محفوظ عشرات المرات وفرانز كافكا، فسال قلمه قصصاً وروايات، لكن بأسلوب مختلف… محاكاة بالحشرات.. يعلل “أليس غريباً أن “يُرشَّ” إنسانٌ على حاجز كما تُرشُّ ذبابة؟ أليس غريباً أن يُداس بالجزمات كما يُداس صرصور؟ أليس غريباً أن تُباد عائلة في حجرة نومها كما تُباد مستعمرةٌ من المنِّ؟”..
منذ 2004 أطلق باكورته “المنعطف المضاء”.. وغيرها ممن لم يجرؤ احد على نشرها. عقد من رفقة الكلمة والنص، نحتاً وكتابة، عرضه حوار مع “تحولات” للروائي اللبناني عصام حمد.
1 – بداية هل لك ان تعرف قرَّاء مجلتنا على نفسك؟
أنا قاصّ وروائي لبناني. مجموعتي القصصية الأولى “المنعطف المضاء” صدرت في 2004 وروايتي الأولى “طموح مخطوطة” في 2005 ومجموعتي القصصية الثانية “أول آكل للحم الحيوان” في 2008 وروايتي السياسية الأولى “في وجهك يا وقح” نشرتها 2011 بالشبكة العنكبوتية إذ لم يتجرأ على نشرها أحد!
2 – أنت تكتب منذ أكثر عشر سنوات. فلماذا أنت بعيد عن الساحة الثقافية؟
أصدقائي يعرفون عني قولي لهم – كلما دعوني إلى ندوة فكرية أو أمسية شعرية: لكنَّ عندي ضيوفاً أجالسهم: دوستويفسكي وتوماس مان ونجيب محفوظ، أو الجواب: أسهر الليلة مع أبطال روايتي، فإن عقدتهم لم تنحلَّ بعد! هكذا قضيتُ كل تلك السنوات حتى صرتُ إذا نشرت كتاباً تنكَّر لي الصحافيون والنقاد كما تنكَّرت لهم، من قبل، ورغبتُ عن صحبتهم- إلا صديقاً واحداً هو الصحافي معمر عطوي الذي تابع كتاباتي بالذكر والنقد والإشادة في بعض الصحف المحلية.
3 – هل تحدِّثنا عن نشأتك الثقافية والأدبية وصولاً الى الآن؟
كنت شغوفاً بالعلوم. أقرأ كتبها وأجري التجارب العلمية حتى انفجرت مرةً قارورة من المواد في وجهي! لكن حين عثرت، خلال تجوالي في المكتبات، على روايات من الأدب الروسي اجتذبني هذا الفن الجميل. فتركت تجاربي. وانغمست في قراءتها. وكان أن وقعتُ على “حكايات حارتنا” لنجيب محفوظ.. قرأتها عشرات المرات. ثم اقتنيتُ كافة روايات هذا الكاتب العظيم. وقرأتها كلها.. حتى قرَّرتُ الكتابة! فدرست اللغة العربية في نحوها وصرفها. وجعلت أحاول أن أكتب. فما خطَّ قلمي – في ثلاث سنوات- حرفاً! وفي معرض الكتاب العربي بالبيال وضعتُ يدي على كتاب لفرانز كافكا. وكان نجيب محفوظ قد أحبَّه وتأثَّر به. فاشتريته بكل ما كنت أحمل من نقود. ورجعت إلى البيت بالضاحية الجنوبية ماشياً! عشتُ من قراءة كافكا كأنني أحلِّق في السماء. وما انقضى الأسبوع حتى سال قلمي حروفاً. ولمَّا ينقطع السيل القصصي حتى اليوم!
قصصي أساسها سؤال
4 – ما هي الموضوعات التي تتناولها في كتابة القصص والروايات؟
يتملَّكني خاطر أو سؤال: ماذا لو مات رجلٌ وأبى أن يُدفن؟ ماذا يحدث إذا قرَّرت فتاةٌ أن تنزل إلى الطريق عاريةً؟ ما مصير فتى مراهق يعيش في قرية لا يأكل أهلها إلا الطعام النباتيَّ، وهو يشتهي أكل اللحم؟ هل حقاً أولع صبيان الشياح وعين الرمانة بمكافحة الحشرات في 1975؟.. تستغرقني الإجابة عن السؤال شهوراً وسنوات أقطف في نهايتها قصة قصيرة أو رواية!
5 – ما التقنيات والبنى الأسلوبية التي اعتمدتها في السرد والعمل القصصي؟
القصة تفرض أسلوبها وطريقة كتابتها ومدرستها. ففي “الميت الذي أبى أن يُدفن” اعتمدت السريالية. وفي “أول آكل للحم الحيوان”- وهي قصة إيروتيكية – تبنَّيت الرمزية..
أبطالي شخصيات معيشة وأحبها
6 – ما هي العلاقة التي تربط بينك وبين أبطال قصصك ورواياتك؟
أبطالي شخصيات رسمتُها على الورق فإذا هي تعيش معي في حياتي اليومية. فأحادثها وأحبُّها.. لك أن تتصوَّر مثلاً حال عائلتي وقد شُغفتُ بالحشرات التي كانت شخصيات في روايتي “أم44 عين الرمانة” عن الحرب الأهلية اللبنانية: الخنافس وفرس النبي والدبابير.. أما زوجتي فتحمد الله على أنني لم أوفَّق إلى اقتناء أم44!
7 – من أين تخلق الشخصية الروائية؟
من أرض الواقع – مهما كانت الشخصية خيالية.
8 – بعد مجموعات قصصية وروايات عدة ، ما الذي تخبِّئه للمستقبل القريب؟
روايتي أم44 عين الرمانة – الحرب الأهلية اللبنانية والاجتياح الإسرائيلي– بالحشرات!
9 – صوَّرت الحرب بالحشرات.. أليس ذلك غريباً بعض الشيء؟
وأليس غريباً أن “يُرشَّ” إنسانٌ على حاجز كما تُرشُّ ذبابة؟ أليس غريباً أن يُداس بالجزمات كما يُداس صرصور؟ أليس غريباً أن تُباد عائلة في حجرة نومها كما تُباد مستعمرةٌ من المنِّ؟ هذه هي نظرتي للحرب في الرواية. على أن الحشرات، أو بالأحرى: الناس “المُحشَّرين”- أي الذين عوملوا كالحشرات فانقلبوا حشرات، أقول: إن هؤلاء لم يكتفوا بالزحف لصقَ الجدران، والنزول إلى الملاجئ المظلمة. بل قاوموا “الوحوش”- بالطبع، فإن الإنسان الذي يدوس إنساناً لا يبقى إنساناً، بل يتحوَّل وحشاً. أما الحشرة التي اخترتُها للمقاومة فهي الدبُّور- الطليعة الحشريَّة في مقاومة التَّحشير اللبناني-اللبناني في 75، والإسرائيلي في 82.. كل ذلك بالتوازي مع ما حدث فعلاً في لبنان من بوسطة عين الرمانة حتى اتفاق الطائف. نعم أنا أزعم أنني الكاتب الذي كتب تاريخ لبنان- بالحشرات!
أنتظر قرار “الآداب”
10 – لماذا لم تنشر روايتك هذه حتى الآن؟
بعد أكثر من سبع سنوات من العمل عليها ليل نهار بلغت بأم 44 عين الرمانة حجماً كبيراً حتى باتت تعبّر عن ظواهر عديدة في الحياة السياسية اللبنانية – بالحشرات: الطائفية والزعامة وحقارة شأن المواطن وعلاقة لبنان بمحيطه العربي وبالعالم.. نعم كل هذا بالحشرات.. حتى رفعتُ عنها القلم أخيراً وعرضتها منذ ثلاثة أشهر على دار الساقي التي تدرسها الآن لترى رأيها في طباعتها ونشرها. وأنا أنتظر!
11 – لاحظت أن عناوين رواياتك تلفت نظر المتلقي.. ما أهم العوامل في اختيار العناوين؟
العنوان عندي يأتي في نهاية القصة، أختاره بعد كتابتي لها بزمن.
12- ما أهم التحديات التي تواجه الرواية العربية الآن؟
ثلاثة تحديات: قلَّة القرَّاء، ونُدرة القرَّاء، وانعدام القرَّاء!
13 ما رأيك بالأدب المحلي الراهن؟
ركيك اللغة في معظمه..
14 ما أجمل عمل إبداعي تعتز به؟
أعتز بكل ما كتبت. فأنا لا أخرج عملاً إلى النور إلا بعد رضائي عنه رضاءً كاملاً. وإلا يبقى في ظلمة دُرجي!