المراسل الصغير


*فجر يعقوب

صورة الفتى الغزّي الخجول وهو يضع على رأسه خوذة المراسل التلفزيوني الزرقاء الغامقة المشهورة بالحرفين «تي في» اللذين يميزانها في الحروب لا يمكن تجاهلها.

يقول المراسل التلفزيوني السويدي يوهان ماتيس سومرستروم صاحب الخوذة التي وضعت على رأس الفتى الغزّي الصغير، إنه فوجئ بولد لم يتجاوز السابعة من عمره يقف على باب غرفته وهو يضع على صدره كيساً من النايلون الأسود، ويقول له إنه سيعدّ تقريراً عن الحرب، وهذا الكيس الأسود ليس إلا سترته الواقية.
سومرستروم الذي عاد من يوم طويل شاق قضاه في مطاردة صور البيوت المهدمة على رؤوس ساكنيها، والأشلاء، والدماء، والمناظر المروعة، يقول إن ظهور هذا الولد أمامه لم يكن يعني وفق المقتضى النفسي للصورة التي ظهر عليها، إلا أن الولد لا يفعل شيئاً سوى أنه يتشبث بالحياة التي يفقدها كثر أمامه، وهو قد وجد كرد فعل غريزي أن سترة المراسل الحربي التي يستخدمها هؤلاء «الأشباح» في تغطيتهم أخبار الحرب وفي بقائهم أحياء على رغم نيران المدافع والدبابات والطائرات التي تنهال على رؤوس الجميع في هذه البقعة الجغرافية المزنرة بالنار، إنما تعني له الحصانة التي لا يمكن اختراقها من جانب من يقومون على مرأى من عينيه بقتل جيرانه وأصحابه، لذا فهو يحتمي بالكيس الأسود، ولا يتوقف عند رمزيته التي لا يفهمها كثيراً.
لم يكن ممكنا تجاوز صورة المراسل الصغير الذي يحتمي بخجله من أقرانه كما يقول سومرستروم، لهذا كان لا بد من منحه كمالاً للصورة التي يريدها بأعماقه حتى يكتشف بذكائه الفطري أن الحياة تنتظره أيضاً لتلاقيه وتمنحه حرارتها مثل كل الأطفال في العالم.
رقص أقرانه حوله عندما ارتدى الخوذة، وشعر بالخجل، ربما بسبب شعوره بأمان ناقص، طالما أنهم لا يشعرون معه بمثل هذا الأمان في اللحظة التي يعبرون فيها عن فرحهم به. يضيف المراسل السويدي الذي التقط له صورة فوتوغرافية بكامل عدته: الخوذة الزرقاء الغامقة، وكيس النايلون الأسود الذي يلفّ صدره به، وتلك الابتسامة الخجولة التي أحرجته لأقل من دقيقة حتى ينتهي الاحتفال به. الاحتفال يتعدى المراسل الصغير بالتأكيد. هو احتفال بالحياة. لقد صور سومرستروم مئات الصور في الحروب والنزاعات التي كان شاهداً عليها كما يقول، لكن مثل هذه الصورة لم تمر عليه من قبل على بساطتها وصدقها. «لقد حرّكت مشاعر كثر راسلوني على بريدي الإلكتروني» يضيف سومرستروم، ورأوا فيها معنى أن يُقتل الأطفال في سنه في حرب ظالمة لا يراد لها أن تنتهي، في ما يقترب هذا الولد من عدة المراسل الحربي لأنه يبحث عن الشعور بالأمان فقط.
الصورة لم تحرك مشاعر كثر فقط، بل أضافت معنى وشعوراً جديدين لمهنة المراسل الحربي.هذا ما يفترضه يوهان ماتيس سومرستروم في الطفل الصغير الذي يلعب دوره الإيمائي علناً من خلال إرادته التشبث بالحياة.
_______
*الحياة

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *