*حواس محمود
يشير العديد من المتابعين وأصحاب الاهتمام بالرواية، كفن إبداعي متميز بات يهيمن على الساحة الثقافية العربية بجدارة، إلى أن المرأة عموما، والمرأة الشابة خصوصا، تهتم بقراءة الرواية أكثر من غيرها من فئات وشرائح المجتمع، وربما هذا يأتي من فراغ تمتلكه المرأة العربية الشابة في حياتها، حيث لا ترتبط بمهام زوجية أو عائلية أو منزلية، فيخلق لديها حافزا هاما للاهتمام بفن الرواية الذي يختلف عن الفنون الأدبية الأخرى كالشعر والمسرح والقصة، إذ الرواية تغرق في التفاصيل، الأمر الذي يلامس سيكولوجية المرأة التي تعشق التفاصيل.
لكي نكون في صلب الموضوع، الذي ربما يختلف حوله القراء والنقاد والمتابعون، استطلعنا آراء عدد من النقاد والروائيات في العالم العربي.
يقول الناقد العراقي محمد صابر عبيد: “الرواية العربية اليوم تحظى بالاهتمام الإعلامي الكبير على مستوى الترويج والتداول والانتشار، وبما أن المرأة الشابة تخضع من حيث بناء ثقافتها بشكل لافت لمُخرجات الإعلام، وما يزوّدها به من مقاربات ورؤى وقيم، فقد توجهت إلى الرواية بوصفها الفن الأدبي الأكثر حضورا في المدوّنة الإعلامية، فضلا عمّا تطرحه هذه الروايات، ولا سيما النسوية منها، إذ تتعرض لهموم هذه المرأة على مستويات متعددة، وبالغة الإثارة أحيانا”.
يضيف عبيد قائلا: “في الوقت الذي شعرت فيه كاتبات الرواية العربيات وكتابها أيضا بهذا الحضور القوي لدى المرأة الشابة، فقد فتحوا أفق رواياتهم على الاستجابة للحراك الثقافي والإنساني والأنثوي لها، ومن هنا فإن ثمة اتجاهين يمكن أن يعززا هذا الرأي، الأول من جهة القراءة والثاني من جهة الكتابة. وربما لن يدوم هذا الزواج بين الطرفين طويلا لأنه زواج قائم على المصلحة الذاتية في استجابة كل طرف للطرف الآخر، وعلى العموم أنا أشجع الإقبال على القراءة مهما كانت الدوافع والأسباب والنتائج”.
الهروب من الكبت
أما الكاتبة والروائية السورية وجيهة عبدالرحمن فتعتبر القراءة فنا ومن لا يجيد القراءة لا يجيد الحياة، وخاصة قراءة الأدب. وعن مسألة تفضيل الشابة العربية لقراءة الرواية أكثر من أي فن أدبي آخر، فهذا ليس مقنعا بالنسبة لها، إذ ترى أن الشابة العربية -وربما الشباب عموما- قد طلقوا الفكر والثقافة، وإذا كانت تلك الشابة العربية تفضل قراءة الرواية، فلربما أنها تبحث بين سطورها عن الحب المكبوت لتعيشه من خلال كتاب روائي، هذا ما يفسر توجه القارئ العربي بصفة عامة إلى قراءة كتب أحلام مستغانمي، المليئة بفصول الحب وتفاصيل العلاقة بين الرجل والمرأة.
من جانب آخر تؤكد عبدالرحمن أن إقبال الشابة العربية على قراءة الرواية، مفضلة روايات الحب والغزل، ليس إلا هروبا من واقع لا يزال يرفل تحت عباءة الجدّ الأول، ويعيش على بقايا موروثات وعادات وتقاليد ابتكرها الرجال ليسيطروا على نساء العصر بقوتهم، من خلال سلاسل الأخلاق. في كل الأحوال طالما أن الشابة العربية تقرأ، فهذا وحده كاف، وهو سابقة يجب تشجيعها، لأن الرواية عالم كامل، ومن خلال قراءتها لها تستطيع أن تطل على العالم البعيد، وتندفع للتحليق بذاتها، وإثبات جدارتها بالحياة.
ثراء الرواية
من ناحية أخرى تؤكد الروائية الإماراتية فتحية النمر التركيز على حيثيات الاهتمام بفن الرواية بغض النظر إن كانت المرأة العربية شابة أم لا. فالرواية في رأيها تحوي كل شيء، إذ تجد فيها المرأة الفائدة، والمتعة، والتشويق والانعتاق، تجد فيها التحرر من كل شيء يؤذيها، وتحلق حرّة في الأجواء التي تحلم به، فيها الإيهام بالواقعية، التي تمسك بيدها نحو عوالم لم تعشها أو منعت منها، وأخرى كثيرا ما تمنتها.
لكن الكاتبة تشترط أن تكون الرواية جيدة، ومكتوبة بإخلاص وثقة من الروائي، الذي يعرف ما يريد ويعرف أيضا ما لا يريد. وإذا جاءت الرواية بهذا الشكل، فلن تكون استراحة للنساء فحسب -بغض النظر إن كانت شابة أوفي مراحل عمرية أخرى فحسب- بل إنها ستكون بلا شك محطة لكل الناس، ومن كل الفئات والأعمار.
الرواية إن جاءت بالشكل المطلوب، ستغنيك عن الكتب العلمية الجافة، والتاريخية الخالية من الروح، ستكون عوضا عن الشعر الراقي، الذي تهفو إليه نفوسنا، ستكون معينا ينبض بالخبرات والتجارب الحياتية، التي عاشها إنسان، وإن اختلف عنك في زمانه ومكانه وشكله، إلا أنك لا محالة واجد نفسك في تفاصيلها.
السبق صار للرواية، بدليل أنه حتى الشعراء الآن يلجون أرض الرواية، ويتدافعون نحوها، وذلك للتأكيد على أن هناك أشياء عندهم لم يستطيعوا تفريغها في الشعر، وكذلك نجد القصاصين، والصحفيين، وكثيرين أصبحوا يكتبون الرواية أو يحلمون بأن يقتحموا غابات الرواية وفضاءاتها البكر الكثيرة، والتي لم تكتشف بعد. فهي بسحرها الآسر والمحرض دغدغت خيال الجميع، ولكن هل كل نص يستحق أن يقال عنه رواية، لمجرد أن فيه شخوصا وأحداثا وأمكنة وأزمنة؟ تعتقد النمر أن الأمر أكثر تعقيدا من هذا.
الميل إلى الرومانسية
وتأمل فاطمة المزروعي أن تكون معلومة اهتمام المرأة بقراءة الرواية صحيحة بقولها: “في الحقيقة لست من النوع الذي يحاول أن يصنف، ويعطي المرأة أو الرجل حقا أو صفة، دون أن يكون هناك معيار حقيقي وواضح. أجد طرح الموضوع غير دقيق، فلا يوجد بحث علمي محكم توصّل إلى أن المرأة أكثر قراءة للرواية من الرجل، ولا الرجل هو الأكثر قراءة. ثم قد تكون المرأة تقرأ أكثر لكن قد تميل وتجد راحتها وسموّها في الشعر، خاصة الشعر العذب. ربما يمكن أخذ المسألة من زاوية أن المرأة تقرأ الرواية وتحديدا الرواية الرومانسية”.
تعتبر المزروعي أنه من الجميل أن يطرح مثل هذا البحث، والأجمل أن نصدق بأن المرأة العربية قارئة نهمة ومتحمسة، سواء للرواية أو لما سواها من فنون أدبية أخرى. ولا يسعها إلا أن تصنف المرأة كقارئة، لكنها دوما لا تستعجل في إطلاق الأحكام والصفات دون مرجعية علمية موثقة.
وهنالك من المبدعين من يميل إلى تأكيد هذه المقولة، كما أكدها الناقد الدكتور محمد صابر عبيد في مطلع هذا التحقيق، إذ يقول الكاتب والشاعر الكردي المبدع جان دوست: “أنا لاحظت هذا الشيء ولكن السر لا أعرفه، ربما المرأة العربية مثقفة وجامعية و.. و.. لكنها بعيدة عن العمل”.
سيظل هذا النقاش دائرا في ظل غياب إحصاءات أدبية في العالم العربي الغارق في التناحر والصراعات متعددة الجذور والمسببات، بعد الربيع العربي، بفعل عوامل محلية وإقليمية ودولية، وفي ظل تحول الاهتمام من الأدب إلى السياسة، نأمل أن يشهد العالم العربي نهضة ثقافية إبداعية عارمة كحالة طبيعية، وكنتيجة حتمية تعكسها ظروف الجزر والتعثر الثقافي والفكري الرهيب.
______
*العرب