*د. زينة كفاح الشبيبي
تعرف المونودراما بأنها ( المسرحية المتكاملة العناصر التي تتطلب ممثلاً واحداً ـ أو ممثلة واحدة ـ لكي يؤديها كلها فوق الخشبة ) .
وفي تعريف آخر بأنها ( مسرحيةٍ متكاملة العناصر يقوم بأدائها ممثل واحد ، ويؤدي فيها دوراً واحداً أو أدواراً متعددة … ينتقل بسرعة كبيرة من دور إلى دور آخر .)
إذا كان النمط المونودرامي في منتصف القرن التاسع عشر متأثراً بجملة التحولات الحضارية والتقنية والثقافية والجمالية في ضوء وضع الإنسان في تلك الحقبة ، فقد انعكست تلك الأفكار داخل المتن المونودرامي إذ عمدت النصوص المونودرامية إلى تجريب بعض الأشكال البنائية متخطية لأنماط بذاتها كانت لها هيمنتها في حقب سابقة ولها معطياتها التاريخية الخاصة فضائها التاريخي والاجتماعي والنفسي للذات الإنسانية ، مثل الموافقة التامة على الانسياب التاريخي للحدث والعقد الخطية والمنحنيات المنتظمة للعواطف واتجاه كل حادثة نحو نهايةٍ ما .. كل هذه العناصر كانت تهدف إلى حذف صورةٍ لعالمٍ مستقرٍ له ما يختلف به وما يعترض الشخصية في المتن المونودرامي من مشاكل وأفكار وبنى اجتماعية واقتصادية .
ومن هنا كان لنا أن نذهب إلى طرح مفهوم التجنيس في الأدب ومديات احتواء كل جنس إلى موضوع وشكل بذاته مع انفتاحه من بعد إلى ضروب الأجناس الأخرى المتجاورة معه وفق مفهوم الشعرية الشاملة أو الجامع للأجناس في المتن ، فالنص الأدبي ـ أي نص ـ له ما يتواصل به مع الواقع المعيش وفق وجهة نظر الذات المبدعة بما تراه من قيم وأفكار تخص زمانها هي .
فالذات في النص المونودرامي نمط فني ، ورغم فردانيتها وانطوائها على ذاتها ووحدتها وما يعانيه من عزلةٍ مكانية تظل ذاتاً لها مساسها مع المجتمع منفتحة على مجمل تحولاته وأفكاره . لذا فإن الذات بكل أبعادها الفردية في متن النص المونودرامي تنفتح على فضاء مجتمع ما يؤشر شموليته لتلك الشخصية وما تحمله من منظومة الأفكار المجتمعية . وهو ما يبرر لدينا حضوراً لمفهوم الشعرية ، سواء في أبعادها الفنية أو في المضامين التي تتسع لأفكار تناظر بها المونودراما نصوصا ذات ثيمات نوعية مثل الرواية والدراما بصورتها التقليدية ، فالنص المونودرامي نص له بنية من الأشكال السردية والحوارية ووصفية والثيمات النفسية والحلمية والانثربولوجية وصيغ الأداء الدرامي والسيرة الشخصية ، ليكون في النهاية فضاءً واسعاً لحضور مجموعة الأجناس والأنواع الأدبية . لذا فإن الشعرية هي حضور مجموعة نصوص وأجناس ذات لغةٍ ما في نصٍ واحد ما يطيح بأحادية الجنس أو مفهوم التجنيس .
ويسجل الناقد ( تزفيتان تودوروف ) إشارة إلى اندثار مفهوم الأدب بأثر انفتاحه على نصوصٍ خارج مديات الأدب التقليدي والفواصل القائمة ” بين الجنس والنوع ” ، وبالإضافة إلى هذه الملاحظات هناك الانتشار الذي يعيشه الأدب حالياً … فهناك منوعات كتابية لا تحصى تعرض نفسها علينا ضمن شطورات مختلفة جداً .
ويرى ( تودوروف ) مسمى ( الأدب ) ليكون لكل ثقافة أو بيئة أو ذائقة لها منتجها من الأشكال والبنى والتعابير ما يجعل من ( الأدب ) فعلاً إنسانياً دون قيود .
إذ تبدو مديات الاغتراب في أقصى مستوياتها في المتن المونودرامي ما يبرر تكسير الشكل المنمط واستدعاء شكل أو سرد أشكال أخرى مجاورة ، لذا فإن الذات المبدعة / الكاتب له ما يعكسه من شؤون حياتية إلى متن النص المونودرامي .
فنظريات الأدب في سجالها حول مفهومي الجنس والنوع ، بأن المفهوم الأول ( الجنس) هو الأكثر سعة وشيوعاً في معاجم الأدب ، ليأتي مفهوم ( النوع ) ملحقاً وراشحاً من (الجنس) الذي يأتي في أحيان كثيرة حاملاً لدى بعض النقاد مفهوم النوع أو النمط أيضاً.
وبذلك فإن النص المونودرامي يحكي درجة وفق ما تقدم من آراء في تصنيف النوع والذي يقابله أحياناً بالنمط . ويتجسد ذلك جلياً فيما طرحه ( باختين ) بأن النص المونودرامي نص راشح من الجنس الدرامي الأكبر ( المسرحية ) وتجاوره مع الكثير من النصوص والأجناس الأدبية والفنية الأخرى من ( سيرة ، شعر ، سرد ، قصة ، … الخ ) .
ويضاف وفق مفهوم الشعرية التي ينخرط بها النص المونودرامي بتنوع الملفوظات المؤداة إلى تنوع الأصوات أو وفق ما أسماه ( باختين ) بـ ( البوليفونية ) ، أي أن هنالك تعددية لسانية أو تعدد اللغات والتعددية الصوتية .
فالنص المونودرامي معروف عنه ” سرد تحمله الشخصية الأحادية المهيمنة في متن النص هو من يتولى إدارة الفعل الدرامي والأداء السردي لمجموعة من الشخوص والذكريات في أزمنة وأمكنة مختلفة . وذلك مؤشر على استدعاء لتلك الأصوات بكل مرجعياتها الاجتماعية والنفسية …. الخ . ويشترط ( باختين ) لتحقيق ( البوليفونية ) ثلاثة شروط في متن النص ، وهي : ” أ ـ اللا تجانس ب ـ الحوار والمونولوج ج ـ التعدد اللغوي .” ويقصد بـ ( اللا تجانس ) تصارع وتباين الأصوات ومرجعياتها في النص الواحد . أما (الحوار ) فهو انفتاح الشخصية على الشخوص المحيطة بها عبر الحوار الكاشف عن مكونات كل شخصية وأبعادها النفسية والثقافية وموقفها حيال الحياة وشؤونها عموماً .
ويهدف الشرط الثالث لـ ( البوليفونية ) الصوتية لكشف مستويات الملفوظ اللساني للشخصية ما يؤشر مرجع الشخصية ذاتها عبر الأسلوب اللغوي أو اللهجة أو أبعاد اللفظ.
ففي نص ( الأقوى ) لـ ( اوجست سترتدبيرج 1849 ـ 1912 ) بعض ملامح (البوليفونية ) وتعدديته واستدعاء الأصوات لتكون حاضرة بوساطة شخصية ( السيدة أكس ) التي تجعل من سردها عنصراً تنوب به عن تلك الشخصيات بكل أبعادها .
ونجد في شخصية ( الخائفة ) في نص الكاتب العراقي ( بنيان صالح ) ( منيكان : 1995 ) تستجمع جملة عناصر تلك التي تحملها البنية الروائية مثل السرد والوصف ، وتلك المرتكزة في البنية الدرامية مثل الحوار والصمت :
” الخائفة : ( صمت ) الفرق بين زماني وزمان جداتي … ( صمت ) لو أنك صائر إلى ما يصير إليه….)
وبذلك نخلص إلى إن شعرية النص المونودرامي لها سعتها بانفتاحها على منظومة من النصوص والفنون والآداب منتظمة في أداء درامي له أبعاده التجنيسية دون أحادية بذاتها ، ما يبرر أن النص المونودرامي هو نص ( تفاعل الأجناس ) بكل أنماطها وأشكالها وهي سمة يضاهي بها النص المونودرامي صنوف الأنواع والأجناس الأدبية التقليدية الكبرى ( ملحمة ، شعر ، سرد ) وبذلك فإن النصوص المونودرامية تتسم باتساع إمكانياتها الفنية وذلك بانطوائها على جملة نصوص ذات معالم أدبية وغير أدبية .
______
*المدى