*ماجد شاهين
( ثقافات )
كان المعلّم ، و في الأخصّ معلم اللغة العربيّة ، إلا ّ الذين تميّزوا بإخلاصهم للغة وللمهنة و لمعنى التعلّم ، يطلب إلى التلاميذ أن يكتبوا في دفاترهم ما يحبّون ، و ذلك في حصّة الإنشاء ( في زمننا العتيق كان اسمها كذلك ) و صار اسمها حصّة التعبير !
.. التلاميذ ُ ، كانوا ينشغلون في الكتابة و محاولة إيجاد فكرة أو صورة لما يحملونه في الذهن أو لما قد يخطر في البال ، و يشرعون في الكتابة !
.. كان المعلّم يجول بين مقاعد ( بنوك ) التلاميذ و يراقب الأولاد و كان بين حين ٍ و آخر ينادي ويقول : اكتبوا بين الأسطر و بداخلها ولا تخرجوا عنها !
.. كان المعلّمون ، يحاولون تدريب الأولاد على الانضباط والالتزام و عدم الخروج عن السطر ، والأولاد التزموا في مجملهم .
لكن ّ !
ما الذي ظهر في ما بعد ؟
الأولاد لم يتمرّنوا على الكتابة المفيدة ، بل انخرطوا في سعي مستمر لكي لا يخرجوا عن السطور و ما بينها !
.. المعلّمون أشغلوا التلاميذ في البقاء بين السطرين وعدم الخروج عنهما ، والتلاميذ انشغلوا بـــ ِ ” كيف لا يجعلوا الحروف تخرج عن إطار السطرين كما أراد المعلّمون .
…
لم يكن المعلّم يقرأ الكثير ممّا يكتبه الأولاد ، كان المعلم يضع ” التقدير / التقييم ” بــ ِ علامات أو بتقديرات ( جيّد أو متوسط أو غيرها ) دون الالتفات إلى متن النصّ ، بل كان يعتني بأناقة خطوط الأولاد والتزامهم الكتابة بين السطور و نظافة الدفتر .
باستثناءات معروفة ، و لها حضورها في اللغة والدفاتر ، لم يكن المعلّم ينشغل بغير حشر التلاميد بين سطرين في الدفتر !
.. تلك حكاية أوّل الأمر و عدم الخروج عن السرب .
الدفتر مكان
السطور ميادين محددة لعبور الأسراب
المعلم مفتش يكتفي بمراقبة البرواز
والتلاميذ كانوا يجهدون في حشر الأصابع والأقلام لكي لا تزوغ أو تنحرف عن سطرين .
…
لم يكن مهمّا ً ، بالنسبة للمعلّم ، أن يكتب التلميذ شيئاً مفيداً .. بل كان المهمّ أن لا يغرد التلميذ خارج السرب أي لا يكتب خارج السطرين .
هل تتذكرون الهوامش ؟
تلك حكاية أخرى كان المعلّمون كلّهم يطلبون فيها إلى التلاميذ ترك مساحات طوليّة في الدفاتر و كان اسمها ( هوامش ) .
…
في آخر الأمر ، قفز تلاميذ كثيرون عن حكاية الهامش و تجاوزوا حدوده ، فيما غمّس عديدون خارج الصحن ، أيّ أنّهم خربشوا خارج السطرين و فوقها و خرجوا عن النصّ .
_______
*كاتب من الأردن