*باسل العودات
قلّة هي الأفلام التي حظيت باهتمام جماهيري قبيل بدء تصويرها، كما حظي فيلم “أنا مع العروسة” على الرغم من أنه مبادرة فردية ذات طابع إنساني ولا شبهات تجارية تحيط بها.
“أنا مع العروسة” فيلم اعتمد في إنتاجه على تبرعات بسيطة لأناس عاديين، لكنه بات حديث وسائل إعلام إيطالية وأوروبية عديدة على الرغم من أنه لم يُنجز بعد، وأصبح وفق بعض النقاد أكثر الأفلام المنتظرة لعام 2014 في إيطاليا، وأول الأفلام الذي يحقق دعما جماعيا كبيرا في تاريخ السينما الإيطالية المستقلة.
الثلاثي أصحاب الفكرة والسيناريو والإخراج، أنتونيو آوغوليارو، خالد سليمان الناصري وغابريله دل غرانده، حملوا قضية تشغل بعضا من المجتمع الأوروبي والعربي وعالجوها في فيلم جريء في فكرته، بسيط في معالجته، سبّاق في طريقة تمويله.
يعتمد الفيلم على قصة إيصال خمسة مهاجرين من إيطاليا إلى السويد، هم لاجئون حرموا من الأمان في موطنهم ولجأوا إلى أوروبا لتحقيق حلمهم بالأمان والعيش الكريم، ويحاول الفيلم البحث عن لغة جديدة مغايرة لمفهوم الحدود ولمن يأتي من خارجها، وينتقد القوانين الأوروبية المجحفة في حق المهاجرين.
فيما اعتمد التمويل على حملة تبرعات ومساهمات جماعية على المستوى الجماهيري، غطّت نفقات الرحلة والتصوير والإنتاج بكامل مراحله، وجمع منتجو الفيلم أكثر من 60 ألف أورو في أقل من شهر من خلال الإنترنت، وهي ما تزيد عن نصف الكلفة الإجمالية لإنتاج الفيلم.
شاعر فلسطيني-سوري وصحفي إيطالي يعيشان في مدينة ميلانو، يلتقيان بخمسة مهاجرين سوريين وفلسطينيين ممن وصلوا بقوارب الموت إلى شواطئ لامبيدوزا بإيطاليا بعد هروبهم من الحرب المستعرة في سوريا.
ويقرر الصديقان مساعدتهم للوصول إلى السويد تهريبا من خلال خطة جريئة تعتمد على تحويل عملية التهريب إلى زفّة عرس لتجنّب الشبهات، تنطلق من إيطاليا وصولا للسويد مجتازة عدة دول أوروبية.
يتم اختيار صديقة فلسطينية للعب دور العروسة، فترتدي ثوب الزفاف لإنجاز المهمة، يتطوع أصدقاء إيطاليون كثر للانضمام إلى الزفة التي تسير ثلاثة آلاف كيلومتر خلال أربعة أيام.
رحلة محفوفة بالمخاطر والتشويق، تروي قصص المهاجرين الخمسة الهاربين وأحلامهم، وقصص مهربيهم، وتتكشف أثناء الرحلة أسرارا جديدة عن القارة العجوز، وعن تضامن شبانها وقدرتهم على تخطي حدودهم الوطنية والاستخفاف بالقوانين المتزمتة والمراقبة الأمنية لغايات إنسانية بحتة.
يقول القائمون على الفيلم إنهم لم يكتبوا حوارات أو يرسموا شخصيات، بل شرعوا بتحضير الرحلة والتفكير بالمشاهد المفصلية، وتخيلوا الاحتمالات لمغامرة خطيرة وحلم نبيل.
وحول غرابة فكرة الفيلم، قال أحد فرسان العمل خالد سليمان الناصري لـ(العرب): “إن فكرة زفة العرس ما هي إلا قناع نستتر به لتنفيذ هدفنا الحقيقي، وهو مساعدة هؤلاء اللاجئين للوصول إلى هدفهم في السويد، وربما هنا قد يكون السؤال الأغرب وهو لماذا يضطر أحدهم للتنكر لإيصال مهاجرين من إيطاليا إلى السويد، أي داخل أوروبا؟ والإجابة الأسهل على هذا السؤال هي لأنهم غير شرعيين”.
وعن أهم الرسائل التي أراد أصحاب الفيلم إيصالها من خلال عملهم قالالناصري: “ما نريد قوله هنا إنهم ببساطة أناس يبحثون عن الأمان لذا هاجروا (وهذه أقدم أعراف المجتمعات البشرية) ومقاييس الأمان لديهم مختلفة عما نراه نحن، ففي حالة المهاجرين السوريين والفلسطينيين فإنهم لا يرون الأمان في إيطاليا ولا في غيرها من دول أوروبا المتوسطية (…)، لكن هؤلاء المهاجرين إضافة لاعتبارهم غير شرعيين سيصدمون بقانون (دبلن) الذي يفرض على اللاجئ أن يتقدم بطلب اللجوء في البلد الذي يصله أولا”.
أنتونيو آوغليارو، أشار إلى الظروف الصعبة التي رافقت تصوير الفيلم والتي منعت القائمين عليه من تقديم فيلم مثالي فنيا وفق المفهوم التقليدي، لكنه أكد على أن الفيلم سريالي أكثر من المتوقع.
وقال لـ(العرب): “لم يكن لدينا استراتيجية في هذا الصدد، وشخصيا، أعتقد أن أقوى نقطة من الفيلم ليست التقنية الفنية، لأن ظروف تصوير الفيلم لم تسمح بإعداد الفيلم بشكل سينمائي رفيع، فلا تحديد مسبق لمواقع التصوير، ولا إمكانية لتكرار تصوير المشاهد، كنا في عجلة من أمرنا للوصول إلى السويد، لأن كل ساعة تأخير إضافية في مسار الرحلة تنطوي على مخاطر أكبر للتعرض للاعتقال، وفي النهاية لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن هذا الفيلم هو فيلم وثائقي”.
لقيت فكرة الفيلم تأييدا كبيرا وظهر ذلك بعدد المتبرعين له، وأكد غابريله دل غرانده أن معظم التأييد هو دعم لفكرة فنّية متفردة من جهة ودعم لحق إنساني، وأوضح في حديثه لـ(العرب): “الجهات المانحة هي أناس متأثرون بمسألة الهجرة ومآسي القتلى في البحر على طول الحدود الأوروبية. أما عن المعاناة، فهي أولا وقبل كل شيء المخاطر الشخصية الكبيرة التي رافقت إنجاز الفيلم، خاصة بعد أن عصينا القوانين الأوروبية المتعلقة بالهجرة والتي قد تُعرّضنا لخطر المحاكمة، وهذا جعلنا أكثر مصداقية في نظر المجتمع وخاصة ممن يشبهوننا ويؤمنون بحرية الانتقال، وبالإضافة إلى ذلك، ساهمنا بقصة أمل، فيها جمال وصداقة، فالجمهور عموما تعب من الشعور بالأسف والشكوى في وثائقي جديد”.
يسترسل قائلا: “الذي قمنا به عملية عكسية، فبدلا من أن ننسحب من عالم لا نحبّه قلنا له إننا نريد، أنشأنا عالما جديدا فيه سحر وجمال، وقد حرصنا على أن نقدّم في عملنا أمرين، الأول لفت النظر لقضية سياسية عن العصيان المدني، والثاني البحث عن لغة فنية جديدة”.
إيصال مهاجرين غير شرعيين من إيطاليا إلى السويد قد تبدو للبعض فكرة مرفّهة أمام ما عاناه أولئك قبل وصولهم إلى إيطاليا، لكن الناصري يؤكد على أهمية المرحلتين، وقال: “المهاجرون الذين معنا وصلوا عبر البحر وكلهم من الناجين بعد غرق سفنهم، عبدالله على سبيل المثال، والذي يتنكر في دور العريس شهد غرق 225 شخصا كانوا معه على ظهر السفينة، وكل المهاجرين في الفيلم يتحدثون عن تجاربهم التي مروا بها وعن مهاجرين مثلهم صاروا غرقى أو مفقودين في البحر المتوسط، ولهذا قمنا بعمل مقصود، أردنا أن نعصي قانونا أوروبيا”. وعن استعداد الفريق لتحمّل أي عقوبات محتملة لخرق قوانين الهجرة غير الشرعية، قال: “لا نظن أننا خرقنا أي قانون، بل نظن أننا وقفنا مع الجانب الصحيح، وبالتأكيد نحن مستعدون ونكرر، خرقنا (إذا كان ما فعلناه يعتبر خرقا) قوانين الهجرة مع سبق الإصرار والترصد”.
الفيلم الذي يتحدث عن قضية إنسانية- سياسية لها علاقة بحقوق الإنسان وبسوريا والعالم العربي على حد سواء، لم يتلقّ بعد أي دعم من أي مؤسسات أهلية أو حقوقية عربية، لكنّه حظي باهتمام العديد من الجمعيات والمراكز الثقافية والفنية ومنظمات حقوق الإنسان الأوروبية، ومن المحتمل أن يشارك في مهرجانات سينمائية عربية ودولية منها مهرجان البندقية السينمائي الدولي ومهرجان دبي السينمائي.
_____
*العرب